الجزيرة نت تتقصى آثار 4 رؤساء عرب اختفوا عن الأنظار

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 21 دقيقة للقراءة

أحدهم قاد بلاده ليوم واحد ويعيش حاليا شبه لاجئ في شقة ويتلقى تهديدات بالقتل، وآخر يمكن أن تلتقي به في ملعب لكرة القدم بعد أن استعاد علاقته العريقة بالساحرة المستديرة، وثالثهم يقيم في قصر فخم لا يكاد يغادره، ورابعهم يصعب الحصول على أي معلومة عنه.

الجزيرة نت تفتش عن مصائر 4 رؤساء عرب من خلفيات مختلفة، القاسم المشترك بينهم توليهم رئاسة بلدانهم في ظروف حرجة وخروجهم لاحقا عن دائرة الضوء كليا. اثنان منهما ضابطان في الأصل ويعيشان حاليا في المنفى، والآخران قدما للسياسة من حقل القضاء، ولم يغادرا بلديهما.

شيخ في الميدان

عندما هبت رياح التغيير على ليبيا في 2011، بادرت مدن الشرق وانتفضت على نظام العقيد معمر القذافي قبل أن تعم الثورة أرجاء البلاد.

وقد كان في مقدمة المنتفضين والثائرين رجل قضاء وقانون لم يدر في خلد معمر القذافي أنه قادر على زعزعة حكمه وتقديم نفسه بديلا له في زعامة “الجماهيرية العظمى”.

إنه المستشار والشيخ والقاضي ووزير العدل حينها مصطفى عبد الجليل الذي ثار على العقيد وتولى قيادة البلاد لفترة، ثم انزوى عن الضوء.

لقد بادر عبد الجليل إلى الاستقالة من نظام القذافي احتجاجا على استعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين في ثورة 17 فبراير/ شباط 2011.

عبد الجليل المولود بمدينة البيضاء عام 1957، والمعروف في الأوساط القضائية باستقامته وملاحقته للمفسدين، ما لبث أن حظي بتأييد كبير بين الثوار.

وفي الخامس من مارس/آذار 2011، ترأس المجلس الوطني الانتقالي الذي ضم شخصيات مدنية وعسكرية لتسيير شؤون المدن الخارجة عن قبضة العقيد القذافي.

القبول الذي حظي به المستشار عبد الجليل في الداخل كان له صدى في الخارج، فما لبثت القوى الإقليمية والدولية أن اعترفت بالمجلس الانتقالي واجهة للثورة وممثلا شرعيا لليبيين.

وفي الـ20 من أكتوبر/تشرين الأول 2011 قُتل معمر القذافي في مسقط رأسه في مدينة سرت عندما كان يحاول الفرار من الحصار الذي ضربه الثوار على مداخل المدينة.

يومها، أعلن ثوار ليبيا سقوط نظام القذافي بشكل كامل، وواصل مصطفى عبد الجليل قيادة المجلس الانتقالي حتى الثامن من أغسطس/آب 2012.

قانون العزل.. القذافي ينتقم ميتا

لكن القذافي أطل من قبره، وانتقم من مصطفى عبد الجليل وأبعده عن واجهة العمل السياسي، ذلك أن الليبيين تنادوا إلى سن قانون يقصي رجال القذافي من قمرة القيادة الجديدة.

ففي 25 ديسمبر/كانون الأول 2012 وافق المؤتمر الوطني العام بأغلبية الحاضرين على قانون العزل السياسي المثير للجدل.

وبما أن عبد الجليل كان وزير العدل في آخر حكومة للقذافي، فقد طبق عليه قانون العزل السياسي ووجد نفسه مقصيا من حكومة الثورة التي كان أحد قادتها ومن أبرز مهندسيها.

مصطفى القادم إلى القضاء والسياسة من الدوري الممتاز لكرة القدم، لم يجد عناء في التصدي لهجمة العزل، إذ رأى أن المعيار في الإقصاء يجب أن يكون السلوك أثناء الوظيفة في عهد القذافي وليس شغل الوظيفة بحد ذاتها.

