السفيرة الفرنسية لدى سوريا: الصراعات المجمدة قنابل موقوتة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

الدوحة- طالبت السفيرة الفرنسية لدى سوريا بريجيت كرمي النظام السوري بتقديم تنازلات قيّمة للعمل على تسوية الأزمة السورية المندلعة منذ نحو 13 عاما، معتبرة أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتسوية الصراع، ومستبعدة تقديم “هدايا مجانية لحكومة دمشق التي غابت عنها الإرادة الصادقة لحل الصراع”.

وقالت في حوار مع الجزيرة نت إن تعنت النظام السوري أدى إلى وصول كافة محاولات التطبيع التي أجريت العام الماضي إلى طريق مسدود، سواء من خلال إعادة إشراك دمشق في الجامعة العربية أو محاولة التقارب مع أنقرة أو المناقشات التي أجريت بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.

وأوضحت السفيرة الفرنسية غير المقيمة في سوريا أن موقف باريس تجاه دمشق لم يتغير، وأنه لا تطبيع أو رفع للعقوبات أو إعادة إعمار دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية، مما يعني ضرورة تقديم النظام السوري تنازلات ملموسة.

وأكدت أن الوضع القائم على الأرض يظهر بشكل جلي أنه لا يمكن تسوية هذا الصراع عسكريا، وأن الحل السياسي وحده الذي سيحقق السلام الدائم في سوريا.

وأضافت أن سوريا تعاني من تداعيات الصراع الدائر في قطاع غزة، مما يزيد خطورة وصول الصراع إليها، محذرة من أن فتح جبهة جديدة مع إسرائيل في سوريا من شأنه أن يزيد زعزعة استقرار البلاد.

وفي ما يلي نص الحوار..

السفيرة الفرنسية لدى سوريا: تعنت النظام أدى إلى وصول كافة محاولات التطبيع مع دمشق إلى طريق مسدود (الأناضول)
  • بعد سنوات من الحرب في سوريا، هل تعتقدين أن فرصة إحداث تغيير حقيقي فيها أصبحت صعبة؟ ولماذا؟

بعد مرور 13 سنة على الصراع في سوريا والجبهات هادئة نسبيا منذ عام 2020، نواجه الآن خيارا مستحيلا، فإما المضي قدما نحو التطبيع دون القيام بأي تنازلات أولية أو القبول بالوضع الراهن، ولا يشكل أي من هذين الخيارين حلا مقبولا.

لقد أدى تعنت النظام إلى وصول كافة محاولات التطبيع التي أجريت في عام 2023 إلى طريق مسدود، سواء من خلال إعادة إشراك سوريا في الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي أو بمحاولة التقارب التي تمت بين أنقرة ودمشق، أو بالمناقشات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.

وباءت هذه المحاولات بالفشل تباعا في ظل غياب أي إرادة لدى النظام للتسوية، وهو ما أدى إلى تعزيز قناعتنا بأنه لا فائدة من تقديم الهدايا له قبل قيامه بأي تنازل ذي قيمة.

كما أن الوضع الراهن ليس حلا قابلا للاستمرار أيضا، فقد شهدت سوريا مؤخرا أسوأ تصعيد عسكري لها منذ 4 سنوات مع ارتفاع حدة التوتر والعنف في أرجاء البلاد كافة، كما أن الوضع الإنساني أليم وظروف السوريين المعيشية تستمر بالتدهور.

وبالتالي، فإن ترك الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة حدة عدم الاستقرار، ليس في سوريا فحسب وإنما في المنطقة بأكملها، كما أن الأزمة الحالية في غزة تظهر كيف يمكن للأزمات “المجمدة” أن تنفجر في أي وقت في حال لم تتم معالجة جذور الصراع.

يتعين علينا أن نعمل معا لإيجاد مسار ثالث، فالوضع القائم على الأرض وتوازن القوى بين مختلف الأطراف يظهران بشكل جلي أنه لا يمكن تسوية هذا الصراع عسكريا، فالحل السياسي وحده هو الذي سيحقق السلام الدائم في سوريا ويسمح للسوريين بالعيش في أمان وكرامة.

ندعو المجتمع الدولي برمته إلى عدم التغاضي عن الصراع القائم في سوريا بذريعة أنه “مجمد”، لأن الأمر ليس كذلك، فالحرب لا تزال مستمرة في البلاد مثلما يظهر من التصعيد العسكري، كما أن الحد من عملنا على إدارة الأزمات في سوريا قد يؤدي إلى تأجيج الصراع المحتدم في المستقبل.

