طوباس– في اشتباك وصف بالعنيف، استشهد الشاب الفلسطيني أحمد دراغمة خلال اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة طوباس شمال الضفة الغربية فجر اليوم الثلاثاء، بينما استشهد الشابان محمد بيادسة وأسامة أبو زلط في توغل آخر ومتزامن بمخيم الفارعة المتاخم للمدينة من جهتها الجنوبية.
وأصيب دراغمة (25 عاما) وفق بيان مقتضب لوزارة الصحة الفلسطينية وصل إلى الجزيرة نت، بـ 3 رصاصات في الصدر والرقبة والرأس، بينما أصيب الشهيد بيادسة (32 عاما) برصاصة في الرأس مباشرة، وأصيب أبو زلط (31 عاما) برصاص في الصدر.
وفي عملية عسكرية موسعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بدأت قبيل منتصف الليلة الماضية واستمرت حتى الرابعة فجرا، توغّلت قوات كبيرة من جيش الاحتلال في محافظة طوباس ترافقها جرافات عسكرية ضخمة، في محاولة لاعتقال مطلوبين لها أو تصفيتهم كما دأبت وبصورة متصاعدة في العامين الأخيرين على الأقل.
وقال حسام دراغمة مدير بلدية طوباس للجزيرة نت، إن جيش الاحتلال اقتحم طوباس من 3 محاور، عبر حاجز تياسير شمالا، وحاجز الحمراء جنوبا، ومن منطقة البقيعة شرقا، حيث توغلت هذه القوات المدججة بكل أنواع السلاح بداية في مخيم الفارعة وشرعت بتجريف شوارعه وبنيته التحتية.
وخلال ذلك اشتبكت قوات الاحتلال مع المقاومين، مما أدى لاستشهاد الشابين محمد بيادسة وأسامة أبو زلط بعد قنصهما داخل منزليهما، كما أصيب 3 آخرون برصاص الاحتلال.
وفي الأثناء، وخلال عمليتها بمخيم الفارعة، اقتحمت قوات الاحتلال ووحداتها الخاصة مدينة طوباس قرابة الساعة الثالثة فجرا، ودارت اشتباكات وصفت بالعنيفة بين المقاومين وجنود الاحتلال في منطقة السوق القديم، مما أدى لاستشهاد الشاب أحمد دراغمة.
“المؤسس والشرس”
وعقب استشهاد أحمد، حمله رفاقه وشبان المدينة على الأكتاف وجابوا به في مسيرة ضخمة تخللها إطلاق نار كثيف بالهواء وهتافات للشهيد والدعوة للانتقام والثأر له، ومن ثم نُقل الشهيد إلى المشفى التركي الحكومي بالمدينة.
ويعكس ما جرى وفق مدير بلدية طوباس، حسام دراغمة، إجرام الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة وغطرسة جيشه الذي اعتاد اقتحام القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية لقتل المقاومين، ويضيف “هؤلاء الشبان الذين ينتمون لفصائل العمل الوطني والإسلامي يهبون بكل مرة للدفاع عن بلدهم ومنازلهم الآمنة”.
ويضيف “المقاومون بطوباس هم من الشباب الثائر والخلوق وذوي السمعة الطيبة الذين سلكوا درب الدفاع عن وطنهم وأهلهم وبالتالي أصبحوا مطاردين من قبل الاحتلال الذي يقتحم المدينة دوما تحت هذه الذريعة”.
والشهيد أحمد جمال سليم دراغمة (25 عاما)، تلقى تعليمه الأساسي والثانوي بمدارس طوباس حيث أنهى الثانوية العامة ولم يتابع دارسته الجامعية، والتحق بالعمل الحر مع شقيقه، وهو الأوسط بين 7 أخوة (4 إناث و3 ذكور).
وسبق أن اعتقل الاحتلال الشهيد أحمد الملقب بـ”الجُغُل” قبل نحو 3 سنوات ولفترة وجيزة، حيث أطلق سراحه بعد أيام من التحقيق معه، بينما اعتقل شقيقاه الأكبر كمال والأصغر محمد لعدة أشهر.
