واشنطن- أصدرت وزارة الدفاع الأميركية -أمس الأول الثلاثاء- تقريرا عن الإنفاق الدفاعي للسنة المالية 2022 كشفت فيه عن كيفية إنفاق 753 مليار دولار، خصصتها الميزانية الفدرالية للبنتاغون العام الماضي.
وضمن بنود هذه المخصصات ذهبت 389.5 مليار دولار لشركات خاصة تعاقدت مع البنتاغون على إنتاج أسلحة متنوعة، أو تقديم خدمات مختلفة.
وقالت رادها بلامب، نائبة وكيل وزارة الدفاع للاستحواذ والاستدامة، إن “قاعدتنا الصناعية هي واحدة من أعظم ميزاتنا التنافسية”، وأضافت “يسلط التقرير الضوء على كيفية قيام الوزارة بتوسيع علاقاتها مع شركات جديدة، ممن لا يرتبطون تقليديا بمنظومة التصنيع العسكري”.
ولا يتفق كثير من المحللين مع طرح المسؤولة العسكرية الأميركية، معدّين أن العلاقات الحميمية التي تجمع بين وزارة الدفاع وشركات تصنيع وتطوير الأسلحة، تحتاج إلى تدقيق ومراجعة بسبب ما يعتريها من شبهات فساد وتعارض مصالح.
تحديث منظومة
في هذا الإطار، تناولت فعالية نظمها معهد كوينسي بالتعاون مع جامعة جورج واشنطن، العلاقات بين القطاع المالي وصناعة الأسلحة في الولايات المتحدة.
وأشار المتحدثون إلى قِدم وعمق العلاقات المعقدة والمتشابكة بين المؤسسات المالية الأميركية وصناع السلاح، وأن هناك اتجاها متصاعدا لتأسيس علاقات منفعة متبادلة بين شركات القطاع المالي وشركات التقنية الجديدة والناشئة، ودفعها تجاه التطبيقات العسكرية لمنتجاتها.
وتعود علاقة صناديق الاستثمار المالي بصناعة الأسلحة إلى فترة الحرب العالمية الثانية، التي أعقبها تأسيس أول صندوق استثماري Venture Capital في الولايات المتحدة للاستفادة من التقنيات الجديدة، التي طُوّرت للاستخدام خلال الحرب.
ولعب الإنفاق العسكري الحكومي دورا كبيرة في تحويل وادي السيليكون منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى مركز تقني هو الأهم في العالم من حيث التطوير والاختراع.
وتوسعت الصناديق الاستثمارية التي تستثمر في الأسلحة والتقنيات العسكرية والاستخباراتية خلال العقود الأخيرة، وتتخصص صناديق استثمارية عدة؛ مثل: Veritas Capital وCivitas Group في توجيه المزيد من رأس المال الخاص إلى تطوير صناعة الأسلحة، والدفع بالشركات الناشئة في مجال التقنية إلى تطوير التطبيقات العسكرية لمنتجاتها.
ولا يقتصر الأمر على مجرد الشركات الناشئة، فالعديد من الصناديق الاستثمارية الكبيرة لديها أقسام توظف بها كثيرا من المسؤولين السابقين والمتقاعدين العسكريين والأمنيين، جنبا إلى جنب مع مديري الأصول المالية الذين يستخدمون علاقاتهم بالعملاء الأثرياء، لجمع رأس المال لاستثمارات جديدة في التقنية العسكرية.
وأشارت شانا مارشال، المديرة المساعدة لمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، إلى أن الصناديق الاستثمارية “تُعيد ضخ أرباحها في دعم الأبحاث التقنية ذات الطبيعة العسكرية، ويمنحها ذلك امتيازات ضريبية واسعة”.
تحذير أيزنهاور صالح لليوم
وبعد فترتي حكم امتدتا من 1953 إلى 1961، حذّر الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور في خطابه الوداعي من “النفوذ الذي لا مسوغ له، سواء كان بطلب أو بغير طلب من المجمع الصناعي العسكري”، وقصد بذلك التحالف بين المؤسسة العسكرية الضخمة، ممثلة في وزارة الدفاع (البنتاغون)، وكبريات شركات الصناعات العسكرية.
ويتمتع هذا التحالف بنفوذ واسع على الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ويمرر الكونغرس سنويا وبصورة روتينية، ودون تأثر بالحزب صاحب الأغلبية في مجلسيه -النواب والشيوخ- ميزانيات الدفاع دون نقاشات أو تحفظات ذات قيمة، وتعدّ الميزانية العسكرية إحدى القضايا النادرة التي يتنافس فيها الحزبان على إرضاء البنتاغون.
يُذكر أن قيمة الميزانية العسكرية الأميركية، تتخطى إجمالي ميزانيات الدفاع لأكبر 10 دول من حيث الإنفاق العسكري؛ وهي: الصين والسعودية وروسيا والهند وبريطانيا وفرنسا واليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل.
الباب الدوّار
تسمح ظاهرة “الباب الدوار” بخروج مسؤولي إدارة سابقة للعمل في شركات ومؤسسات خاصة، ثم يعودون من جديد بعد سنوات للعمل الحكومي، وتولي مناصب حكومية رفيعة مجددا.
وعلى سبيل المثال: انضم وزير الدفاع الحالي، الجنرال لويد أوستن -بعد تقاعده من القوات المسلحة في 2016- إلى مجالس إدارات شركات عدة؛ على رأسها: شركة رايثيون، التي تعدّ واحدة من أكبر مصنّعي السلاح الأميركي، والبنتاغون عميلها رقم واحد.
ولا يقتصر الأمر على وزير الدفاع الحالي، فكل المسؤولين السابقين ينضمون إلى مجالس شركات تصنيع السلاح الكبرى، أو كبريات صناديق الشركات الاستثمارية، أو يعملون في شركات اللوبي لصالح تلك الشركات.
وفي حديث مع الجزيرة نت، ذكر جوناثان غوير، الخبير في شؤون علاقات المجمع الصناعي العسكري وعلاقته بمسؤولي الإدارات الأميركية، وكبير كتاب السياسة الخارجية في Vox، أن “النظام الأميركي أصبح مبرمجا بهذه الطريقة، حيث من المعتاد أن نجد المسؤولين السابقين يعينون في مجالس إدارة الشركات الكبيرة، أو الصناديق الاستثمارية التي لها علاقات عمل مع جهات حكومية، خاصة البنتاغون”.
وقال غوير، إن “هنري كيسنجر، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي السابق، كان من أول من قدّم خدماته للشركات الخاصة بعد تقاعده من العمل الحكومي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك رأينا كثيرا من مسؤولي إدارة رونالد ريغان، ومن بعدها إدارة جورج بوش يتجهون إلى العمل لصالح الشركات التي لها مصالح مع الحكومة الأميركية، ولم تتوقف هذه الظاهرة إطلاقا”.
وأضاف “أن أغلب شركات التقنية التي لا تعمل في مجال صناع السلاح بطريقة مباشرة؛ مثل: أمازون وغوغل وميكروسوفت وكثير غيرهم، تتعامل مع البنتاغون في تطوير أنظمة تقنية حديثة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والملاحة والمتابعة والسيارات ذاتية القيادة.
ولا تخجل هذه الشركات مما تفعله، “بل يصورونه عملا وطنيا يخدم المصالح الأميركية”.
10 شركات
وكشف تقرير الإنفاق الدفاعي للبنتاغون لسنة 2022 عن هُوية الشركات العشرة التي حصلت على عقود من البنتاغون، وجاءت على النحو الآتي:
- لوكهيد مارتن- 44 مليار دولار (تنتج المقاتلة أف 35 وأف 16).
- رايثيون تكنولوجيز- 25.4 مليار دولار (تنتج صواريخ توما هوك).
- جنرال ديناميكس- 21.5 مليار دولار (تنتج مدرعات ودبابة M1A1 ).
- شركة فايزر- 16.7 مليار دولار (تنتج أمصال كوفيد 19).
- شركة بوينغ- 14.2 مليار دولار (تنتج مروحيات آباتشي وشينهوك).
- نورثروب جرومان- 12.8 مليار دولار (تنتج القاذفة B-21 Raider بعيدة المدى).
- هيومانا- 7.7 مليار دولار (توفير تأمين صحي لأكثر من 3 ملايين شخص يتبعون وزارة الدفاع).
- L3 هاريس تكنولوجيز- 6.2 مليار دولار (تنتج طائرة النقل العسكري الضخمة C-130).
- هنتنغتون إينغلس-6.1 مليار دولار (تنتج حاملات طائرات ومدمرات بحرية).
- بي إيه إي سيستمز- 4.9 مليار دولار (تنتج ذخائر ومقذوفات متنوعة وقطع مدفعية).