واشنطن- “المنطقة المحررة” (Liberated Zone)، هو الاسم الذي اختاره الطلاب المعتصمون بجامعة جورج واشنطن في قلب العاصمة الأميركية ليطلقوه على مقر اعتصامهم الذي لا يبعد عن البيت الأبيض إلا بأقل من كيلومتر واحد، وعن مقر وزارة الخارجية بمئات الخطوات، وعلى بعد خطوات معدودات من مقار صندوق النقد، والبنك الدوليين.
وتُعد الجامعة من أكبر الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة بعدد طلاب يقترب من 26 ألفا، ورابع أكبر جامعة من حيث نسبة الطلاب اليهود بحوالي 30% من طلابها.
ومع تواصل الاعتصام الطلابي المفتوح في حرم جامعة جورج واشنطن، انضم طلاب من جامعتي جورجتاون والجامعة الأميركية المجاورتين، واللتين تقعان على مسافة قريبة، لزملائهم المعتصمين.
هدوء وأمان
ويجذب مقر الاعتصام الكثير من المحتجين على العدوان الإسرائيلي من منطقة واشنطن الكبرى وضواحيها في ولايتي فيرجينيا وميريلاند. وتحتل الخيام المساحة الخضراء في ساحة الجامعة، وتغطي الكتابات الطباشيرية الأرصفة.
ومع أول ساعات الصباح، سجلت الجزيرة نت استيقاظ عشرات الطلاب ممن قضوا ليلتهم في خيم الاعتصام، وقضى أغلبيتهم ليلتهم داخل الخيم الصغيرة في ساحة الجامعة، وفي الشارع المقابل، في حين اختار العشرات منهم قضاء ليلتهم في أكياس للنوم خارج الخيم.
ورصدت الجزيرة نت اعتصام نحو 200 طالب في عشرات الخيام المنصوبة في ساحة الجامعة الرئيسية التي يتوسطها تمثال جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة.
وخيّم الهدوء على منطقة الاعتصام، ولم تلحظ الجزيرة نت أي عبارات مسيئة أو معادية للسامية، وأكد صحفي يهودي يغطي الأحداث هناك أنه لا يوجد أي شيء يتعلق بالاحتجاجات والاعتصام يجعله كصحفي أو كيهودي يشعر بعدم الأمان.
وعلى أرض الشارع كتب الطلاب باللغة الإنجليزية شعارات وعبارات مؤيدة للحق الفلسطيني، وتدين السياسات الأميركية المؤيدة لإسرائيل، وتشيد بسكان قطاع غزة، وتدعو إلى تحرير الأراضي الفلسطينية.
وإلى جوار خيم الاعتصام، أنشأ الطلاب خيما توفر الطعام والشراب للمعتصمين والزائرين مجانا. وأكد الطلاب المشرفون على هذه الخيمة أن الطلبة تحملوا تكلفة توفير هذه الاحتياجات. كما أشاروا إلى مساهمات واسعة من المتعاطفين مع الحراك الطلابي بتقديم بعض الأطعمة والأغذية وأدوات الإسعافات الأولية.
وعلى بعض جوانب الشارع، كتب بعض الطلاب العرب عبارات باللغة العربية منها “توكل على الله” لدعم وشد أزر الطلاب المعتصمين.
تمسك بالمطالب
ومع دخول الاعتصام أسبوعه الثاني، يؤكد الطلاب أن ليس لديهم أي نية للمغادرة في أي وقت قريب، ويؤكد قادتهم أنهم لن يغادروا حتى تتم تلبية مطالبهم التي تشمل إيقاف الجامعة كل الروابط المالية والبحثية مع الجهات الإسرائيلية.
وذكرت طالبة معتصمة للجزيرة نت أن رئيسة الجامعة ترفض التحدث معهم، وأنهم يدعون الشرطة إلى مغادرة الحرم الجامعي، وشددت على أنهم كطلاب معتصمين يؤمنون “أن معاداة السامية خطأ، لكن معاداة الصهيونية صحيحة”.
وأغلقت الشرطة المنطقة المحيطة بمقر الاعتصام في الساحة المعروفة باسم (University Yard) على طول شارع “إتش” (H) بين شارعي 20 و 21 في شمال غرب العاصمة.
ووقفت سيارات الشرطة في مقدمة الشارع لمنع حركة المرور بعدما سيطر الطلاب عليه قبل يومين، وقال شرطي للجزيرة نت إن هدفهم “الحفاظ على بيئة آمنة للجميع في هذه الظروف العصيبة التي تشهدها الجامعة”.
وحتى ظهر أمس الثلاثاء، لم تسع شرطة العاصمة إلى اعتقال أي شخص في المخيم، على الرغم من أن مسؤولي الجامعة أحاطوه بالحواجز، ولم يسمحوا لأشخاص جدد بالانضمام.
ونصب بعض المتظاهرين الإضافيين خياما على طول جزء من شارع “إتش” (H) بعدما أغلقته الشرطة. وكان من الملفت عدم تدخل قوات الشرطة لمنع الطلاب من إزالة الحواجز المعدنية التي نصبتها يوم السبت الماضي.
وتشير بيانات الشرطة إلى أن ذلك قد يتغير إذا بدأ المتظاهرون “في ارتكاب العنف أو الدعوة إليه، أو إذا انضمت الجماعات المتطرفة إلى صفوف الجماعة”.
وترفض شرطة العاصمة مناشدات من مسؤولي جامعة جورج واشنطن لإبعاد المعتصمين، وقال مسؤولو المدينة لنظرائهم في الجامعة إنهم يريدون تجنب صور المشاجرات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين التي تومض على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء البلاد.
كما تقول إن حرم جورج واشنطن يُعد من الممتلكات الجامعية الخاصة، وفي غياب رؤية جريمة تُرتكب، فلن تتدخل قواتها لفض الاعتصام السلمي.
تغير جيلي
وكان من اللافت عدم تدخل الشرطة ضد إزالة الطلاب للحواجز المعدنية التي نصبتها قبل يومين حول مخيم الاعتصام. وصرح طالب بأنه منذ إسقاط الحواجز الفولاذية، أصبح الاحتجاج أكثر اتحادا، في حين أصدرت الجامعة بيانا قالت فيه إن المتظاهرين “يتعدون على ممتلكات الغير وأي طالب يبقى في ساحة الجامعة قد يتم تعليقه مؤقتا ومنعه إداريا من دخول الحرم الجامعي”.
وأفاد العديد من الطلاب للجزيرة نت بأنهم مستعدون للاعتقال من أجل الدفاع عما يؤمنون به، وقال آخرون إنه إذا فُض اعتصامهم السلمي بقوة الشرطة، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تشجيعهم وتحميسهم على الاستمرار في الاحتجاج.
وكتب يوجين روبنسون، المعلق بصحيفة واشنطن بوست، مقالا بعدما قضى عدة ساعات في مخيم الاعتصام في جامعة جورج واشنطن، قال فيه “ستنتهي الاعتصامات في نهاية المطاف، بطريقة أو بأخرى، لكن لدي شعور بأن هذا الشغف بالقضية الفلسطينية سيستمر. أعتقد أن ما نراه قد يكون تحولا جيليا في المواقف تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
وأضاف “تحدث هذه الاحتجاجات والاحتلالات ليس فقط في جامعات “لآي في ليغ” (Ivy League) مثل كولومبيا وهارفارد، ولكن أيضا في الجامعات الحكومية العامة، مثل جامعات ولايات أوهايو وإنديانا وأريزونا”.
وختم روبنسون مقاله بالقول “يكبر هؤلاء الشباب ليكونوا بالغين في منتصف العمر ولديهم المال والسلطة. وفي السنوات المقبلة، من المرجح أن يكون للقضية الفلسطينية مؤيدون أقوى في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى”.