الحرب ودول جوار السودان (3-3)

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

تناولت الحلْقتان السابقتان، مواقف دول الجوار السوداني: إثيوبيا، وإريتريا، وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وما هي علاقة هذه البلدان بالحرب الدائرة، وتداعياتها على الأمن الإقليمي، فضلًا عن علاقة الحكومات والأنظمة في هذه الدول بالجيش السوداني، ومليشيا الدعم السريع المتمرّدة، والعوامل والظروف والملابسات التي قادت لهذه المواقف المعلنة والمستترة.

في هذا المقال

واليوم نواصل ما تبقى بعد تطوافنا على جوار السودان: الشرقي، والجنوبي، والغربي، للنظر في تأثيرات هذه الحرب على كل من ليبيا، ومصر، في جوار السودان: الشمال، والشمال الغربي.

ليبيا

قبيل اندلاع الحرب، لم تكن ليبيا بعيدة عن التطورات الجارية في السودان، سواء كانت الحكومة الليبية في العاصمة طرابلس، أو ليبيا الشرقية – الجنوبية التي يمثلها في بنغازي اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من دول عربية.

تعاملت حكومة طرابلس وَفق ظروفها وعدم سيطرتها على مناطق الحدود الليبية السودانية، لم تبدِ غير الموقف الرسمي المبني على موقف الجامعة العربية وقرارات قمة دول جوار السودان في يونيو/ حزيران 2023م بالقاهرة، لكنها خلال زيارة البرهان يوم 26 فبراير/ شباط الماضي إلى طرابلس والتي تلتها زيارة حميدتي بعد ثلاثة أيام، طرحت بشكل غير معلن وشامل ما يمكن تسميته مبادرة للحل السياسي في السودان.

أما اللواء خليفة حفتر ومجموعته، فقد انخرطوا منذ البداية في دعم التمرد في السودان، بل وكان على علم بساعة الصفر التي حددتها الدعم السريع لانقلابها على السلطة، ففي الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان 2023م – قبيل بداية الحرب  أوفد حفتر ابنَه “صدّيق” ومدير مكتبه اللواء خيري التميمي إلى الخرطوم للاجتماع مع حميدتي والتنسيق معه، وقد كان أن قضى نجل حفتر أيامًا بالخرطوم في ضيافة قائد الدعم السريع، وغادر السودان قبيل اندلاع الحرب بيوم أو يومين، تم خلال الزيارة وضع الترتيبات والتدابير في العلاقة بين الطرفين والاتفاق على ثمن هذا الموقف.

تعود العلاقة بين الدعم السريع وحفتر إلى الفترة التي سبقت سقوط الرئيس البشير، حيث اجتمع الرجلان أو مندوبان عنهما أكثر من مرة في اجتماعات تنسيقية في دولة عربية راعية، وفي 2019م – عقب الانقلاب على البشير – بلغ التنسيق أَوْجه عندما ذاع أن حميدتي قام بإرسال 1500 جندي للقتال لصالح حفتر في معركته لاحتلال العاصمة طرابلس، وحاولت قيادة الدعم السريع نفي هذه الأخبار، وكانت الطائرات التي ترسل بها القوات تنطلق من مطار مدينتي نيالا والفاشر تجاه ليبيا مباشرة أو عبر مطارات عربية.

 العلاقة التي ربطت حفتر بالدعم السريع وبشركة فاغنر الروسية، تنشط في الأساس على ثلاث قضايا رئيسية، هي:

  1. تسهيل مرور الإمدادات العسكرية من سيارات دفع رباعي وسلاح وذخائر التي تصل إلى ميناءَي: بنغازي وطبرق إلى داخل السودان عبر مدينة الكفرة.
  2. التعاون في مجالات تجنيد المرتزقة الأجانب الذين يتواجدون داخل ليبيا، ولا سيما في مناطق الجنوب والشرق وإدخالهم إلى السودان.
  3. تمرير المواد الغذائية والبترولية عبر تنسيق مشترك، وعلاج جرحى العمليات من قوات الدعم السريع.

في هذه المحاور الثلاثة بُنيت علاقة حفتر بالدعم السريع، فقد فتحت بنغازي الموانئ لاستقبال الدعم العسكري الذي تقدمه دول عربية، من سيارات الدفع الرباعي، بكامل تجهيزاتها وقطع الغيار، بجانب السلاح والذخائر ومدافع متوسطة.

