الخرطوم- تضبط عقارب ساعة الحرب توقيت واتجاهات علاقات السودان الخارجية في أعقاب القتال الذي اندلع منتصف أبريل/نيسان الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فالتحركات الإقليمية والدولية في الأزمة السودانية أبرزت دورا لقوى خارجية، جعل ميزان الحرب ميدانيا متأرجحا في كفتيه بين الطرفين المتحاربين.
وأدى واقع الحرب إلى خارطة جديدة في علاقات السودان الخارجية، فقد بدأت نُذر أزمة دبلوماسية مع كل من الإمارات وتشاد، حيث أمر السودان 15 دبلوماسيا إماراتيا بمغادرة أراضيه عقب طلب الحكومة الإماراتية من السفير السوداني والملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي مغادرة أراضيها.
كما استدعت تشاد السفير السوداني وطالبت باعتذار خلال مدة 72 ساعة عن تصريحات ألقاها مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا، اتهم فيها الإمارات بتزويد الدعم السريع بالأسلحة عبر مطارات في تشاد وأفريقيا الوسطى وأوغندا.
العلاقات مع الجوار
يرى المحلل السياسي محمد عباس أنه وفقا لقيام فكرة العلاقات الدولية على المصالح المتبادلة، فإن للحرب أثرا مباشرا على دول الجوار والإقليم، حيث يعود التأثير لطبيعة علاقة هذه الدول بمراكز اتخاذ القرار داخل الدولة قبل الحرب.
وقال عباس للجزيرة نت، إن مصر تربطها علاقة تاريخية بالسودان ومؤسستها العسكرية، لذلك شهدت العلاقة تحسنا ملحوظا أثناء الحرب. أما دول مثل جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا وكينيا بصفتها دول مؤثرة في الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “الإيغاد” (IGAD)، فظلت تتعامل مع الأزمة بموضوعية كبيرة، وهو ما جعل مواقف طرفي الصراع منها متأرجحة، مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى إدراك هذه الدول لطبيعة الصراع وتوازنات القوة فيه.
أما في حالة دولة تشاد، فيبدو الأمر أكثر تعقيدا، وفق محمد عباس، ويرى أن ذلك يعود لطبيعة الأطراف الإقليمية وتعاملها غير المباشر مع الأزمة في السودان.
وسبق التصعيد الدبلوماسي العلني للحكومة السودانية مؤخرا رفضها رئاسة كينيا للجنة الرباعية، واتهام رئيسها وليام روتو بدعم قائد الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي”، وطلبت أن يرأس اللجنة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، مع التهديد بالانسحاب من منظمة “إيغاد”، إذا لم يتم تغيير رئاسة كينيا.
وبعيدا عن الدول المجاورة للسودان، وجهت الخارجية السودانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أصابع الاتهام لبريطانيا ودول غربية لم تسمّها، بتبني حملة سياسية وإعلامية، وطرح مشروع لجنة تقصي الحقائق في السودان لدى مجلس حقوق الإنسان، معلنة رفضها مشروع القرار وتوصيفَه ما يجري في السودان.
محاولات تعزيز العلاقات
بالمقابل، وفي إطار بوصلة توجهات الحكومة السودانية التي فرضتها تداعيات الحرب، أعلنت الخارجية السودانية في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ويأتي هذا الإعلان بعد قطيعة دامت 7 أعوام.
كما عزز السودان علاقاته مع تركيا؛ فعقب زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في سبتمبر/أيلول الماضي، اتفق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تفعيل الاتفاقيات المشتركة، التي شملت -وفق مصادر- جوانب اقتصادية وعسكرية، وإعادة الإعمار بعد الحرب.
واكتسبت العلاقة الإستراتيجية مع مصر وجنوب السودان كدول معنية بتداعيات الأزمة السودانية بُعدا إضافيا، حيث ترى الحكومة السودانية أن جنوب السودان هو أفضل بلد مخول للقيام بوساطة بشأن النزاع في البلاد، بينما استضافت القاهرة أعمال قمة دول جوار السودان في 13 يوليو/تموز الماضي.
تراجع العلاقات السودانية
يرى المدير السابق لمعهد أبحاث السلام منزول عسل، أن الحرب أثّرت بصورة سلبية واضحة على علاقات السودان الخارجية. وقال في حديثه للجزيرة نت إن “السودان يمضي في اتجاه فقدان علاقاته الخارجية بشكلٍ سريع مع الإمارات وتشاد، بجانب أزمته مع منظمة إيغاد عقب القمة الطارئة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول، بينما احتفظ بعلاقات جيدة مع مصر والسعودية”.
وأضاف عسل “يحق للسودان كدولة الاعتراض على تحركات أيّ دولة يرى أنها متورطة في تقديم إمداد للدعم السريع، لكن الطريق الأفضل هو تقديم شكوى لمجلس الأمن وفق الأدلة التي تثبت تورط دول بعينها”.
من جهته قال الباحث والأكاديمي حسان الناصر إن “الحرب تؤثر بشكل كبير على علاقة أيّ دولة بالأخرى، من واقع التقاطعات والمصالح التي قامت على أساسها الحرب، ولم تخلُ كل حرب في تاريخ السودان من انقسامات خارجية”.
وقال الناصر للجزيرة نت إن “الحرب قسمت الفاعلين الخارجيين لكن ليس بشكل مضبوط و متساوٍ، بمعنى أن هناك طرفا -وأعني الدعم السريع- يمتلك حليفا خارجيا يدعمه بالعلن ويوفر له الإمداد بصورة واضحة، ويسهل له الدعم اللوجستي، بينما يوجد طرف آخر جميع حلفائه لا يستطيعون حتى الظهور وإعلان موقفهم بشكل واضح، خاصة أن هناك هجوما مستمرا وضغوطا تُمارس عليه من أجل القبول بأيّ حل سياسي”.
ويقول الباحث إن “الحكومة ممثلة بوزارة الخارجية ستسعى للبحث عن مخرج لهذا المأزق عبر تبني الدبلوماسية الشرسة، بحيث تكون أكثر صرامة من بداية الأزمة تجاه كافة الدول التي تتعاون مع التمرد والداعمة له، وهي بطبيعة الحال سياسة أمر واقع بات لا يمكن الهرب منها”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الناصر إن “اتجاهات وزارة الخارجية بعد الحرب يجب أن تكون قائمة على تجفيف النزاعات مع هذه الدول، عبر إقامة علاقات جيدة مع الأنظمة والمعارضة أيضا، ويجب أن تسعى الخارجية إلى إستراتيجيات جديدة وواضحة تقوم أولا على استعادة دور السودان، ومن ثم إقامة علاقات دبلوماسية مع الجميع وفق أهمية موقع السودان وقدرته أيضا، إلا أن هذه الإستراتيجية غائبة في التحركات الدبلوماسية”.