  • هل تعتقدين أن دمشق منفتحة على الحلول السياسية؟

لا يزال الوضع القائم على الأرض يطلعنا على الحقيقة عينها منذ أكثر من عقد من الزمان، فالحل السياسي هو السبيل الوحيد لسلام واستقرار دائمين في سوريا والمنطقة.

نحن نعلم أن النظام لم يحرك ساكنا في هذه القضية ولم يشارك قط في العملية السياسية بنية حسنة، لكن الانقسام المستمر في البلاد والاحتجاجات المتواصلة في السويداء والسخط المتزايد بين السكان العلويين تذكرنا بأن موقف دمشق لا يمكنه أن يدوم، وأنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار.

مرة أخرى أظهر النظام تعنته في سياق إعادة إشراك سوريا في الجامعة العربية، إذ إن دمشق لم تقدم أي تنازلات لنظرائها العرب، بل على العكس زاد معدل تهريب الكبتاغون بتواطؤ من النظام وجيشه، مما يحول البلاد إلى دولة مخدرات.

ولا تزال شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة لـ6 ملايين لاجئ سوري و6 ملايين نازح داخليا غير مستوفاة، بسبب عدم رغبة النظام في تقديم ضمانات لحماية العائدين.

يتعين علينا أن نستمر في العمل للتوصل إلى حل سياسي للصراع، لأنه السبيل الوحيد لدفع النظام إلى تغيير سلوكه، ونحن حريصون على مواصلة حوارنا مع مجموعة الاتصال العربية في هذا الاتجاه.

  • كيف ترين وضع حقوق الإنسان في سوريا؟ وهل هناك إحصائيات عن أعداد النازحين والمعتقلين والوفيات؟

الصراع في سوريا كان مميتا ودفع المدنيون ثمنه باهظا، إذ أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 500 ألف شخص، ووفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد شهد العام الماضي وحده مقتل نحو 4360 شخصا، بينهم 1889 مدنيا، مما يدل على أن الحرب لم تنته بعد.

ولا تزال تسجل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في سوريا، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان تم توقيف أكثر من 112 ألف شخص منذ مارس/آذار 2011، وهم ما زالوا في عداد المفقودين، ومن بينهم 3105 أطفال و6698 امرأة، كما وثقت الأمم المتحدة أعمال العنف التي تم ارتكابها بحق المدنيين.

تضاف إلى ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها استخدام النظام المنهجي للتعذيب والعنف الجنسي ضد النساء والأطفال والرجال في السجون الخاضعة لسيطرته، ووثق عدد كبير من المنظمات غير الحكومية الانتهاكات التي سجلت في سوريا منذ العام 2011، وجمعت الأدلة والبيانات ذات الصلة.

لقد أجبر السوريون على الهروب من منازلهم بسبب الحرب الدائرة في سوريا والتهديدات بالخطف التي أطلقها النظام، إذ إن قرابة 12 مليون سوري -أي نصف سكان البلاد- أُجبروا على مغادرة أماكن إقامتهم الأصلية بسبب الصراع، كما فر نصف هذا العدد ولجؤوا إلى خارج سوريا، ولا سيما في الدول المجاورة.

أما في ما يخص الستة ملايين الآخرين فقد نزحوا داخليا، وفي معظم الأحيان أكثر من مرة، واستغل النظام فرصة مغادرتهم البلاد لتطبيق نظام يسمح له بالاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، والتالي إعاقة حقهم في العودة إلى ديارهم.

وبعد مرور هذه الحقبة الزمنية من الصراع لا تزال الفجوة كبيرة بين الفظائع الجماعية التي تم ارتكابها في سوريا ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم، ولطالما التزمت فرنسا بمكافحة الإفلات من العقاب، ونحن مصممون على البحث في كافة السبل التي تضمن المساءلة عن هذه الجرائم.

كما ندعم بقوة عمل لجنة التحقيق والآلية الدولية المستقلة والمحايدة، ونرحب بالمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا التي أنشئت في يونيو/حزيران 2023 للبحث في مصير المفقودين في سوريا وتقديم الدعم المناسب للضحايا وللناجين ولأسر المفقودين.