يتسلم هذه المساعدات “صدّام خليفة حفتر” المشرف على جيش حفتر، ومن ثم تقوم الكتيبة (106) بنقل ما يصل إلى مدينة الكفرة لتتسلّمها كتيبة (سبل السلام)، وهي عناصر جماعة المداخلة (تنسب للشيخ ربيع المدخلي)، وتوصلها إلى الحدود الليبية السودانية، حيث يتسلمها مندوب الدعم السريع (الطيب حجازي يوسف)، كما ينسق صدّام حفتر مع كتيبة “سبل السلام”؛ لاستضافة وتدريب عناصر الدعم السريع المستجدين في معسكرات في الكفرة الليبية، وأكبرها معسكر ومزارع عبد الرحيم سلطان القائد الثاني لجماعة “سبل السلام”.

كما يساعد حفتر أنشطة الدعم السريع لتجنيد المرتزقة الأفارقة والقبليين المحليين في مناطق الجنوب الليبي، حيث قام صدام حفتر بالتنسيق مع الزعيم المحلي (حسين الشريف) لتجميع المرتزقة في مناطق (أم الأرانب)، وعلى الحدود الليبية التشادية، ومنطقة المثلث الليبي، السوداني، التشادي جنوب غرب (السارا)، ومناطق سبها، وجنوب الجفرة، وحتى عمق الصحاري، كما يستقبلون المستجدّين من طبرق وأجدابيا التي ينشط فيها فريق الدعم السريع بقيادة رمضان سالم أبوبكر. هذا بالإضافة إلى التجنيد من مناطق التعدين الأهلي جنوب ليبيا، وشمال تشاد، والنيجر.

ظهرت مستجدات عملية أعاقت الجهود المصرية، منها الموقف التشادي المساند للتمرد، والشكوك بين السودان وإثيوبيا، وما يحيط بها من تعقيدات ملف سد النهضة

تمتد خطوط الإمداد من طبرق وبنغازي إلى الكفرة ومنها للسودان في كل المحاور الثلاثة، ولكن اللواء المتقاعد خليفة حفتر ينفي بشكل متكرر دعمه قوات الدعم السريع، وقد حاول الاتصال برئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان لشرح موقفه.

لكن المعلومات المتوفرة للأجهزة السودانية ولأطراف إقليمية ودولية، تؤكد -دون شك- دور حفتر في تمرير العتاد الحربي، وتوفير الوقود، والمواد الغذائية، وتعيينات الدعم السريع، حيث يقوم تجار متعاونون مع المليشيا المتمردة في بنغازي بشحن الكمية المطلوبة كل شهر من الوقود والسكر والزيت والدقيق والأرز، وغيرها إلى السودان عبر الحدود التشادية بعد أن تتجمع في معسكرات قوات سبل السلام الليبية.

وفيما تعكف الحكومة الليبية في طرابلس على متابعة المسار السياسي والحل عبر مبادرة دول جوار السودان، أو مبادرتها الخاصة، أو المبادرة المشتركة مع تركيا، فإن المناطق الشرقية والجنوبية من ليبيا التي تقع خارج حدود سيطرتها، يقوم فيها اللواء خليفة حفتر ومن ورائه دول عربية راعية بتقديم دعم لا محدود لمليشيا الدعم السريع، رغم اعتراضات زعماء قبائل “الكفرة” ولا سيما قبيلتي: “الزوي” و”المجابرة” اللتين ترفضان هذا النوع من التورط في الأزمة السودانية وهما قبيلتان ترتبطان بالسودان نسبًا ومصاهرة.

مصر

من بداية الحرب حدّدت مصرُ موقفها المساند للجيش السوداني في مواجهة المليشيا المتمرّدة. وللرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصريحاتٌ ظل يرددها باستمرار أن بلاده تدعو لإبعاد أي مليشيات في المنطقة، ولم تكن علاقة القاهرة بالدعم السريع جيدة في كل الأحوال.

ففي زيارة حميدتي الأولى للقاهرة في يوليو/ تموز 2019 م عقب ما سُمي بالمحاولة الانقلابية لرئيس الأركان السابق الفريق أول هاشم عبدالمطلب، أطلق حميدتي تلميحًا يتهم فيه مصر بالتورط في الانقلاب، ولدى وصوله مطار القاهرة يوليو/تموز 2019، قال لمستقبليه من المصريين؛ إنه بصدد مناقشة موضوع الانقلاب في الخرطوم وعلاقته بمصر، فكاد أن ينسف علاقته بالقاهرة.

وظلت العلاقة فاترة بين الدعم السريع والقاهرة، وكانت القاصمة عندما أرسل قواته إلى مطار مدينة مروي شمال السودان؛ لإخراج القوات المصرية التي كانت تعمل في مجال التدريب، فاختطفت أكثر من 20 ضابطًا وفردًا منها، متهمًا مصر مباشرة بالتورط في السودان، وأطلق سراح هؤلاء بعد اتصالات سياسية ودبلوماسية مع أطراف داخلية وخارجية عقب أسبوعين من الحرب.

