القدس المحتلة- في الوقت الذي يستمر فيه التفاعل في إسرائيل بشأن الفشل العسكري والسياسي والاستخباراتي في التحذير أو منع الهجوم المفاجئ لحركة حماس على مستوطنات “غلاف غزة” يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تتكشف إخفاقات جديدة في مسار توثيق الأدلة وجمع الشهادات من الإسرائيليين حيال معركة “طوفان الأقصى”.
ففي تحقيق لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في عددها الصادر اليوم الاثنين أعده الصحفي الاستقصائي والمختص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية رونين بيرغمان قدّر أن هذا الإخفاق والتأخير سيصعّب تقديم عناصر من كتائب القسام وقيادات من حركة حماس إلى العدالة الدولية.
التحذيرات من الإخفاق الإسرائيلي الجديد كانت صادمة، فوفقا لما ورد في تحقيق الصحيفة فإن “كل يوم يمر وكل ساعة تمر وكل دقيقة تمر على ذلك اليوم (في إشارة إلى 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) الذي غيرنا جميعا يبعدنا عن إكمال صورة ما حدث هناك في غلاف غزة”.
قواعد البيانات
وأظهر التحقيق أنه تم إنشاء 4 قواعد بيانات إسرائيلية ضخمة في كل من وحدة العمليات الخاصة وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) ووحدة سرية لجناح العمليات، وفي أماكن أخرى يتم التكتم عليها.
وتحتوي هذه القواعد على كميات كبيرة من المعلومات ومقاطع الفيديو، من ضمنها ما وثقته كاميرات المسلحين وكاميرات مستوطنات “غلاف غزة”.
ويقول معد التحقيق بيرغمان “لا أحد يعرف بالضبط طبيعة المعلومات ومقاطع الفيديو، لقد تم تصميم وبناء قواعد البيانات لأغراض مختلفة، ولا يُعرف إذا وُثقت أصلا إفادات حية ومباشرة لإسرائيليين في 7 أكتوبر، إذ يتم تعريفها بأنها مواد سرية ولا يمكن للجمهور الاطلاع عليها”.
وبحسب المعلومات التي جمعها بيرغمان، فقد تم دفن المزيد من الجثث بدون توثيق، ولا يتم جمع المزيد من الأدلة الجديدة أو إفادات شهود العيان من الإسرائيليين، وربما تدفن هذه الأدلة والإفادات إلى الأبد تحت وطأة الصدمة وما بعد الصدمة، فالمزيد من مشاهد الأحداث والأدلة في الميدان سُحقت تحت عجلات الجرارات التي جاءت للاحتجاج على “ذكريات الموت والسادية”، على حد تعبيره.
فشل متواصل
ويُستدل من متابعة ورصد الصحيفة أن المزيد من مقاطع الفيديو القصيرة على إحدى قنوات تليغرام التابعة لحركة حماس والبالغ عددها 150 قناة قد حُذفت.
وقدّر بيرغمان أن حماس أيقنت أن نشر الفيديوهات التي وثقت أحداث “طوفان الأقصى” لا يساعد حقا في تعزيز مكانتها الدولية، وعليه حذفت تلك الفيديوهات.
ويقول بيرغمان في معرض تحقيقه إن الأدلة والشهادات بشأن الحدث الأكثر أهمية على الأقل منذ حرب أكتوبر 1973 “لم يتم حفظها، ولم يتم تحصينها، ولم يتم التحقيق فيها بشكل موحد، وبالتالي فهي لا تسفر عن استنتاجات، ولا تثبت لوائح اتهام دولية، ولا تدمج في الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي تهدف إلى إبقاء هذه الفظائع في مقدمة جدول الأعمال العالمي”.
وأضاف الصحفي “كان بإمكان إسرائيل أن تجعل مثل هذه الدراسة المنظمة والغنية بالأدلة ورقتها السياسية والدولية الرابحة، وربما بمساعدتها كانت ستنجح في تغيير جذري في موقف العالم أو على الأقل أجزاء منه تجاه العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في غزة، يمكنها ذلك، لكنها لم تفعل”.
تحويل تراكم الأحداث إلى حدث خاص
ووفقا للصحيفة، تواصل الفشل والإخفاق حتى قيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعيين متحدث لوسائل الإعلام العالمية بعد 16 يوما من اندلاع الحرب، وأصبح هذا الدور المهم في بعض الأحيان مهمة جانبية وهامشية.
كما أن نتنياهو الملقب بـ”المعلق الوطني” -الذي وجد دائما الوقت لإجراء مقابلات مع وسائل الإعلام العالمية- أوقف ظهوره، وتحديدا وقت الحرب.
وتساءلت الصحيفة في التحقيق “كيف يمكن لإسرائيل التي أقيمت عقب المحرقة ألا ترى في توثيق أحداث يوم السبت الأسود أولوية وطنية تبرر تخصيص ميزانية بمئات الملايين وإنشاء غرفة طوارئ خاصة؟ وهو ما يلزمنا كإسرائيليين وكيهود وكبشر”.
وأضافت أن “تحويل أهوال هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول من تراكم للأحداث المسلحة إلى مجرد حدث خاص هو معيار جديد من اللامبالاة بحياة الإنسان، مع اختراع أساليب جديدة للتسبب في معاناة لا توصف”.
وبحسب الصحيفة، فإن الفشل والإخفاق في توثيق الأحداث حال دون معرفة العالم بوجودها وأبعادها وتفاصيلها، حيث كان من المفروض توثيقها ضمن بنك معلومات بمتناول الجميع يمكن الحصول على محتواه وتصفحه.
ليس هذا وحسب، بل أخفقت المؤسسات الإسرائيلية ذات الصلة -وفقا لبيرغمان- في بناء مجموعة من الأدلة، ليس فقط ضد ما يقارب 200 شخص من أعضاء “وحدة النخبة” الحمساوية الذين تم أسرهم ويجري التحقيق معهم من قبل جهاز “الشاباك” والاستخبارات العسكرية “أمان” ولكن أيضا ضد الحركة وأي شخص مرتبط بها.
سرديات جديدة
ولتدارك تداعيات الفشل والإخفاق في توثيق أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وسعيا لاسترجاع الأدلة التي اختفت والفيديوهات التي شطبت بدأت جهات إسرائيلية في جمع دقيق للموارد الهائلة، للحصول على الأدلة وتوثيقها، سواء تلك التي بقيت من “معركة طوفان الأقصى” أو الأدلة والشهادات خلال الحرب.
واستشهدت الصحيفة في تحقيقها بالوسائل والآليات لاسترجاع الأدلة وجمع الإفادات من الإسرائيليين عن “طوفان الأقصى” بما تقوم به منظومة المفقودين في غرفة الطوارئ المدنية التابعة لحركة “إخوة السلاح” برئاسة البروفيسور كارين ناهون.
وتمتلك حركة “إخوة السلاح” أنظمة ذكاء اصطناعي مزودة بأجهزة حواسيب قوية لكتابة سرديات جديدة، وتعمل على إنتاج آلاف ساعات الفيديو معززة بالصوت والنص لأحداث يوم السبت، كما يقوم مئات الأشخاص بتحسين المعلومات وتحديثها، للمساعدة في تحديد مكان المختطفين واستعادتهم من الأسر من قطاع غزة.
وتقول وزارة القضاء الإسرائيلية في ردها على ذلك إن “مزاعم الإهمال من جانب الدولة غير مسؤولة ولا أساس لها من الصحة”.
وتضيف الوزارة أنه “منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تم إجراء نشاط تحقيقي وقانوني مكثف، مع رؤية شاملة للقضية والهجوم المفاجئ برمته من كافة جوانبه وبالتعاون مع جميع الهيئات تحت الإشراف الدقيق لمكتب المدعي العام للدولة والاستشارة القانونية للحكومة”.