الزواج في النيجر.. طقوس قبلية صارمة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

أفريقيا- “عندما عدت من غينيا، أخبرني والدي أنه عليّ الاستعداد لحفلة زفافي، لم أكن أعلم شيئا عن الموضوع، فلم يخبرني أحد عن زوجي، بل إني لم أره سوى ليلة الزفاف”. هكذا تقول النيجرية “بلكيسا” من قبيلة التبو، التي أرسلها والدها إلى غينيا لإتمام درجة الماجستير، وهي تعمل موظفة بالجمارك حاليا.

تمثل قبيلة التبو 3.5% من المجتمع في النيجر، وهي تنتشر في منطقة ديفا حيث تلتقي الحدود بين النيجر ونيجيريا وتشاد، وهي أكثر القبائل المحلية تشبثا بتقاليد الزواج الذي يعتبر اختيار الآباء أزواج أبنائهم أكثر مظاهره تجليا، كما أن قبائل عربية موجودة في مناطق “طاو” و”زيندر” ما زالوا متمسكين بهذا التقليد إلى اليوم، وهم يمثلون أقل من 10%، ثم يليهم في ذلك “الطوارق”، في حين يقل عند قبيلة “الزرما”.

في حديث سابق خصه به الجزيرة نت يقول الناشط المدني إبراهيم القاسم الذي كان حتى عام 2017، رئيسا لجمعية نور الهدى الخيرية بالنيجر، عن الأسباب التي أدت إلى اندثار هذه العادة داخل قبيلة الزرما، وقال إن الأخيرة اختلطت وتزاوجت بالفرنسيين أيام الاستعمار، وأضاف “قبيلة الزرما لا تمثل اليوم سوى 24% من المجتمع، لكنهم يشغلون كل المناصب الإدارية والوزارية.

وحظيت قبيلة الزرما أكثر من غيرها بالتقرب الفرنسي، لهذا فإن عادات وتقاليد كثيرة اندثرت عندهم أو امتزجت بنظيرتها الغربية، بحسب القاسم.

بعد الانتهاء من تزيين العريس يبقى جالسا داخل الخيمة حتى انتهاء مراسم العرس (الجزيرة)

بين المهر والهدية

في النيجر لا يمكنك حجز موعد لعقد قرانك على هواك، إذ إنه لا يتم سوى أيام السبت والأحد صباحا للعزاب، أما للأرامل والمطلقين، فقد خصص لهم يومي الخميس والجمعة بعد صلاة العصر.

وحول سقف المهور، يقول القاسم “كان الرئيس سيني كونتشي الذي حكم البلاد بين عامي 1974 و1987، قد استحدث بعض القوانين لتيسير الزواج أمام الشباب، ولتحسين وضع المطلقات أيضا، إذ حدد قيمة المهر بـ50 ألف فرنك أفريقي (حوالي 89 دولارا) بغض النظر عن الحالة الاجتماعية للزوج، وما زاد عنه يعتبر هدية”.

ويؤكد أن دستور الدولة لا يزال يخضع للمذهب المالكي في باب المعاملات، إذ إن المرأة التي تخلع زوجها عند القاضي يتوجب عليها دفع 50 ألف فرنك أفريقي، أو ثمن المهر القانوني فقط.

وعن قيمة المهور، يقول سائق تاكسي بنيامي للجزيرة نت إن المهور لا تقل عن 300 ألف فرنك أفريقي (530 دولارا) ولا تزيد على مليون فرنك أفريقي (حوالي 1769 دولارا). بعض الناس يشتري سلاسل ذهب وملابس للعروس ويقدمها مع 300 ألف فرنك أفريقي، لكن أغلبية الأزواج يفضلون تقديم 500 ألف فرنك أفريقي (884 دولارا) لتتصرف فيها العروس كما تشاء.

تقاليد حسب القبيلة

وعن تقاليد الزواج في قبيلة التبو، تقول بالكيسا “تقوم والدة العروس بصرف مهرها في تجهيزات الحفلة، فهناك مصاريف الولائم ليومين كاملين، بالكاد تكفي بقرة بـ200 ألف فرنك أفريقي (354 دولارا) لإطعام الضيوف، ثم مصاريف الفستان والحناء، والبقية على أثاث البيت، لكن في العادة لا يبقى شيء للأثاث، لهذا يدبر الزوجان أمورهما شهرا على الأقل على حصير، ودلو وإبريق للوضوء، وكيس أرز وأطعمة ترسلها والدة العروسة لها، حتى تستقر حالتهما المادية”.

في العاصمة نيامي، تحكي سيدة طارقية تعمل مزينة للعرائس، عن تقاليد الزواج في قبيلتها قائلة “متوسط المهر عندنا 400 ألف فرنك أفريقي (حوالي 700 دولار) وغالبا ما يقوم والد العروس بصرفه كله على الأثاث، في حين يتكلف من ماله الخاص بمصاريف الزفاف”.

وعن تقاليد العرس عند الهوسا، أكبر القبائل في النيجر، إذ تمثل أكثر من 54% من المجتمع، تحدثت فاطمة أحمد مدرسة في “فرونكو أراب” للجزيرة نت، وقالت “تختلف التقاليد بين العروس البكر والثيب، فالزواج بالنسبة للأولى يومان: يوم للوليمة وآخر للحناء، أما عند الثانية فيوم واحد فقط، وينتهي بانتهاء الوليمة وذهاب العروس إلى بيت زوجها”.

في اليوم الثاني من حفلة الزفاف يرتدي الزوجان نفس الثوب ونفس اللون، تزين العروس في بيت أهلها وتعود لبيت زوجها مكشوفة ومتبرجة
في اليوم الثاني من حفل الزفاف يرتدي الزوجان نفس الثوب ونفس اللون، وترجع العروس لبيت زوجها مكشوفة ومتبرجة (الجزيرة)

حق الخدمة والرؤية والكلام

وتشرح فاطمة تفاصيل الاحتفال، فتقول “في بيت العريس أو في خيمة ملحقة بالمنزل، يجلس الأقرباء بعد انتهاء مراسم عقد القران ليتناولوا وجبة الفطور، وقبل الثالثة عصرا تكون الوليمة جاهزة للتقديم، وهي عبارة عن اللبن واللحم، وينصرفون ليكون اللقاء مساء، حيث يذهبون لأخذ العروسة من بيت أهلها”.

وتضيف “قبل الزفاف لا يسمح للعروس أن تخرج من البيت مدة 3 أيام، بل لا يسمح لها أن تصنع أي شيء فأقرب صديقاتها يقمن بخدمتها كالأميرة، وعندما يأتي العريس وأصدقاؤه لأخذها يطالب أقرباء العروس بحق الخادمات، وفي العادة يدفع لهن العريس 5 آلاف فرنك أفريقي (حوالي 9 دولارات) وهو تقليد قديم يدل على أن الزوج مستعد للتضحية بكل شيء من أجل راحة زوجته”.

لا يتوقف الأمر عند حق الخادمات، بل إن العروس تذهب إلى بيت زوجها بثوب خاص يغطي كل جسدها بما في ذلك رأسها، وعند وصولهم إلى البيت، يطالب أهلها بدفع ما يسمى حق الكلام حتى يستمع الزوج لصوت عروسه، كما أن الأخيرة لا تكشف عن وجهها إلا إذا دفع الزوج حق رؤيتها أيضا.

تقول فاطمة “إذا كانت الزوجة بكرا، فإنها تعود فجر اليوم الموالي إلى بيت والدها من أجل الظفارة والحناء. وتتواصل طقوس تزيينها وتجميلها إلى حلول المساء، حيث تذهب لبيت زوجها مكشوفة ومتبرجة هذه المرة”.

وتكمل “تنتهي مراسم الزفاف، بوليمة من طبق (الياسا) وهو دجاج بالخضروات المتبلة، وعند الهوسا والطوارق والعرب وحتى الفلات، فإن الأعراس تكون غير مختلطة، أما عند “الزرماويين” فإن النساء يرقصن ويغنين، بل إن وجهاءهم يحضرون مغنيا شعبيا لحفلة الزفاف”.

الضيوف أثناء استماعهم لخطة فقيه الحي بعد عقد العروسين للقران
الضيوف في أثناء استماعهم لخطبة فقيه الحي بعد عقد قران العروسين (الجزيرة)

تقديس الزواج

متوسط عمر الزواج في النيجر عند الرجال 25 سنة. فإذا تعدى الـ30 ولم يتزوج أصبح مادة خصبة للنميمة، حيث يتهم بالعجز البدني أو أنه “زير نساء”.

تتحدث فاطمة أكثر عن نظرة المجتمع النيجري لمسألة الزواج، فتقول “الزواج هنا مقدس جدا، فبعض المساجد لا يقبل أن يؤم الناس فيها غير المتزوج وإن كان حافظا لكتاب الله، ونقول لمن تزوج إنه أتم دينه، لكن من تزوج بأربع نساء يعتبر رجلا كاملا، ويشار له بالبنان لكونه مصدر فخر”.

صبيحة يوم الزفاف، يرتدي العروسان نفس الثوب ونفس اللون ويوزع التمر ونوى الكولا على الحاضرين، نواتا كولا و3 تمرات، كما جرت العادة.

يجلس الفقيه مع أولياء العروسين ويقرأ خطبة الحاجة، ثم يعلن أمام الناس كم دفع العريس كهدية للعروس، إذ إن المهر تم تحديد قيمته قانونيا وهو سارٍ على الجميع، ثم تتلى آيات من القرآن الكريم وينصرف الجمع بدعاء الختام.

توزع التمور على الضيوف بعد عقد القران مباشرة والذي يكون في بيت العروس بين أولياء الأمور دون حضور الزوجين
توزع التمور على الضيوف بعد عقد القران مباشرة في بيت العروس دون حضور الزوجين (الجزيرة)

حق العيش

وعن التقاليد المتبعة داخل الأسرة الهاوساوية، تقول فاطمة “عندما تتزوج المرأة من قبيلة الهوسا فإن عليها أن تعتني بكل متعلقات زوجها، فلا تسمح لأحد غيرها بأن ينظف ملابسه وغرفة نومه ولا حتى أن يعدّ له الطعام”.

سنة 2001، وقعت الحكومة النيجرية على بند يتعلق بحقوق النساء، يقضي بأن من حق كل زوجة تعرضت للضرب من زوجها أن ترفع أمرها للقاضي، وأن تستدعيه إلى المحكمة.

وتؤكد فاطمة أحمد أن إقرار حقوق المرأة جاء بعد حراك طويل لجمعية حقوق الإنسان، للحد من ظاهرة العنف الأسري المنتشرة في المجتمع. لكن ورغم كل هذه الجهود، يبدو أن النيجرية لا تزال منشغلة بتوفير “حق العيش” كأولوية قبل النضال من أجل بقية الحقوق.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *