القدس المحتلة- أجمع محللون ومسؤولون عسكريون إسرائيليون أن خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، يحمل في طياته رسائل تهديد مبطنة إلى إسرائيل، دون إعطاء الضوء الأخضر لشن حرب شاملة.
ويرى هؤلاء أن نصر الله اعتمد نهج “المراوغة والتضليل” بسير الحرب وتطوراتها، بينما بدا أكثر غموضا بسيناريو حرب متعددة الجبهات، حيث أبقى على كل الخيارات مفتوحة.
واتفقت التحليلات والتقديرات على ضرورة الحذر من حزب الله الذي لم يقل كلمته الأخيرة، وأجمعت أن مضمون خطاب حسن نصر الله يبقي على جبهة لبنان مشتعلة، وكذلك يستمر في استفزاز الجيش الإسرائيلي، وهي المضامين التي تربك حسابات إسرائيل، وتخلط أوراق الحرب القائمة.
وحذرت التحليلات الإسرائيلية من الاعتقاد بأن حزب الله تخلى عن حماس بعدم فتح جبهة واسعة من لبنان، وكذلك من الخطاب الذي يروج إلى أن الردع الإسرائيلي بدا ناجعا على الجبهة اللبنانية، كما لم تستبعد التحليلات احتمال اعتماد حزب الله عنصر المفاجأة، وتوجيه ضربة للعمق الإسرائيلي.
الردع الإسرائيلي
في هذا السياق، يرى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عاموس يادلين، أن حسن نصر الله “يراوغ ويعتمد نهج التضليل والضبابية” بشأن موقف حزب الله وإيران، مما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبشأن سير المعركة وتطورات الحرب على الجبهة مع لبنان.
وأوضح يادلين أن الغموض في خطاب نصر الله أبقى على جميع الاحتمالات مفتوحة، كما أبقى التوتر على الجبهة مع لبنان، مشيرا إلى أن حزب الله يتجنب المخاطرة بحرب شاملة، وأن الردع الإسرائيلي قوي جد، لكن حسن نصر الله لم يتردد بتهديد إسرائيل، وقصف عمق المدن الإسرائيلية، وتوجيه ضربة استباقية.
ومن وجهة نظر المسؤول العسكري الإسرائيلي، فإن نصر الله لا يستطيع مفاجأة الجيش الإسرائيلي المتمركز على الحدود، “وهو لا يريد أن يتلقى الضربة نفسها التي تلقتها حماس”، وهو يحاول التحذير من ضربة استباقية قد تشعل حربا إقليمية، حسب وصفه.
سير الحرب
وحسب اللواء احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل زيف، فإن نصر الله “أوضح لماذا لا ينوي التضحية ببيروت، بل الاستمرار في المراوغة والتضليل بكل ما يتعلق بسير الحرب والاحتمالات المستقبلية”.
ونبّه زيف إلى أن خطاب نصر الله حمل رسالة مفادها أن حزب الله سيبقي على التصعيد والتوتر باستخدام “فتيل هادئ” يتحكم به، والأهم سيستمر في استنزاف إسرائيل مع الإبقاء على عنصر المفاجأة، الأمر الذي يخلق حالة من الإرباك بالجانب الإسرائيلي.
ويعتقد زيف أن نصر الله الذي أبقى على كل الاحتمالات مفتوحة، يجب أن تقلق منه إسرائيل جدا، مؤكدا أنه لا يمكن الاطمئنان وإعادة “المدنيين الإسرائيليين” إلى المناطق الحدودية، إلا بعد إبعاد عناصر حزب الله من الجنوب اللبناني، وإلغاء التهديدات باحتمال توغل بري لمقاتلي الحزب في الجليل الأعلى.
تهديدات مبطنة
وفي قراءة لخطاب نصر الله في السياق الاستخباراتي، يرى الرئيس السابق لقسم الاستخبارات في جهاز الموساد، زوهر فالتي، أن هناك ميلا إلى إعطاء أهمية لمصداقية نصر الله “الذي يشن في خطابه حربا نفسية ضد إسرائيل، وحتى ضد أميركا، وكل من يدعم إسرائيل في الشرق الأوسط”.