يقصد المستشار أنه لم يتورط في القمع والاختلاس، وأنه كان ينتقد علنا عدم احترام جهاز أمن الدولة لأحكام القضاء في فترة كان رجال الدولة كلهم يسبحون بمحمد القذافي بكرة وأصيلا.

في 2014، قاد لاعب نادي الأخضر هجمة مرتدة في الملعب السياسي الليبي وأعلن عن مبادرة لاسترداد هيبة وسيادة الدولة، وقال يومها إن البلاد بحاجة إلى 10 من أمثال نيلسون مانديلا بالنظر إلى إرث الماضي وتعقيدات الحاضر.

لكن صوت الرجل لم يسمع وسط دوي الانفجارات ولعلعة رصاص بنغازي ومصراتة، فقد تحاكم الليبيون إلى السلاح وتفرقوا قددا في شعاب القبيلة والجهة والسياسة بعد أن وحدتهم الثورة ضد نظام العقيد.

لقد اشتد عود اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي وظهر السراج في طرابلس وتوزع قادة الكتائب والمعسكرات على مدن الشرق والغرب والوسط، وأسند كل فريق ظهره إلى قوة إقليمية أو دولية وأصبح كل حزب بما لديهم فرحون.

وفي السنوات اللاحقة، انخرطت شخصيات أخرى في المشهد السياسي الليبي مثل عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا ومحمد المنفي وغيرهم، بينما اختفى عن الأنظار كليا أول قائد للثورة، فأين هو المستشار مصطفى عبد الجليل؟

العودة للأصل.. رئيس في الملعب

على خلاف الكثيرين من قادة ثورة فبراير، لم يغادر مصطفى عبد الجليل ليبيا وفي الوقت ذاته ابتعد عن المشهد السياسي كليا، ولم يعد اسمه يتردد في وسائل الإعلام.

وقد تحدثت الجزيرة نت إلى مقربين من المستشار عبد الجليل وسألتهم عن مكان إقامته وكيف يقضي يومياته والمسؤوليات التي يتقلدها حاليا.

ووفق هؤلاء فإن مصطفى عبد الجليل لا يضطلع بأي دور رسمي أو سياسي ويتحاشى الظهور في الإعلام، ويعيش “مثل أي قاض متقاعد”.

وبعودته لمسقط رأسه في البيضاء، ابتعد عن ضجيج السياسة في بنغازي شرقا وطرابلس غربا، وقرر أن يعيش مثل أي موظف متقاعد “يرتاد المساجد ويحضر المناسبة الاجتماعية ويمارس الرياضة بانتظام”.

ويقول مقرب من المستشار إنه يترأس حاليا رابطة قدامى رياضيي الجبل الأخضر بصفته لاعب كرة قدم سابق، “وليس لديه أي نشاط سياسي ويتردد على نادي الأخضر وسط مدينة البيضاء”.

ويضيف أن عبد الجليل الذي كان لاعبا محترفا بمركز خط الوسط في فريق نادي الأخضر لكرة القدم “ما زال يحتفظ بلياقته البدنية ويمارسه كرة القدم في الملاعب المصغرة حتى يومنا هذا رغم تقدمه في السن”.

ويقول الصحفي الليبي عبد العزيز “باختصار لا شيء مميزا في حياته الآن. الرجل يعيش حياة طبيعية جدا وربما يساعده على ذلك صغر مدينة البيضاء وقوة الروابط الاجتماعية بين أهلها فالأمر مختلف كليا عن الحياة في طرابلس أو بنغازي”.

من الظل إلى الضوء

عندما توجهت اليوم إلى محركات البحث لم أعثر خلال الشهور الأخيرة على أي نشاط سياسي أو اجتماعي للرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي.

ويبدو هذا الاختفاء غريبا، لأن الأزمة التي دفعت بهادي من الظل إلى الضوء لا تزال على حالها، فجماعة الحوثي تحتفظ بمؤسسات الدولة في صنعاء وتحارب قوات الحكومة في العديد من الجبهات.

وفق مقربين منه، فإن الرئيس هادي شخص انطوائي إلى حد ما، مما يفسر جانبا من عدم تواصله حاليا مع الفاعلين في الشأن اليمني ومع مواطنيه في الاغتراب.

ولكن الصحفي اليمني مختار الرحبي يروي للجزيرة نت أسبابا أخرى تفسر غياب هادي كليا عن المشهد اليمني وعدم تواصله مع الإعلاميين والدبلوماسيين وحتى المغتربين.

لقد عمل مختار الرحبي سكرتيرا صحفيا لهادي طيلة 6 سنوات، وهو على علم بحيثيات تركه لمنصبه وظروف إقامته في السعودية وكيف يقضي وقته في أحد القصور الفخمة في العاصمة السعودية الرياض.

هادي المولود عام 1945، تدرج في الرتب العسكرية من ضابط ملازم إلى فريق وتقلد العديد من المناصب السامية، من أبرزها توليه حقيبة وزارة الدفاع وشغله لمنصب نائب رئيس الجمهورية بعد أن لعب دورا محوريا في حرب 1994 بين الشمال والجنوب.

وغم أهمية هذه الأدوار، فإن خريج مدرس “محمية جيش عدن” المنحدر من قرية ذكين بمحافظة أبين، ظل بعيدا عن الأنظار، ولم يسجل حضورا لافتا في وسائل الإعلام إلى أن دفعت به المبادرة الخليجية إلى الواجهة عام 2011 في خضم الثورة على الرئيس حينها علي عبد الله صالح.

وفي 2012، انتخب هادي رئيسا لليمن، ولكن الحراك الثوري أعقبه تمرد لجماعة الحوثي وانتهى بسيطرتها على القصر الرئاسي في صنعاء 2015، مما أجبر هادي على الفرار إلى عدن ثم الانتقال إلى الرياض حيث طال به المقام.

القيادة عن بعد

وعندما كنت أحرر الشؤون اليمنية، كنت استغربت من كثرة القرارات والمراسيم والتوجيهات والتحذيرات التي يصدرها ويطلقها هادي من خارج البلاد.

كان هادي يقيل باستمرار المحافظين ويعين آخرين مكانهم ويجري تغييرات باستمرار على قادة الجيش، بينما تشتعل المعارك بين القوات الحكومية ومقاتلي جماعة الحوثي في العديد من الجبهات.

مثلا، في 24 أبريل/نيسان 2017، أقال هادي محافظ عدن عيدروس الزبيدي وعين مكانه عبد الحميد المفلحي، وأجرى تعديلا وزاريا شمل حقائب العدل والأشغال وحقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية.

وفي 15 من أكتوبر/تشرين الأول 2018، أقال هادي رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وأحاله للتحقيق على خلفية “الإهمال الذي رافق أداء الحكومة في المجالات الاقتصادية”، وعين مكانه معين عبد الملك.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته أقال هادي من الرياض محافظ تعز أمين أحمد محمود وعين مكانه نبيل عبده شمسان القدسي، وفي اليوم ذاته، أقال قائد محور تعز اللواء الركن خالد قاسم فاضل، وعين مكانه اللواء الركن عبد الله الصبري.

لقد كان هادي بعيدا عن جبهات القتال، ولكنه كان حاضرا بقوة في الإعلام من خلال قرارات التعيين والإقالة ولقاءاته المتكررة مع الموفدين الدوليين، وعبر رسائل التهنئة والتعزية التي يبعثها إلى زعماء العالم.

وفي السابع من أبريل/ نيسان 2022، سلم هادي السلطة لمجلس قيادي مكون من 8 أعضاء يرأسهم رشاد العليمي.

وعلى الفور، اختفى هادي كليا عن الأنظار، فأين هو حاليا وما سبب غيابه الكلي عن المشهد السياسي اليمني؟

القصر والمستشفى

يروي مختار الرحبي أن هادي يقيم في قصر الملك فيصل بالناصرية في مدينة الرياض مع العديد من أفراد أسرته، من أبرزهم ابناه جلال وناصر الذي يحمل رتبة عميد، إلى جانب العديد من حفدته وأقاربه.