الواضح أنّ مصر داعمة للاستقرار والسّلام في السودان، وقد تحمّلت الآثار المباشرة للحرب، فمنذ 15 أبريل/نيسان 2023م لاذ بها ما يقرب من 450 ألف سوداني فارين من الحرب، إلى جانب نحو 4 ملايين من المقيمين أصلًا في مصر حسب تقارير منظمة الهجرة الدولية.

عقدت قمة جوار السودان 13 يوليو/تموز 2023م بدعوة من الرئيس المصري، وشاركت فيها كل دول الجوار السوداني؛ للبحث عن حل يوقف الحرب، فالسودان لمصر ليسَت مجرد عمق إستراتيجي بل هي حياة ومصير واحد، وتنظر القاهرة للمهددات الأمنية والإستراتيجية الناتجة عن الحرب على الأمن القومي المصري وعلى المنطقة برمتها.

من خلال استضافتها السودانيين اللاجئين، سعت القاهرة للتواصل مع كل الفرقاء السودانيين من القوى السياسية التي تقف مساندةً للجيش، وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تناصر المتمردين من مليشيا الدعم السريع، والغرض الرئيس من تحركات القاهرة وجهودها هو الإمساك بالملف السوداني بجوانبه المختلفة، والاستماع لكل وجهات النظر وبلورة رؤية متكاملة للحل.

دعمت مصر أيضًا منبر جدة التفاوضي والمبادرة الأميركية – السعودية المشتركة، وتشاورت مع الوسيطَين حول ملف التفاوض ووقف إطلاق النار، وتمرير المساعدات الإنسانية، وحول مبادرة دول جوار السودان، وقمة القاهرة، وتكوين اللجنة التنفيذية الوزارية لتنسيق العمل في الإقليم.

ولكن ظهرت مستجدات عملية أعاقت الجهود المصرية، منها الموقف التشادي المساند للتمرد، والشكوك بين السودان وإثيوبيا، وما يحيط بها من تعقيدات ملف سد النهضة، بالإضافة إلى مواقف أفريقيا الوسطى، وشرق ليبيا (حفتر)، ومن ورائه القوى العربية الداعمة للتمرد، وذلك فضلًا عن التورط الإسرائيلي المباشر في حرب السودان.

نتيجة لهذه العوامل تقوم مصر بمراقبة الأوضاع، وتتواصل مع كل الأطراف بغية الوصول إلى حلول. وفي هذا الإطار فإنها تعمل في اتجاهات مختلفة مع دول الإقليم والجوار، وتراعي كذلك مواقف الدول العربية الداعمة للتمرد.

خلال الفترة الماضية، عُقدت في مصر عدة فعاليات للفصيل السياسي المساند للتمرد، وهي قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، كما شهدت فنادق القاهرة ورش عمل لمنظمات وجمعيات وتيارات سياسية، بعضها يناصر ويعضد الدعم السريع، بل كانت هناك عناصر قيادية من الدعم السريع نفسه توفرت لها فرصة الزيارة ولقاء جهات رسمية مصرية، لكن الموقف الرسمي المصري لم يتغير.

قادت مصر أيضًا مبادرة دول الجوار، وعقدت اللجنة الوزارية المكلفة اجتماعًا في نجامينا في يوليو/تموز 2023م، ضم وزراء خارجية الدول المعنية، وتمَّ رفع تقرير لقمة الرؤساء، ولا تزال المبادرة في مرحلة التنسيق مع المبادرات الأخرى، وربما يكون الهدف المصري هو التوفيق بين المبادرات وبلورة رؤية مشتركة للحل في السودان.

في ذات الاتجاه زار القاهرة مؤخرًا رئيسُ مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عقب زيارة قام بها إلى ليبيا، ثم زارها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية؛ لحضور اجتماعات التنظيمات السياسية المتحالفة مع التمرّد، ولم يلتقِ حمدوك بأيّ مسؤولين رسميين في القاهرة.

وتحاول مصر مقاربة مواقفها من الصراع في السودان دون أن تفصح في العلن عن دعمها الجيشَ؛ لتواصل العمل مع جميع الكتل السياسية، ولتحقيق التفاهم مع أطراف إقليمية وعربية لها علاقة بما يدور في السودان.

بالإضافة إلى الحذر الذي تتّسم به السياسة الخارجية المصرية في الفترة الأخيرة، تريد القاهرة أن “تلعب على المضمون”، وتفضل أن يكون دورها الحاسم هو غير المعلن. بجانب قراءتها الدقيقة لما سيؤول إليه مستقبل الأوضاع بالسودان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *