تونس- يعود مامادو (اسم مستعار) -وهو مهاجر من غينيا– إلى الخيمة المنصوبة وسط حقل زيتون في منطقة جبنيانة جنوب تونس وهو يحمل قارورة من الماء ظفر بها بعد جهد وعناء كبيرين، فالبحث عن الماء والطعام بات أبرز أشكال معاناة المهاجرين غير النظاميين في تونس.
تدب شبه حياة لمهاجرين في حقول الزيتون بمنطقتي العامرة وجبنيانة من محافظة صفاقس (جنوب شرقي) أتوا من دول أفريقية عدة واتخذوا من تونس معبرا إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
لكن التشديد الأمني على الحدود البحرية بين تونس وإيطاليا حال دون ذلك، فاضطروا مكرهين إلى البقاء في صفاقس الساحلية، ولا حلول تبدو في الأفق بشأن وضعهم الصعب.
ظروف قاسية
جاؤوا من طغيان الجوع والعطش في بلدانهم يحلمون بحياة أفضل في أوروبا ليصطدموا بواقع ليس أقل مرارة من ماضيهم، ويقول المهاجر الإيفواري موسى للجزيرة نت “هربنا من البطالة والفقر لنجد أنفسنا نعيش ظروفا لا إنسانية في هذه الحقول، أتينا بحلم لكننا اليوم بلا هدف محدد، باتت أهدافنا تتلخص في الظفر بالقليل من الماء أو طعام يسد رمقنا”.
يعيش المهاجرون في خيام صنعوها بأنفسهم من بقايا الأكياس وبعض الأقمشة لعلها تحميهم من لفح برد قارس شتاء أو حر شمس الجنوب الشديد صيفا.
وتفوح من ثناياها البالية رائحة اليأس والإحباط، فتلك الأجساد المتعبة المتوارية في ظلالها تروي قصصا لا تصدق عن معاناة الفقر والحاجة وعن جهود يائسة للبقاء على قيد الحياة.
بدورها، تفيد المهاجرة السودانية منى (اسم مستعار) للجزيرة نت بأنهم هربوا من جحيم الحرب إلى جحيم البرد والحر والجوع، وباتوا يتمنون الموت عن حياة كهذه، وحتى خيامهم أزاحتها قوات الأمن وبقوا في العراء.
لا حلول
يحاول بعضهم البحث عن فرصة عمل في البناء والزراعة وغيرهما، لكن الأجور زهيدة والعمل شاق وغير متوفر دائما، خاصة بعد موجة من الاحتجاجات التي قام بها سكان المنطقة من أجل المطالبة بترحيل المهاجرين.
ووسط ظروفهم المعيشية الصعبة يتعرض المهاجرون للملاحقات الأمنية المتواصلة ولموجات من العنصرية والتمييز من قبل بعض السكان الذين يرفضون وجودهم في منطقتهم، ويطالبون السلطات بشكل يومي بـ”طردهم”.
تعمقت معاناة المهاجرين غير النظاميين في تونس أكثر بعد قرارات الرئيس قيس سعيد القاضية بتجميد أنشطة عدد من الجمعيات الحقوقية والزج بالمشرفين عليها في السجون بـ”تهمة العمل على توطين المهاجرين”، وفق تصريح رئيس مرصد حقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير للجزيرة نت.
وبحسب عبد الكبير، فإن الحلول الملموسة لم تعد متوفرة اليوم لتقليص معاناة الذين تم ترحيلهم من المدن نحو غابات الزيتون، وهم يعيشون وضعية إنسانية صعبة جدا إثر تراجع المساعدات “بعد تخوين نشطاء المجتمع المدني من قبل الرئيس واتفاقياته مع إيطاليا حول منعهم من المرور إلى الضفة الأخرى”.
مقاربة تشاركية
وأكد الحقوقي مصطفى عبد الكبير على ضرورة وضع خطة وطنية واضحة للتعامل مع ملف الهجرة واللجوء، وتنقيح القوانين المتعلقة بوجود الأجانب على الأراضي التونسية، وضرورة حل الملف بمقاربة تشاركية بين الدولة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني.
وبشأن عدد المهاجرين غير النظاميين في تونس، يقول رئيس جمعية الأرض للجميع (حقوقية مستقلة) عماد السلطاني للجزيرة نت إنه فاق الـ20 ألفا حسب وزارة الداخلية التونسية “لكن لا يمكن حصر العدد بدقة حتى الآن”.
وندد السلطاني بالتضييق على الجمعيات والمنظمات الحقوقية في ما يخص مساعدة المهاجرين غير النظاميين في تونس، واعتبره تهربا من قبل السلطات من تحمّل المسؤولية وإيجاد حلول جذرية لهم في ظل معاناتهم المتواصلة.