لقد خبر هادي الإقامة في مقرات القيادة العسكرية عندما كان قائدا لألوية وكتائب طيلة مساره العسكري، كما سكن القصور في صنعاء، مما يعني أن سقف طموحه يتجاوز العيش في رفاهية، لكن صفقات وضغوطا حتمت عليه الرضا بهذا القدر والخروج من المشهد السياسي كليا، وفق الرحبي الذي تحدث لقنوات عالمية عما يسميه الانقلاب على الرئيس الشرعي لليمن.

ولا يزال هادي يحظى بمعاملة رئيس في السعودية، لكن مقربين منه أكدوا للجزيرة نت أنه كان ينوي السفر للولايات المتحدة لإجراء فحوص طبية، فحالت دون ذلك مقتضيات صفقة نقل السلطة حيث تقتضي عدم سفره للخارج.

يتلقى هادي العلاج في مستشفى الملك فهد التخصصي ويمارس الرياضة داخل القصر الذي يقيم فيه، ولا يشارك في أي نقاشات أو ترتيبات سياسية حول الوضع في اليمن.

ويعود آخر ظهور لعبد ربه منصور هادي في رمضان الماضي، عندما استقبل وفدا من الحكومة هنأه بمناسبة إطلاق سراح شقيقه من سجون الحوثيين ضمن صفقة تبادل سجناء شملت المئات من الطرفين.

ويومها نقلت وسائل إعلام يمنية أن رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي هنأ الرئيس السابق بحلول العشر الأواخر من رمضان وبالإفراج عن شقيقه اللواء ناصر منصور هادي.

ويروي الرحبي -الذي يعمل حاليا مستشارا لوزير الإعلام اليمني- أن هادي يجري اتصالات محدودة ببعض الشخصيات المقربة منه “وهو شخص كبير في العمر وعنده مشاكل في القلب، ولكنه يمارس الرياضة ويخزن القات بعد فترة العصر بانتظام”.

وبينما يصدر العليمي قرارات الإقالة والتعيين ويتفقد الأوضاع في عدن من حين لآخر، يصر الرحبي وآخرون على أن هادي لا يزال القائد الشرعي لليمن “لأنه فوضهم سلطاته ولم يتنازل عنها.. وبمجرد عودته للبلاد سيعود للرئاسة”.

مصيره مجهول والسؤال عنه ممنوع

كان قاضيا مغمورا، وبعد أسابيع قليلة فقط على اختياره لشغل منصب عدلي رفيع حدثت تطورات لم تكن في الحسبان ولم يكن جزءا منها، لكنها دفعت به إلى واجهة الأحداث.

بيد أن حظه من الشهرة لم يدم كثيرا، فقد اختفى عن الأنظار بعد فترة وجيزة ولم يعد يذكر لا في الأوساط القضائية القادم منها ولا في الحياة السياسية التي أُقحم فيها.

في 19 مايو/ أيار 2013، اختير المستشار عدلي منصور رئيسا للمحكمة الدستورية العليا خلفا للمستشار ماهر البحيري.

وفي الثالث من يوليو/تموز أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي، واستدعى القاضي منصور المغمور وسماه رئيسا انتقاليا للبلاد.

في الشهور اللاحقة، شهدت مصر أحداثا دموية واضطرابات أمنية وسياسية، يقول معظم المراقبين إن المستشار والرئيس عدلي منصور لم يكن طرفا فيها إذ لم يكن صاحب قرار.

ولكن الناس تعرفوا عليه في شاشات التلفزيون وصدرت قرارات باسمه، أحدها يتعلق بتشكيل لجنة لتعديل الدستور وآخر بترقية الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى رتبة مشير، وثالث يتيح لوزير الداخلية منع المظاهرات إذا كانت تشكل تهديدا للبلاد.

وفي الثامن من يونيو/حزيران 2014 خرج من القصر وعاد -رسميا على الأقل- إلى المحكمة الدستورية، إلى أن أكمل مأموريته في 2016.

وكان قليل الظهور في تلك الحقبة، ولاحقا لم تعد تسمع معلومة عن رجل حي يزرق ويعيش في بلد حمل صفة رئيسه 11 شهرا.

فيلا وطريق ومحطة مترو

وعندما تضع اسم عدلي منصور في محركات البحث عن الأخبار لا تعثر سوى على “محور مروري” يحمل اسمه ويقع في محافظة بني سويف جنوب القاهرة.