  • ذكرتم خلال مشاركتكم في منتدى الدوحة أن بدائل نظام الأسد متاحة ويمكنكم المساعدة في إيجادها، ما تفسير ذلك؟ وهل لدى فرنسا قناة حوار مع المعارضة السورية؟

ما هو أكيد أنه لن يتم بناء مستقبل سوريا دون السوريين، ولهذا السبب فإن فرنسا تدعم المعارضة السورية التي نجري معها حوارا بشكل دائم، وقد التقيت في باريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوفد من الائتلاف الوطني السوري برئاسة رئيسه الجديد هادي البحرة.

نحن ندعم جميع السوريين الذين ناضلوا للعيش بكرامة، وقد اتخذ نضالهم أشكالا مختلفة، فأتى طورا على شكل حركات وتجمعات احتجاجية مثل المظاهرات التي حصلت مؤخرا في السويداء ودرعا، وتارة بإنشاء منتديات جديدة لجمع القوى الدافعة السورية أينما كانت.

وجميع هذه المبادرات تظهر أن السوريين لم يتنازلوا عن مطلبهم بالعيش في سلام وكرامة، وفرنسا تقف إلى جانبهم في سعيهم هذا.

إن السوريين كافة -سواء كانوا لا يزالون يعيشون في سوريا أو أولئك الذين أجبروا على مغادرتها- يتمتعون بالوسائل الضرورية التي تمكنهم من إعادة بناء سوريا حرة حيث الكرامة والسلام طالما أن الحل السياسي يمنحهم المساحة لتحقيق ذلك، ويتعين علينا أن ندعم كل هذه القوى الدافعة التي تمثل الأمل الحقيقي لمستقبل سوريا.

  • الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد في أغسطس/آب الماضي رفضه إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي قبل بذل الجهود لمكافحة الجماعات الإرهابية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فهل يتعارض هذا مع نهج الحديث عن بدائل للأسد؟

موقف فرنسا تجاه سوريا لم يتغير، وهو يتوافق مع موقف الاتحاد الأوروبي، وهو واضح لا لبس فيه، ولا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا إعادة إعمار دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية، وهو ما يعني ضرورة تقديم النظام السوري تنازلات ملموسة ومؤكدة.

يرتكز عمل باريس على محاور وأولويات عدة، من بينها تعزيز الحل السياسي للصراع عبر توفيرنا الدعم للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، ومكافحة الإفلات من العقاب، كما تهدف فرنسا -إلى جانب شركائها في التحالف الدولي في الحرب ضد داعش– إلى مواصلة مكافحتها للإرهاب.

تدعم باريس السكان المدنيين السوريين، سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، كما كان التزامها المالي بالمساعدات الإنسانية في سوريا ثابتا، وهو لا يزال يشكل ثاني أكبر ميزانية لعملنا الإنساني، نحن نؤمن بأن مساعدة الشعب السوري اليوم هي مساعدة سوريا غدا، وهذا ما يدفعنا إلى دعم مبادرات المجتمع المدني السوري داخلها أو في البلدان المضيفة أو في الشتات.

  • هل للحرب في غزة تداعيات على الأزمة السورية؟ وما مدى إمكانية اتساع رقعة الصراع؟

من الواضح أن للسياقين الإقليمي والدولي انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على سوريا، تعاني سوريا اليوم من تداعيات الصراع الدائر في غزة، وهو ما يزيد خطورة وصول الصراع إلى الساحة السورية، ففتح جبهة جديدة مع إسرائيل في سوريا سيزيد زعزعة استقرار البلاد، وسيكون الشعب السوري مرة أخرى أول ضحايا هذا الأمر.

كما أن العدد المتزايد للأزمات حول العالم يهدد بتعميق الكلل الدولي القائم في ما يتعلق بسوريا، ومع ذلك فإن من المهم جدا أن يستمر المانحون الدوليون في توفير التمويل اللازم لمواجهة الوضع الإنساني القائم في كافة أرجاء سوريا.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية اتجه اهتمام المجتمع الدولي نحو الأزمة في غزة، لكن ينبغي ألا نشيح النظر بعيدا عن الوضع في سوريا، فاليوم وأكثر من أي وقت مضى من المهم أن نبقى متأهبين بشأن الأزمة السورية للتوصل إلى حل سياسي للصراع.

وفي الواقع، إن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والحرب التي تلته يثبت مرة أخرى أن الصراعات التي تعتبر “مجمدة” إنما هي قنابل موقوتة ومصدر تهديد دائم ما لم تتم معالجة أسبابها الجذرية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *