خلال ما يزيد على 100 يوم منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سعى الرئيس الأميركي جو بايدن لمساعدة إسرائيل على الانتصار في حربها على غزة ومنع الصراع من التحول إلى حرب إقليمية مع إيران ووكلائها. وقد أصبح هذا الأمر أكثر صعوبة مع قيام “محور المقاومة” الإيراني وإسرائيل وأميركا بشن ضربات أكثر خطورة على بعضهما بعضا، بما في ذلك الاغتيالات.
وذكر تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية أن حلفاء إيران في العراق وسوريا شنوا نحو 140 هجوما بالصواريخ والمسيرات ضد القوات الأميركية منذ بداية حرب غزة، ولعل أعنفها جاء يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، مع إطلاق وابل من “الصواريخ الباليستية المتعددة والقذائف” على قاعدة الأسد غربي العراق، وفقًا للقيادة الوسطى الأميركية.
وأضافت المجلة أن الولايات المتحدة شنت في اليمن غارتها السابعة “على حليف إيراني مختلف”، وهو جماعة الحوثي التي تسيطر على جزء كبير من البلاد، في محاولة لوقف الصواريخ التي تطلقها على السفن المارة بمضيق باب المندب.
ويعترف بايدن نفسه بأن الضربات الأميركية لن توقف الحوثيين. ومع ذلك، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن إدارته تقوم بصياغة خطط “لحملة عسكرية مستمرة” في اليمن على الرغم من مخاوف بعض المسؤولين.
وتابعت المجلة قائلة إن حزب الله في لبنان، من ناحية أخرى، كان يتبادل إطلاق النار بشكل منتظم مع القوات الإسرائيلية. وقد أعرب عن دعمه لحركة حماس، لكنه لم يزج بنفسه في حرب ضد إسرائيل، وفق تعبير المجلة، إذ ساعدت إدارة بايدن في ثني إسرائيل عن شن هجوم وقائي على حزب الله مباشرة بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن إسرائيل تهدد باتخاذ إجراء في لبنان إذا فشلت الدبلوماسية في إقناع حزب الله بوقف إطلاق النار والابتعاد عن المنطقة الحدودية.
وترى المجلة البريطانية أن أميركا وإيران تلعبان دورا متوازنا محفوفا بالمخاطر. فقد ساعدت إيران حلفاءها في “محور المقاومة” على شن هجمات تهدف إلى إضعاف إسرائيل وتشتيت أميركا وتشويه سمعة الدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلام أو طبّعت علاقاتها (أو تسعى إلى ذلك) مع إسرائيل. ومن جانبها، انخرطت أميركا في “عمليات انتقامية محدودة”، وقد تجنبت كلتاهما الصدام المباشر، لكن هذا التوازن ربما لا يصمد.
وألمحت إيكونوميست إلى أن إسرائيل تشن حربا غير سرية على إيران وحلفائها، إلى جانب المواجهات العلنية مع حماس وحزب الله.
الصبر الإستراتيجي
ومع ذلك، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي القوات الإيرانية إلى ممارسة “الصبر الإستراتيجي”، في حين أن علي فايز من مجموعة الأزمات الدولية يقول إن النظام الإيراني يشعر الآن أنه بحاجة إلى “استعادة الردع”، وقد أخذ الأمور على عاتقه.
وأفادت المجلة البريطانية بأنه، خلال الأسبوع الماضي، أطلقت إيران صواريخ على أهداف “إرهابية” مزعومة في سوريا وباكستان، وعلى “قاعدة تجسس إسرائيلية مفترضة في كردستان العراق”، وقد أدى الهجوم على باكستان إلى توجيه ضربة صاروخية انتقامية إلى إيران، ويبدو أن كلا البلدين تراجع الآن عن حافة الهاوية.
ويقول فايز إنه “لا يزال الإيرانيون يتجنبون المخاطرة؛ إنهم يريدون تغيير التصور بأنهم في موقف دفاعي. ولكن في الوقت نفسه، هناك تصور بأن إسرائيل قد نصبت لهم فخا؛ إما لتبرير تمديد الحرب أو لجر الولايات المتحدة إليها”.
وحسب المجلة، كان بايدن حذرا، فهو لا يريد الانجرار إلى حرب في الشرق الأوسط في وقت أصبحت فيه أميركا منهكة بالفعل بسبب دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتحاول منع حرب أخرى ضد الصين بسبب تايوان. علاوة على ذلك، يسعى بايدن لإعادة انتخابه هذا العام.
وفي العراق وسوريا، ترد القوات الأميركية بشكل أقل بكثير من الهجمات التي تتعرض لها. وبالمثل في اليمن، اقتصرت واشنطن في ردها في البداية على تدمير الصواريخ والمسيرات التي كانت تهدد إسرائيل أو السفن المارة.
ونقلت المجلة عن آرون ديفيد ميلر، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله إن “الإدارة الأميركية تعلم أن لديها مشكلة ليس لها حل، ولا يمكنها إلا محاولة إدارتها”.
وأشارت إلى أن أفضل أمل لدى بايدن هو أن تنتصر إسرائيل قريبا، أو على الأقل تنهي حربها في غزة، وبالتالي تقليل الغضب في جميع أنحاء المنطقة، “لكن إسرائيل لم تنجح في قمع حماس ولم تسترد رهائنها، ولم تظهر أي علامة تذكر على استعدادها للتوقف، وقد تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 25 ألفا”.
واختتمت المجلة تقريرها بأنه بينما يكافح بايدن للسيطرة على المشهد في الشرق الأوسط، يقول ميلر إنه قد يكون على بعد “حادث مؤسف أو هجوم إرهابي” يشعل حربا إقليمية. وأضاف: “إذا استمر هذا الأمر، وانتهت إحدى هذه الضربات فعليا بمقتل عدد كبير من الأميركيين، فلن يكون أمام الإدارة خيار سوى ضرب الحرس الثوري الإيراني”.