وأشار فالتي في حديث للقناة 12 العبرية، إلى أن نصر الله لم يتخلّ عن حماس أو غزة كما يعتقد بعض الإسرائيليين، فهو يتصرف من منطلق مسؤولية تجاه لبنان، ولا يريد تكرار سيناريو حرب 2006، خاصة وهو يرى النفوذ الإستراتيجي للولايات المتحدة، وجيشها في الحرب على غزة، حيث يحمّل الأميركيين مع إسرائيل مسؤولية ما يحدث هناك.
ويقول مسؤول قسم الاستخبارات السابق، إن نصر الله “يعود إلى مفهوم خيوط العنكبوت، فهو يوضح أن إسرائيل لن تكون لها استمرارية وجودية، ولن تحيا دون الأميركيين”، مشيرا إلى أن هذه التصريحات لنصر الله لم تُقل بالصدفة، بل بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لإسرائيل.
دق الأسافين
واختارت محللة الشؤون العربية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، سمدار بيري، دق الأسافين بين حماس وحزب الله، حيث زعمت أن خطاب نصر الله أتى مخيبا للآمال بالنسبة لحركة حماس، بعدم انضمامه إلى الحرب بشكل واسع على الجبهة اللبنانية.
وزعمت بيري في تحليلها، أن نصر الله أثبت -من خلال التصريحات على الأقل- أنه يتجنب مهاجمة إسرائيل بالقوة؛ لأنه من الواضح له أن إسرائيل ستهاجم بيروت وتدمرها كما فعلت في غزة.
وتقول بيري، “كان من الواضح أن نصر الله لن يعطي حزبه الضوء الأخضر للدخول في حرب شاملة”، واستعرض الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الصعب في إسرائيل، وكذلك الحالة النفسية غير المستقرة لمواطنيها، وأوضح مرارا وتكرارا لماذا ينبغي لحزب الله ألا يدخل بحرب شاملة.
خداع إستراتيجي
وفي تقدير موقف لميخائيل ميلشتاين، رئيس قسم العالم العربي في “معهد السياسات والإستراتيجية” بجامعة رايخمان، في هرتسليا الإسرائيلية، أكد أن نصر الله كان حذرا في خطابه ورسائله، لكن “من المستحسن للإسرائيليين الحذر من التفاؤل من التصريح المعلن، أن حزب الله غير معني بحرب شاملة، أو أن الردع الإسرائيلي عاد للجبهة مع لبنان”.
وأضاف ميلشتاين، أن نصر الله لم يلق خطابه “بحكم دوره أمينا عاما لحزب الله فقط، بل ممثلا لمعسكر المقاومة الشرق أوسطية برمته بقيادة إيران. وكان في قلب ما قاله الإنجاز لحماس وللمقاومة الفلسطينية، ونجاح هذا المعسكر في ترسيخ مكانته في الشرق الأوسط”.
ولكن بالنسبة لإسرائيل فإن، “المضمون الحذر للخطاب يجب ألا يحجب أي شعور بالتفاؤل. وخلافا للمستمعين العاديين، من المناسب أن يمتنع جميع صناع القرار والمسؤولين الأمنيين عن فهم الخطاب على أنه ضعيف ومهادن، وأن حزب الله مردوع ونصر الله لديه همومه وموانعه من شن حرب شاملة على إسرائيل”، كما يقول ميلشتاين.
واستذكر أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لقّن إسرائيل درسا مؤلما، عندما قُلّل من نيات حماس، واستبعاد سيناريو هجوم مفاجئ من غزة.
ويعتقد المحلل أن خطاب نصر الله ومضمونه “خداع إستراتيجي”، ويقول، إنه “من الضروري التركيز على توضيح نصر الله بأن ردود أفعاله ستستمد من طبيعة المعركة في غزة، وإذا ترافق ذلك مع أضرار جسيمة لحماس، وفي المقام الأول تصفية كبار مسؤوليها، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد واسع النطاق على الجبهة مع لبنان”.