وقد شوهد الرجل في مايو/أيار 2021 في حفل وضع حجر الأساس لمحطة مترو تحمل اسمه، وظهر لاحقا في احتفالية بمناسبة مرور 10 سنوات على تدشين بيت العائلة المصري.

ووفق مصادر مطلعة، يسكن عدلي منصور حاليا في فيلا بمدينة السادس من أكتوبر في محافظة الجيزة.

ويقول العديد من الصحفيين والساسة المصريين إنه من المستحيل أن تعثر على أي معلومة تتعلق بعدلي منصور.

ووفق بعض المصادر، فإن “الرجل معزول ولن يسمح له بالظهور ويمكنك أن تقول إنه شبه سجين”، ويعلق صحفي مصري قائلا “أنت تتحدث عن شخص غير موجود”.

ولم تتوفر معلومات عما إذا كان عدلي منصور ينوي كتابة مذكرات بشأن الأشهر الـ11 شهدت الإطاحة بأول حكومة منتخبة وارتكاب مجزرة رابعة التي راح ضحيتها 670 قتيلا حسب الأرقام الحكومية، والآلاف منهم وفق إحصاءات الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية.

وربما لا يكون عدلي منصور راضيا عن الدور الذي قام به خلال تسميته رئيسا لمصر، و”لكنهم لن يسمحوا له بالتنصل من المسؤولية ولا حتى بتقديم توضيح للشعب”، وفق صحفي مصري غطى أحداث تلك الفترة.

بيان الاقتلاع.. زعامة لم تعمّر

كانت الجماهير تحبس أنفاسها صبيحة 11 أبريل/نيسان 2019، عندما قطع التلفزيون السوداني برامجه العادية وبدأ بث الأغاني الوطنية في انتظار بيان وشيك من قيادة القوات المسلحة.

ثم ظهر جنرال يرتدي بزة زاهية الألوان مرصعة بالأوسمة والنياشين، وقد بدا عليه الإعياء وآثر السهر، وقال فيما قال: “وعليه، أعلن أنا وزير الدفاع رئيس اللجنة الأمنية العليا اقتلاع ذلك النظام والتحفظ على رأسه بعد اعتقاله في مكان آمن”.

كان ذلك وزير الدفاع الفريق ركن أول عوض بن عوف يعلن سقوط نظام الرئيس عمر حسن البشير الذي قاد البلاد 30 عاما تميزت بتدهور الاقتصاد والتمرد المسلح والصدام مع الغرب.

وفي الساعات التالية للبيان رقم 1، أقسم عوض بن عوف بصفته رئيس المجلس العسكري الانتقالي أمام رئيس القضاء عبد المجيد إدريس.

وكذلك أدى رئيس أركان الجيش كمال عبد المعروف اليمين الدستورية بصفته نائبا لرئيس المجلس الانتقالي، أمام رئيس القضاء عبد المجيد إدريس.

وضجت الأرض، إذ سارعت وسائل الإعلام لكتابة تقارير عن جنرال السودان القوي الذي اقتلع البشير من القصر الجمهوري بالخرطوم وبعث به إلى درك السجن.

وقد كانت تلك التقارير لها حظ من الوجاهة في الظاهر على الأقل، فعوض بن عوف المولود في خمسينيات القرن الماضي بقلعة ود مالك، ضابط مدفعية محترف تدرب بمصر وتدرج في الرتب العسكرية إلى أن تولى إدارة الاستخبارات العسكرية، وشغل منصب نائب رئيس الأركان.

وفي 2010، التحق بالحقل الدبلوماسي مديرا في الخارجية السودانية وقنصلا عاما في مصر وسفيرا في سلطنة عمان، قبل أن يرتدي بزته العسكرية من جديد ويشغل منصب وزير الدفاع في 2015.

وقد ازداد نفوذ بن عوف في فبراير/شباط 2019 وسط المظاهرات العارمة ضد البشير، حيث عينه الأخير نائبا له مع احتفاظه بحقيبة الدفاع.

قانون القوة.. فلتسقط الرتب والأعراف

لكن التقارير المحتفية ببن عوف لم تستحضر وجود رجلين أحدهما من أبناء المؤسسة العسكرية ويحظى بدعم قوي من بعض الدول العربية، والثاني قادم من أسواق الإبل ومعادن الذهب ويقود آلافا من الشباب تختلف ألسنتهم وألوانهم ويضربون حصارا محكما على العاصمة الخرطوم.

الأول هو الفريق عبد الفتاح البرهان والثاني قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.

وإذا كان اقتلاع البشير تطلب انتظار 30 سنة، فإن عملية اقتلاع بن عوف لم تستغرق أزيد من 24 ساعة، فقد ظهر على التلفزيون في اليوم الموالي يعلن تخليه عن قيادة المجلس العسكري، مما يعني أن رئاسته لم تستغرق أكثر من يوم.

وعلى الفور ظهر البرهان رئيسا للمجلس العسكري وحميدتي نائبا له، وأديا القسم أمام رئيس القضاء عبد المجيد إدريس الذي عينه البشير في منصبه، وأقسم أمامه كل الرجال الذين أطاحوا بالبشير على احترام دستور أعلنوا تعطيله وحل كل مؤسساته.

وفي الساعات اللاحقة اختفى عوض بن عوف ولم يسجل أي موقف في أزمات السودان المتلاحقة من قبيل انقلاب الجيش على قوى الحرية والتغيير واستقالة حكومة حمدوك وسقوط العديد من الثوار في ساحات الاحتجاج، ثم اقتتال حميدتي والبرهان.

فأي أرض تقل بن عوف ولماذا غاب عن الأنظار؟

وفق مصادر متطابقة، يعيش الجنرال عوض بن عوف في مصر “شبه لاجئ”، ولا يشارك في أي أنشطة اجتماعية ولا يعلق على مجريات الأمور في السودان.

ولم يتضح ما إذا كان الصمت السياسي خيارا شخصيا من بن عوف، أم أن شروط الاستضافة تقتضي ذلك، في ظل العلاقات المتميزة بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

بيد أن صحفيا سودانيا على اطلاع بظروف إقامة بن عوف في مصر، برر انزواءه عن الضوء بالقول إنه كان جنرالا أكثر من كونه رجل سياسة، مما يعني أنه لم يستطع تسجيل حضور في الحقل السياسي، بعد أن فقد نفوذه في المؤسسة العسكرية.

ويضيف “الآن انزوى في شقة في مصر وقل تواصله إلا مع بعض الأهل والأصدقاء ولا يكاد يذكر في سياق ما يجري في السودان، فقد لفه النسيان وطوت ذكراه الأيام”.

ويسكن بن عوف قريبا من قصر البارون بمدينة نصر وأحيانا يسافر إلى السعودية، وآخر ظهور علني له كان قبل أكثر من 7 أشهر في زواج نجل مدير جهاز المخابرات السابق صلاح عبد الله قوش، وفق ما نقلت مراسلة الجزيرة نت في الخرطوم.

وتقول مصادر للجزيرة نت إن بن عوف عمد إلى تغيير رقم هاتفه الخاص أكثر من مرة بعد تلقيه رسائل تهديد من ذوي البشير بعد أن علموا أنه شخصيا هو من اتخذ قرار عزله.

ويقول لواء سوداني متقاعد إن الفريق بن عوف بالقاهرة، “ولكنه لا يكاد يغادر مسكنه”.

ويشدد الجنرال -الذي فضل عدم الكشف عن هويته- على أن بن عوف “لا يشارك في الأنشطة الاجتماعية ولا يكاد يلتقي بأحد، “وقطعا لا يقوم بأي نشاط يتصل بالسياسة من قريب ولا من بعيد”.

وتنقل مراسلة الجزيرة نت في الخرطوم عن مصادر مطلعة أن المعلومات حول بن عوف شحيحة للغاية، لأنه يتواصل مع “دائرة ضيقة جدا من الجنرالات أغلبهم غادروا الخدمة وبينهم جمال عدوي وصلاح قوش”.

ووفق هذه المصادر فإن بن عوف “من مؤيدي القضاء على الدعم السريع ويساند موقف الجيش لكنه ليس على تواصل مباشر مع القادة الحاليين”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *