الخرطوم- دفع استمرار الحرب في السودان، منذ نحو 10 أشهر، آلاف الشباب السوداني للتفكير في المغامرة بحياتهم و”ركوب المصاعب” بالهجرة خصوصاً إلى أوروبا، بعدما قضت الحرب على أحلامهم ودمرت منازلهم ومؤسساتهم التعليمية وفقدوا مصادر رزقهم وتضاعف قلقهم على مستقبلهم.
ويخشى خبراء من مخاطر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، واستغلال شبكات التهريب والاتجار بالبشر وفقدان السودان عقولا وأيادي عاملة تحتاجها البلاد لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب، وتمزق الأسر والتداعيات الاجتماعية المترتبة على ذلك.
وحذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من تدفقات جديدة للاجئين والمهاجرين غير النظاميين من السودان -عبر ليبيا- بسبب فشل الأطراف المتصارعة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وقال غراندي في تصريح الاثنين الماضي عقب زيارته السودان وإثيوبيا إنه “إذا لم يوقع اتفاق على وقف إطلاق النار في وقت قريب بين الأطراف المتحاربة في السودان، وتعزيز جهود الإغاثة، سيبحث اللاجئون عن ملاذ آمن في الدول المجاورة”.
وأضاف “يشعر الأوروبيون بالقلق دوما بشأن المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط، وأنا أحذر إذا لم يجر دعم مزيد من اللاجئين النازحين من السودان، أو حتى هؤلاء النازحين داخل السودان، فسنرى تدفقات جديدة تتحرك صوب ليبيا وتونس. لا شك في ذلك”.
وتابع المفوض الأممي لشؤون اللاجئين “تعاني البلدان المجاورة للسودان، تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، عوامل الضعف الداخلية، ولن تكون قادرة على استيعاب مزيد من اللاجئين، وتقديم ما يكفي من الدعم لهم”.
تصاعد النزوح واللجوء
وحسب تقديرات رسمية، تصاعد عدد المهجرين من منازلهم نحو 11 مليون سوداني بسبب الحرب حتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، منهم 9.2 ملايين نزحوا داخلياً غالبيتهم من ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، بينما لجأ 1.7 مليون إلى دول الجوار.
وتستضيف تشاد 37% من اللاجئين السودانيين، وجنوب السودان 30%، ومصر 24%، ويتوزع ما تبقى على إثيوبيا وليبيا وأفريقيا الوسطى.
ويقدر مسؤول بالداخلية السودانية أن نحو 40% من المواطنين اللاجئين بالدول المجاورة من الشباب، يفكر نصف عددهم على الأقل في الهجرة إلى أوروبا، بعدما فقدوا فرص الدراسة والعمل، وتملكهم الإحباط بسبب تطاول أمد الحرب.
ويوضح المسؤول -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت أن عدد اللاجئين في تزايد بسبب استمرار الحرب، وثمة تقارير أن مئات الشباب خاصة الذين فروا إلى تشاد وليبيا توجهوا إلى دول أوروبية في هجرة غير منظمة.
ويقول المسؤول السوداني إن بلاده دولة شابة، حيث يبلغ عدد السكان 46.26 مليون نسمة عام 2022، وتعتبر البنية السكانية فتيّة إذ تبلغ نسبة الشباب دون 24 عاماً حوالي 60% من مجمل السكان. ويرى أن هجرة الشباب ستكون خسارة لأنهم عماد المستقبل وركيزة البناء والتنمية.
دروب الهجرة
ويقول “عصام” الذي وصل -بعد مغامرة خطيرة إلى إحدى الدول الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط– إنه خرج من السودان إلى تشاد ثم ليبيا، بينما خاطر بعض زملائه بالسفر إلى النيجر، ثم الجزائر وأخيراً تونس.