وبخلقه الحسن وبشاشة وجهه، إضافة لالتزامه الديني، عرف أحمد الشاب “الضحوك والمتفائل” كما يصفه أصدقاؤه.
ومع اشتداد المواجهة مع الاحتلال في مخيمات ومناطق المحافظات الشمالية لا سيما مخيمات جنين ونور شمس بطولكرم وبلاطة بنابلس، عمد أحمد إلى تشكيل ما تُعرف بـ”كتيبة طوباس” والبدء بمواجهة الاحتلال.
الشهادة ولا سواها
وما لبثت أن أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي إطلاقها “كتيبة طوباس” منتصف يوليو/تموز من العام الماضي، حتى انخرطت فصائل المقاومة وخاصة كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المسار ذاته وشرعت باستهداف الاحتلال.
شارك أحمد في التصدي ورفاقه المقاومون للاحتلال بكل اقتحاماته، حتى أن الاحتلال جعله هدفا لكل اقتحاماته لمحافظة طوباس التي أدت لاستشهاد 24 مواطنا خلال 2023، وفق مرصد شيرين أبو عاقلة التوثيقي.
ومنذ نحو عامين ومع تأسيسه لكتيبة طوباس بدأ الاحتلال بملاحقة أحمد ومطاردته، وكان يرفض تحت أي ظرف تسليم نفسه، ويقول إن السجن ليس مكانه، وأن مصيره إما “الشهادة وإما البقاء مطاردا ومشتبكا مع الاحتلال” يقول قريبه أحمد محاسنة.
ويضيف للجزيرة نت أن أحمد كان “متفائلا” رغم معرفته المسبقة لمصيره، وأنه كان “يضع المقاومة والشهادة نصب عينيه تماما كما يضعه الاحتلال على رأس أهدافه، حيث نجا مرات كثيرة من محاولات اغتيال واعتقال.
ويصف محاسنة الشهيد أحمد بالمقاوم “الشرس والعنيد” وأنه كان يرفض الاستسلام تحت أي ظرف، ويؤكد أنه خاض طريق المقاومة ورفض أن يرجع منه إلا شهيدا.
وهو متواضع في مقاومته أيضا ويبتعد عن الظهور لدرجة حرص فيها على عدم الالتقاء كثيرا بذويه خلال فترة مطاردته، وأنهم كما يقول قريبه كانوا يرونه فقط خلال الاقتحام والاشتباكات مع الاحتلال. ولهذا يضيف محاسنة “كمن جنود الاحتلال لأحمد خلال اقتحامهم طوباس، لأنهم يعرفون أنه سيخرج ويشتبك معهم، وكان ذلك فعلا، فجاؤوه من الخلف”.
وداع الشجاع
وأحمد “الشجاع” كما يصفه والده جمال في حديثه للجزيرة نت، كان محبوبا في طوباس التي عرفته بمقاومته ودفاعه عنها، ويضيف والده أن آخر لحظاته معه كان مساء أمس قبيل استشهاده، حيث جاء لأخذ معطفه الشتوي ولم يتحدث إليهم كثيرا لكونه على عجلة من أمره “وودعناه بالنظرات التي كانت آخر عهدنا به” يضيف والده.
ولم يكن أحمد مجرد مقاوم، بل مقاوما بفكر القائد، ودلت أفعاله على ذلك، ففي بيان له نشره على صفحته دعا منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أهالي مدينته طوباس للتبرع للمقاومة عبر صناديق وضعت بمساجد المدينة.
ويقول في بيانه الذي حصلت عليه الجزيرة نت “هذه الصناديق باسم المقاومة بمحافظتنا، وليس لها علاقة بأي تنظيم، ونحن مجموعة شباب أخلصنا نيتنا لنصرة دين الله وإعلاء كلمة لا إله إلا الله”.