باتت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وحصارها وإبادة سكانها وتهجيرهم جزءا من ترسانة الاحتلال، وورقة مساومة في المفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وتذهب الصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل، إلى أن هذه الأزمة تغرس في الوعي الفلسطيني “العقاب المروع” الذي سيواجه أي شخص يجرؤ من الآن فصاعدا على تحدي إسرائيل.
ويبدو أن هذا السيناريو الذي طرحته “هآرتس” كان يُمهد له بتصريحات مسؤولين إسرائيليين حاليين أو سابقين، معتدلين أو متطرفين، فالجميع كان يعلم بهذا “التصور الإستراتيجي المتجذر الذي يؤمن بأن المعاناة الإنسانية يمكن أن تفضي إلى مكاسب أمنية لإسرائيل، وهو المفهوم الذي يعتبر حصار غزة واقعا لا غنى عنه”، بحسب “هآرتس”.
وخلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي، سئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أسباب عدم فصل وزير التراث بالحكومة الإسرائيلية عميحاي إلياهو، بعد تصريحاته الأسبوع الماضي بإلقاء قنبلة نووية على غزة، فأجاب أن ما “قاله غير صحيح وأنا وبخته واستبعدته وأكد لي أنه لن يكرر هذه التصريحات وإلا سيكون هناك تعامل آخر مع الوزير”.
النووي وغزة
كان واضحا من جواب نتنياهو أن الأهم بالنسبة له نفي امتلاك إسرائيل للسلاح النووي وليس لجم تصريحات الوزير الذي ينتمي إلى حزب “العظمة اليهودية” اليميني المتطرف بزعامة إيتمار بن غفير.
وللتدليل على أن إلقاء القنبلة النووية وتداعياتها وما يترتب عليها من شهداء، لا يشغل بال نتنياهو، فإن كمية المتفجرات التي ألقاها جيش الاحتلال على قطاع غزة -خلال الأسبوعين الماضيين فقط- تقترب من حجم القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.
وأوضح الخبير العسكري اللواء فايز الدويري أن وزن قنبلة هيروشيما كان 15 ألف طن بينما يصل حجم ما ألقته إسرائيل على غزة 12 ألف طن من المتفجرات، لكن “التطوير الذي طرأ على زيادة وفاعلية القنابل مع ثبات كمية المتفجرات قد يجعل هذه الكمية تعادل 1.5 من حجم قنبلة هيروشيما”.
وفي السياق، كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن حصة الفرد الواحد بفعل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من الشهر الماضي، تتجاوز 10 كيلوغرامات من المتفجرات.
وأضاف أن إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة بما يعادل قنبلتين نوويتين.
وهذه الكمية الكبيرة من المتفجرات أدت إلى استشهاد أكثر من 11 ألف شخص، بينهم أكثر من 8 آلاف طفل وامرأة، ونحو 30 ألف جريح.
كما أنها دمرت أكثر من نصف الوحدات السكنية في القطاع، بحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف، الذي قال إن الاحتلال ينفذ تهديده بإعادة القطاع 50 سنة إلى الوراء. ودمر الاحتلال نحو 200 ألف وحدة سكنية، وهو ما يمثل أكثر من 25% من المناطق المأهولة بالقطاع.
إسرائيل “ستتغير بهذه الحرب”
وإذا كان إلياهو طرح “حلا” بأن “قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض”، فإن بن غفير رئيس حزبه وهو وزير الأمن القومي الإسرائيلي دعا إلى القضاء على جميع المتعاطفين مع حركة حماس ووصفهم بالإرهابيين، وذلك “يشمل من يغنون ومن يؤيدون ومن يوزعون الحلوى”، في إشارة إلى مظاهر احتفاء الشارع الفلسطيني بعمليات المقاومة.
وبما أن موجة التطرف هي المسيطرة منذ فترة في إسرائيل، وازدادت بعد عملية طوفان الأقصى، بدا التنافس على أشده في إطلاق المواقف المتطرفة وتصعيد اللهجة ضد غزة وأهلها.
وهنا يظهر رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، ليقول إنه “لا مزيد من المعابر ولا الإمداد إلى غزة. ولكن قبل كل شيء، لا بد من القضاء على قادة حماس، وحتى أولئك الموجودون في الخارج هم أهداف مشروعة”.
وفي مقابلة مع صحيفة “جيروساليم بوست”، كشف وزير الدفاع السابق أنه أعد وثيقة في عام 2016 تنبأ بهجوم واسع النطاق لحماس. وكان استنتاجه آنذاك كان “عكس مؤسستنا العسكرية برمتها، رغم خبرتها ومهنيتها”. وبعد انضمامه إلى الحكومة التي يقودها نتنياهو في ذلك العام، سلمه بالفعل تقريرا كتبه مع مستشاريه.
وفي عام 2018، استقال لأن الحكومة قبلت وقف إطلاق النار مع حماس، ولكنه يصر -اليوم- على عدم “حصول أي اتفاق معها”.
ويعتقد ليبرمان أيضا أنه يجب إطلاق سراح الأسرى بالقوة، ولا ينبغي إبرام أي صفقات مع حماس، ويجب أن تتمتع إسرائيل بحرية العمل في غزة وبمنطقة عازلة على طول الحدود بعد هزيمة حماس. وقال إن إسرائيل “ستتغير بهذه الحرب”.
“الهجرة أو الإبادة”
وكشف الإعلام الإسرائيلي جانبا كبيرا من هذا التطرف، فمجلة “972” تحدثت عن أن كل ما يقال ويطبق -منذ أكثر من شهر في غزة- موجود حرفيا بخطة نشرها وزير المالية والحاكم الأعلى للحكومة في الضفة الغربية بتسلئيل سموتريش التي نشرت قبل 6 سنوات (عندما كان لا يزال عضوا شابا في الكنيست)، وملخصها أن على الفلسطينيين الاختيار بين “الهجرة أو الإبادة”.
وتابع الموقع أن الرأي العام الإسرائيلي يجنح نحو تبني أفكار خطة كان الساسة ينبذونها ويعتبرونها وهمية وخطيرة.
وتنص الخطة على أن “هناك تناقضا بين التطلعات الوطنية اليهودية والفلسطينية، وهذا التناقض لا يسمح بأي نوع من التسوية أو المصالحة أو التقسيم”.
ويتابع السياسي اليميني المتطرف أنه بدلا من الحفاظ على الوهم بأن التوصل إلى اتفاق سياسي أمر ممكن، يجب حل القضية من جانب واحد وإلى الأبد.
ولا تتضمن الخطة سوى إشارات عابرة إلى غزة، حيث يبدو سموتريتش راضيا عن تطويق إسرائيل للقطاع كحل مثالي لما يسميه “التحدي الديموغرافي” الذي يفرضه وجود الفلسطينيين ذاته. أما فيما يتعلق بالضفة الغربية، فهو يدعو إلى ضمها بالكامل.
وفي البند الأخير من الخطة، ستخفف “المخاوف الديموغرافية من خلال تقديم خيار إلى 3 ملايين فلسطيني، التخلي عن تطلعاتهم الوطنية والاستمرار في العيش على أرضهم بأدنى الحقوق، أو الهجرة إلى الخارج.
وتوضح الخطة أنه “إذا اختاروا بدلا من ذلك حمل السلاح ضد إسرائيل، يصنفون على أنهم إرهابيون ويشرع الجيش الإسرائيلي في قتل أولئك الذين يجب قتلهم”.
وعندما سئل في اجتماع عرض فيه خطته على شخصيات صهيونية متدينة، إذا كان يقصد أيضا قتل العائلات والنساء والأطفال، أجاب سموتريش: “هذه حرب”.
“الأرض التوراتية”
ومنذ السابع من الشهر الماضي، تنفذ رؤية سموتريتش بقسوة ربما لم يتوقعها هو، وأكثر تطرفا من نص الخطة نفسها. وذلك لأن إسرائيل، من الناحية العملية، تزيل من جدول الأعمال الاحتمال الأول المعروض وهو عيش الفلسطيني بأدنى الحقوق وبات البديل الهجرة أو الإبادة.
وإذا كانت هذه تصريحات الساسة المتطرفين فمن يوصفون بالمعتدلين لم تكن سقوف كلماتهم أدنى، فمثلا زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد الذي شغل لفترة رئيس حكومة الاحتلال قال إن “الإسرائيليين يعيشون على أرضهم التوراتية”، فالسياسي الذي يؤيد حل الدولتين متمسك بالاستيطان والمستوطنات، مؤكدا أن هناك خلطا بين المستوطنات أو المنشآت والمستعمرات، فنحن لم نحتل دولة فلسطين لأن هذه الدولة لم تكن موجودة على الإطلاق.
ولم يحدد لبيد -في مقابلة مع محطة تلفزة فرنسية- أين ستقام الدولة الفلسطينية المزعومة؟ ولكنه شدد أن الإسرائيليين “ليسوا مستعمرين”.
وختم زعيم المعارضة بأن “القضية ذات الأولوية لتحقيق حل الدولتين، هي القضاء على حماس، القضية الآن هي أننا نقاتل من أجل حياتنا ضد منظمة إرهابية، منظمة ضد حل الدولتين”.
هل الأميركيون “يوجهون” الإسرائيليين؟
يرد مسؤولون أميركيون -تحدثوا إلى نيويورك تايمز- على السؤال بأن الجيش الإسرائيلي لديه وقت محدود لتنفيذ عملياته في غزة قبل أن يؤدي الغضب بين العرب في المنطقة والإحباط في الولايات المتحدة ودول أخرى بشأن ارتفاع عدد الشهداء، إلى تقييد هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حماس.
ويقول رئيس هيئة الأركان الجنرال تشارلز براون، إنه يشعر بالقلق من أن “كل مدني يُقتل في غزة يمكن أن يولد أفرادا في المستقبل ينضمون إلى حماس”.
ويكشف أحد المسؤولين إن كبار القادة العسكريين الأميركيين يحاولون -يوميا- دفع نظرائهم الإسرائيليين إلى أن يكونوا “أكثر دقة” في الاستهداف. وحث مسؤولون آخرون إسرائيل على استخدام القنابل الموجهة بالأقمار الاصطناعية بدلا من الذخائر التي يتراوح وزنها بين 454 كيلوغراما و900 كيلوغرام.
ويشير مسؤولون آخرون إلى أن القرار الذي اتخذته إسرائيل قبل أسبوعين بوقف غزو واسع النطاق لغزة والقيام بدلاً من ذلك بتنفيذ هجوم بري أكثر تعمداً ومتدرجاً يتماشى مع اقتراحات وزير الدفاع لويد أوستن لنظيره الإسرائيلي.
وقال الجنرال كينيث ماكينزي جونيور، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأميركية، إن الجيش الإسرائيلي حدد 5 أهداف رئيسية في غزة:
- تفكيك حماس
- تقليل الخسائر في صفوف المدنيين
- تقليل المخاطر التي تتعرض لها قواته
- استعادة الأسرى
- تجنب توسيع الحرب إلى ما هو أبعد من غزة.
“نقاتل أبناءهم خلال 4 أو 5 سنوات”
وقال الجنرال ماكنزي إن إسرائيل “تحقق معظم هذه الأهداف”، ولكن من الناحية الإستراتيجية فإن الوقت “ليس بالضرورة في صالح إسرائيل”.
وتتزايد الانتقادات الموجهة لإسرائيل مع تلاشي ذكريات عملية طوفان الأقصى وتهمين صور المجازر في غزة عناوين الأخبار. وهذا يشكل ضغطاً على جيش الاحتلال -بحسب الصحيفة- لإلحاق الضرر بحماس في أسرع وقت ممكن.
وقال الجنرال براون إنه كلما طال أمد الحرب أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل.
ويرى مسؤول وحدة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، كريستوفر كوستا، أن “قدرة إسرائيل على تحمل المخاطر مرتفعة للغاية، وهم على استعداد لقبول الانتقادات فيما يتعلق بالقتلى المدنيين أثناء العمليات التي تجري في بيئة حضرية معقدة ومكتظة بالسكان”.
غير أن الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) ياكوف بيري، يشعر بـ”قلق من أن إسرائيل تعمل على خلق جيل جديد من المقاتلين.. سنقاتل أبناءهم خلال 4 أو 5 سنوات”.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية + الصحافة الإسرائيلية + الصحافة البريطانية