القدس المحتلة- عكس تأجيل الاحتلال الإسرائيلي عملية التوغل البري في قطاع غزة، السجال الإسرائيلي الخفي بشأن الأهداف المرجو تحقيقها من هذا التوغل، ومدى جاهزية الجيش لما يسمى “حرب المدن”، وكذلك المخاوف من التورط في “مستنقع غزة” وفتح جبهات قتالية أخرى، والخسائر الفادحة التي قد يتكبدها الجيش في صفوف جنوده سواء على مستوى القتلى أو الأسرى.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية -أمس الأحد- أن الجيش الإسرائيلي قرر إرجاء توغله المتوقع لقطاع غزة، لعدة أيام “بسبب الظروف الجوية السيئة”، ونقلت عن 3 ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، لم تكشف عن هويتهم، أنه كان من المفترض أن يبدأ الهجوم البري عطلة نهاية هذا الأسبوع، لكن تم تأجيله جزئيا بسبب السماء الملبدة بالغيوم التي ستجعل من الصعب على الطيارين الإسرائيليين ومشغلي الطائرات بدون طيار توفير غطاء جوي للقوات البرية.
وفي وقت يترقب فيه العالم التوغل البري الإسرائيلي في القطاع، تسعى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لخلق حالة من المباغتة في قرار وتوقيت الاجتياح، وتراوغ في ذلك من خلال إكمال إجلاء سكان “غلاف غزة” ومستوطنة سديروت، والتذرع بالحشد والجهوزية، ونشر المعدات واستدعاء قوات الاحتياط.
ووفق تقديرات وتحليلات للإسرائيليين، تتستر وراء هذه الذرائع والأسباب، خلافات في وجهات النظر بين بعض السياسيين في المشهد الحزبي والائتلاف الحكومي حول طبيعية وحجم التوغل البري، وذلك خشية التورط وعدم تحقيق الأهداف، وتسجيل المزيد من الإخفاقات والفشل عقب معركة “طوفان الأقصى” التي يرى فيها بعض المحللين انتصارا معنويا للفلسطينيين.
وتتوافق آراء محللين أن التوغل البري لقطاع غزة مسألة وقت، وأجمعوا في تقديراتهم على أن المعركة البرية قد تستغرق وقتا طويلا، وتورط إسرائيل في مستنقع غزة وجبهات أخرى، بيد أنهم استبعدوا أن تؤدي أي عملية عسكرية من الجو في إسقاط حكم حركة “حماس” في القطاع، إلا إذا قررت إسرائيل احتلال القطاع والمكوث هناك وهو السيناريو الذي لا تريده إسرائيل وتراه كابوسا.
سقف زمني
في هذا السياق، يعتقد لي آيال عليمه المحلل العسكري في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان”، أن أي سجال خفي أو حتى خلافات بوجهات النظر لدى المستوى السياسي، لن تؤجل عملية التوغل البري لغزة، والتي سيتم تنفيذها فور الوصول إلى كامل الجهوزية على الأرض، والانتهاء من تدمير الأهداف لدى سلاح الجو الذي يقوم بتحضير الأرضية للقوات البرية.
وشدد عليمه في حديثه للجزيرة نت على أن المستوى العسكري يقوم بكافة الإجراءات والخطوات والتجهيزات لبدء الاجتياح البري، مشيرا إلى أن المستوى السياسي الإسرائيلي، ورغم الدعم الأميركي والغربي يأخذ بالحسبان الضغوطات التي سيتعرض لها من قبل المجتمع الدولي.
واعتبر أن المستوى السياسي الإسرائيلي يخشى -عدا الخسائر والضحايا بصفوف الجنود- أن تحول ضغوطات المجتمع الدولي دون تحقيق أي هدف يذكر من عملية التوغل البري، ولا حتى تقويض القوة العسكرية لحماس، علما أن واشنطن طالبت تل أبيب بسقف زمني لمراحل التوغل البري.
مستنقع غزة
ويرى عليمه أن النظرية العسكرية تؤكد أنه لا يمكن حسم أي حرب عن طريق القصف الجوي، ولتحقيق أي إنجاز يجب خوض معارك على الأرض والتوغل البري والمواجهة المباشرة بين الجيوش، لافتا إلى أن هذه النظرية تعززت في السنوات الأخيرة لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي باتت على قناعة أنه لا يمكن حسم المعركة دون احتلال قطاع غزة.
وبحسب المحلل العسكري، فإنه لا توجد أهداف رسمية معلنة من وراء التوغل البري في القطاع، مشيرا إلى أن ما رشح من أهداف ما هي إلا تصريحات لبعض السياسيين الإسرائيليين، وبالتالي إذا كان سقف الأهداف هو القضاء على حماس سياسيا وعسكريا، فإن ملامح المعركة ستتغير وستكون هناك سيناريوهات مختلفة، وهو ما يورط إسرائيل في مستنقع غزة.
ويعتقد عليمه أن إسرائيل لا تريد احتلال قطاع غزة والمكوث هناك، لكنها بالتأكيد تريد إضعاف حماس وتقويض قوتها سياسيا وعسكريا، قائلا “بمعزل عن الخطط والأهداف العسكرية، لا توجد لدى المستوى السياسي في إسرائيل أي نية لمسار سياسي ودبلوماسي مع الفلسطينيين، وبالتالي حتى لو تم الإطاحة بحماس وهذا صعب المنال، إلا أن الصراع مع الفلسطينيين لن يحسم وسيحتدم”.
جبهة لبنان
من جانبه، قارب المحلل العسكري عاموس هرئيل، بين السجال والخلاف بوجهات النظر بين السياسيين بشأن التوغل البري وبين التقديرات بشأن عملية برية محدودة المدة، بدفع ودعم كبير حصلت عليه إسرائيل من الغرب، مشيرا إلى أن الحداد على ضحايا “السبت الأسود” أدى إلى عدم مبالاة الجمهور الإسرائيلي بالوضع في قطاع غزة، وإجماع بشأن التوغل البري.
ورجح أن إسرائيل التي تأخذ بالحسبان الاعتبارات الإقليمية والدعم الغربي الذي سيتقلص مع تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، انتقلت بالاستعدادات للهجوم البري إلى مرحلة أكثر تقدما، وذلك بعد حكومة الطوارئ واستقرار السيطرة على مستوطنات “غلاف غزة” والجنوب، كما تأخذ بعين الاعتبار الضغوطات الدولية والإقليمية التي قد تمارس عليها، وربما تقنعها حتى بالعدول على التوغل البري الواسع.
وبشأن جبهة لبنان -يقول هرئيل- “يواصل حزب الله هجماته عدة مرات في اليوم، وبشكل محدود، لزيادة التوتر وردع إسرائيل عن شن هجوم بري في غزة. وفي الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة على تسريع وتيرة تسليم المساعدات العسكرية لإسرائيل، لتجهيزها لمواصلة القتال، وتحاول ردع حزب الله وإيران عن الدخول في الصراع والمواجهة العسكرية المباشرة”.
تداعيات ومخاوف
وعلى المستوى السياسي، يعتقد محلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس” يوسي فيرتر، أنه على الرغم من وجود إجماع بالمجتمع الإسرائيلي لعملية عسكرية برية في قطاع غزة، فإن هناك سجالا لدى المستوى السياسي بشأن هذه التوغل وأهدافه، ومدته والمخاوف من الغرق في رمال غزة.
وأوضح فيرتر أن هذا السجال الذي يأتي في ظل حكومة الطوارئ القومية ينعكس على مناقشات “كابينت الحرب”، الذي من المفترض أن يقرر ويعطي الضوء الأخضر للمستوى العسكري ببدء التوغل البري الذي قد يكون في أي لحظة، مشيرا إلى الخلاف بوجهات النظر يأتي على الرغم من تصريحات السياسيين الإسرائيليين الذين حددوا سقف أهداف المناورة البرية بإسقاط حكم حماس في غزة.
وأشار إلى أن السجال الخفي بشأن التوغل البري، يعكس مخاوف المستوى السياسي من تداعيات المعارك البرية ومدى تطورات الحرب وعدم تحقيق الأهداف، الأمر الذي من شأنه أن يعزز ثورة الغضب على الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، الذي يرفض تحمل أي مسؤولية، ويوجه أصابع الاتهام بالفشل والإخفاق للمستويين الأمني والعسكري.
وأشار إلى أن نتنياهو يجري “عملية صهر الوعي للمجتمع الإسرائيلي، وهذا الأمر بالنسبة إليه أهم من إسقاط حكم حماس في غزة”، وذلك من خلال المراوغة بالإعلان بين الحين والآخر من قبل المستوى العسكري عن تأجيل التوغل البري تارة للحشد، وأخرى بسبب حالة الطقس وثالثة تمهيدا لكامل الجهوزية.