حلب– يتداول السوريون منذ عقود مقولة “الحيطان لها آذان”، وهي كناية عن الخوف الذي يمنع أي شخصين مهما بلغت الثقة بينهما من التحدث في السياسة. ورغم خروج مدن الشمال السوري، وعلى رأسها مدينة حلب الإستراتيجية، عن سيطرة الحكومة، ودخولها تحت سيطرة المعارضة المسلحة، فإن المقولة لا تزال تفعل فعلها فيها في نفوس المواطنين.
وواجه مراسل الجزيرة نت، أثناء جولته في أحياء مختلفة بمدينة حلب، صعوبة في التحدث لعدد من السكان، الذين استحضروا مقولة “الحيطان لها آذان”، مشيرين إلى الكابوس الأمني الذي انزرع في نفوسهم منذ الصغر، ورفض بعضهم تسجيل صوتهم خوفا من انتقام الحكومة السورية.
يقول عبد الحميد زيدان، وهو مواطن من بلدة حريتان غرب حلب، للجزيرة نت “نحن منذ الصغر تعلمنا أنه إياك أن تتكلم فالحيطان لها آذان، ولم يعد أحد يتكلم ويقول لا، لأن كلمة نعم تنقذ حياتهم وتؤمن سلامتهم لكيلا يتعرضوا للاعتقال”.
وأضاف زيدان أنه دخل السجن لمدة سنة ونصف حيث التقى عددا كبيرا من المعتقلين نتيجة تقارير كيدية ترصد أي كلمة تمس السلطة التي جندت عناصر تابعين لها في معظم الحارات والساحات العامة ليبقى الشعب خائفا من التفوه بأي كلمة، حتى ولو كان على سبيل وضع إعجاب على منشور فيسبوك لأي شخص من المعارضة.
هول الصدمة
ولا تقف الأمور عند هذا الحد، إذ يشير “زيدان” إلى أنه “حتى اليوم، وبعد تحرير مدينة حلب، لا يزال الخوف مسيطرا على السكان وكأنهم لا يصدقون ما حدث، أو أنهم تحت هول الصدمة من أن النظام السوري خرج من مدينة حلب وانحسر على يد المعارضة لأكثر من 200 كيلومتر باتجاه الجنوب”.
أما عن الحواجز العسكرية التي كانت تنتشر على الطرقات وبين الأحياء، فقد كانت الرشوة هي كلمة المرور لمن يريد الدخول من خارج حلب إلى داخلها، حيث يجب أن يمر على أكثر من حاجز، وإذا لم يدفع لا يمكن أن يعبر، لا سيما بالنسبة للمطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية من قبل السلطات، بحسب زيدان.
من جهته، كان حسن عتقي، وهو مواطن من حي السليمانية في حلب، أكثر حظا نظرا لكونه وحيدا لوالدته، فلم يكن مطلوبا للخدمة العسكرية، ولكن الخوف ظلّ يتمكن منه، ويغير طريقه كلما أراد المرور من أمام الحاجز. وقال إن “أسلوبهم يعتمد على الإزعاج للمارة وتعذيب العابرين بشكل متعمد على الحواجز لإرهاب الناس”.
أما حازم، وهو اسم مستعار لمواطن رفض الكشف عن اسمه من الخوف، الذي لا يزال يتملكه، فقد قال للجزيرة نت إن حلب شهدت في العام الأخير تزايدا في الاعتقالات بشكل كبير من أجل الحصول على المال حتى ولو لم يكن المعتقل مطلوبا للخدمة العسكرية.
وأوضح أن كل ذلك يحدث من أجل أن يدفع المعتقل للوسطاء مليونا أو مليوني ليرة سورية، حيث يتم اصطحابه إلى قسم الشرطة، ولا يخرج حتى يدفع المال.
وأضاف أن التشديد كان حتى على اقتناء الهواتف المحمولة، فإذا لم يكن الهاتف خاضعا للجمرك، الذي عن طريقه يتم تسجيله لمراقبة التواصل والإنترنت، ويتم دفع غرامة 3 أضعاف ثمن الجهاز.
اعتقالات تعسفية
ونوه حازم إلى أن المراقبة على الجوالات والإنترنت كانت تشمل بشكل خاص تطبيقي “واتساب” و”فيسبوك”، بحثا عن أي تواصل مع أي أحد مقيم في مناطق منبج وإدلب وبقية المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، أو حتى خارج سوريا.
إبراهيم، وهو أيضا اسم “مستعار” لمواطن من حلب، روى للجزيرة نت كيف تم اعتقاله شخصيا، فقط لأنه كان يسكن في حي “الفردوس”، وهو الحي الذي كان تحت سيطرة المعارضة قبل 2016. وأوضح أنه تم فرض غرامة 600 ألف ليرة سورية (ما كان يساوي ألف دولار في ذلك الوقت). وبعد خروجه من السجن جرد من حقوقه المدنية والعسكرية ومنع من السفر، وهو اليوم مشرد ولا يملك منزلا ينام فيه.
وكان إبراهيم أثناء فترة سجنه شاهدا على كثير من الاعتقالات التعسفية، إذ لم يكن معظم أهالي المعتقلين يعلمون أن ذويهم في السجن.
وعن إحدى حالات الاعتقال التعسفية التي أفضت إلى نهاية مأساوية، روى أن أحد جيرانه تم اعتقاله بسبب منشور على “فيسبوك”، وبعد فترة من الزمن تم إبلاغ زوجته أنه مات في السجن دون أي توضيح للتهمة، وما إذا خضع لمحاكمة أو لا.
ومن جانب آخر، لفت إلى أن الاعتقالات كانت تشمل حتى البسطاء والعاجزين من أجل إرهاب الناس، وللحصول على المال، مضيفا “كنت أنا في سجن عدرا الذي يوجد بداخله ما يقارب 25 ألف سجين، ومن بينهم نساء”.