ويحكي للجزيرة نت أن بعض الشباب السودانيين فضلوا العمل في مناجم الذهب بالمناطق الحدودية الصحراوية وبعضهم انتقلوا عبر شاحنات صغيرة يستأجرها مُهرّبون من النيجر إلى الجزائر قبل الوصول إلى تونس، حيث صارت مدينة صفاقس مركزاً للمغادرة على طول ساحل البحر المتوسط.
ويضيف “عصام” أن بعض الشباب الذين غادروا من ليبيا ذكروا أن نساء مع أطفالهن رافقوهم في رحلة عبر قوارب مطاطية متهالكة بعد دفع 1500 دولار إلى المهربين، ووصفها بأنها رحلات مخيفة.
من جانبه، يرى الناشط الحقوقي بشؤون الهجرة أبو الحسن سليمان أن السودانيين باتوا يملكون فرصة حقيقية لنيل صفة اللجوء في أوروبا وأميركا الشمالية، بعد الحرب الأخيرة، وتعتبرهم الولايات المتحدة وفرنسا وبلدان أخرى لاجئين شرعيين (نظاميين) وقد وسّعت الحكومة الأميركية نطاق الحماية المؤقتة التي تمنحها للسودانيين والأوكرانيين وصولاً إلى العام المقبل.
ويقول سليمان -في تصريح للجزيرة نت- إن محاكم استئناف فرنسية منحت صفة الحماية المؤقتة لعدد من اللاجئين السودانيين من الخرطوم ودارفور بعد رفض طلبات لجوئهم في البداية، فاعتُبِرت مناطقهم الأصلية غارقة في حالة من العنف، لذلك نشأت سوابق قانونية تمنح كل من يأتي من تلك المناطق شكلاً من الحماية، ولو مؤقتاً.
أوضاع معقدة
وترى الباحثة والخبيرة في قضايا الهجرة والتنمية الدكتورة نوال نور الدائم أن الصراع المسلح في السودان يؤثر على الملايين من الناس، وأسهم في إيجاد أوضاع سياسية وأمنية تتسم بالتعقيد، الأمر الذي يمثل تحدياً للمجتمع الإنساني.
وتقول الباحثة -للجزيرة نت- إن السودان شهد خلال الأعوام الخمسة الماضية موجة كبيرة من الهجرة لا سابق لها، نتيجة عوامل متعددة، سياسية واقتصادية اجتماعية ومهنية، شملت الآلاف من أساتذة الجامعات والأطباء والمهنيين وغيرهم، كما فضل الكثير من الشباب ركوب أمواج المجهول والمخاطرة بحياتهم في سبيل الهجرة إلى الدول الأوروبية.
وتتوقع مع استمرار الحرب وتزايد أعداد النازحين واللاجئين -وصعوبة الأوضاع التي يعيشونها، إضافة إلى التطورات التي طرأت على الوضع الاقتصادي للبلاد وسوق العمل- أن تشهد الأسابيع المقبلة تصاعدًا مستمرًا في معدلات الهجرة وسط السودانيين وتنامي الهجرة غير النظامية إلى أوروبا ومختلف دول العالم.
وتدعو الباحثة الاتحاد الأوروبي إلى منهج أكثر جدية تجاه الوضع الحالي في السودان وتقديم الدعم والتمويل اللازم، وتقديم حلول عاجلة لدعم السودانيين ومساعدة النازحين بالداخل واللاجئين في دول الجوار، وتبني سياسة تسمح للمهاجرين السودانيين بسلامة دخول أوروبا حتى لا يتعرضوا للمخاطر.
وقد أطلق الاتحاد الأوروبي، قبل 9 سنوات، شراكة مع السودان عبر “عملية الخرطوم” لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير النظامية من دول القرن الأفريقي وصارت العاصمة الخرطوم مقراً لإدارة هذه العملية.
ويعتبر السودان مركزًا رئيسيًا للمهاجرين كبلد منشأ وعبور ومقصد، ويربط طرق الهجرة من شرق وغرب أفريقيا إلى الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط.