القاهرةـ لا يزال التوتر متصاعدا على الحدود المصرية الفلسطينية، وتحديدا في رفح الفلسطينية التي اقتحمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، في انتهاك لاتفاقية السلام أحرج القاهرة، واضطرها للرد ببيانات دبلوماسية غاضبة.
وفيما اعتبر رسالة غضب حاد، أعلنت وزارة الخارجية المصرية قبل يومين عزمها التدخل رسميا لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة، وهو تطور اعتبره مراقبون مؤشرا على دخول العلاقات بين القاهرة وتل أبيب منعطفا جديدا.
وطرح التحرك جملة تساؤلات حول مدى تأثر موقف مصر كوسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهل يؤثر القرار على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؟ وكيف يدعم القرار المصري حراك جنوب أفريقيا القانوني في ملف الإبادة الجماعية في غزة؟
متأخر لكنه دال
ورأى مساعد وزير الخارجية المصري السابق للاتفاقيات والمعاهدات، السفير السابق عبد الله الأشعل، أن الإعلان عن الانضمام للدعوى يمثل رسالة سياسية ودبلوماسية بالدرجة الأولى، ردا على انتهاكات الاحتلال لرفح وممر فيلادلفيا، وخرق إسرائيل لاتفاقيات السلام بوجود 6 كتائب صهيونية في المناطق المجاورة لمصر، بالإضافة إلى حظر وجود أسلحة ثقيلة بها.
وأشار الأشعل، في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن الإعلان يكشف عن أزمة شديدة في العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكدًا أن الآثار السياسية والدبلوماسية لهذا الموقف تتجاوز بكثير التداعيات القانونية أمام محكمة العدل، حيث يمثل دعما معنويا وتأكيدا على عزلة إسرائيل الدولية، خاصة أن القاهرة تعد من أهم الدول المعنية بالقضية الفلسطينية.
ونفى أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية بالقاهرة وجود أي إمكانية لمصر بإقامة دعوى جديدة تتهم إسرائيل بالإبادة، نظرًا لمخالفتها المادة 63 من القانون الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي تحظر وجود دعاوى قضائية متعددة في قضية واحدة.
وأضاف أن “خيار الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا لتعزيز وضعها أمام المحكمة، وتأكيد وجود حالة من الإجماع على ارتكاب الاحتلال جريمة الإبادة الجماعية ومحاصرتها قانونيا”.
ومع ذلك، انتقد الأشعل تأخر مصر في إعلان الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا، معتبرًا ذلك فتحًا لباب اتهامات للقاهرة بدوافع انتقامية من تل أبيب، ومحاولة لتحقيق مكاسب أخلاقية وقانونية وإرضاء الرأي العام المصري الغاضب من استمرار الصمت الرسمي، بدلًا من موقف مبدئي مصري تجاه رفض الإجرام الإسرائيلي في قطاع غزة، وفق رأيه.
بدوره، أبدى الحقوقي والمحامي المصري البارز جمال عيد تشككا في دوافع التحرك المصري، حيث يرى أن هذا الموقف يبدو رمزيا في المقام الأول، ولو كانت القاهرة جادة في هذا السياق لقامت بخطوات أكثر ردعا لإسرائيل منذ وقت مبكر، وليس بعد مرور 225 يوما على العدوان، وفي مقدمتها طرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير المصري من تل أبيب، ولكانت مصر قد قامت بفتح المعابر بجدية.
وتابع في حديثه للجزيرة نت: “لكن أن تنضم مصر متأخرا لدعوى جنوب أفريقيا فهذا أمر وإن كان جيدا في ظاهره، لكنه كاشف عن تخاذل، فكيف تدعم مصر فلسطين وهي تقوم بحبس مئات المواطنين لمجرد تضامنهم مع القضية، بحسب مصادر حقوقية، وكان آخرهم طلاب جامعيون مصريون”.
موقف قوي
في المقابل، أكد أستاذ الدراسات العبرية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، أن الموقف المصري يعكس رسالة غضب مصرية شديدة تجاه اجتياح رفح، وسياسات إسرائيل المعادية منذ بدء عدوانها على غزة، والتي أدت إلى أزمات إنسانية وتعريض حياة ملايين الفلسطينيين للخطر.
ويتابع بأن الموقف يعكس بالإضافة إلى ذلك غضبا من تعريض الجنود المصريين للخطر نتيجة وجود أسلحة ثقيلة بالقرب من الحدود، وهو ما يتعارض مع اتفاقية السلام، وقد يكون له تأثير في قرارات مثل إلغاء الاجتماع العسكري بين القاهرة وتل أبيب خلال الأسبوع الماضي.
وأوضح أنور في حديثه للجزيرة نت أن انضمام مصر يشكل إضافة قانونية نوعية ودعما لموقف جنوب أفريقيا أمام المحكمة الدولية، وتصاعد الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، ومحاصرتها قانونيا في ظل ما تمتلكه مصر من تجارب وخبرات قانونية، وحضورها كشاهد في هذه الدعوى.
ونفى أن يكون هناك أي تداعيات سلبية لهذه الخطوة على دور مصر كوسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، نظرا لأهمية دور القاهرة وحرص تل أبيب مع واشنطن على استمرار هذا الدور.
وقلل أنور من أهمية وجود تداعيات لهذا الانضمام على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مشيرا إلى الحرص الإسرائيلي على استمرار هذه المعاهدة وثبات العلاقات مع مصر، حيث تعتبر هذه العلاقات نموذجا ترغب إسرائيل في تعميمه مع دول المنطقة.
ولفت إلى أن هذا يتضح في الاعتذارات المتكررة التي تقدمها تل أبيب للقاهرة عن أي مخالفة قد تقوم بها، وجهودها لاسترضاء مصر بكل السبل، وذلك بالإضافة إلى أن السلام يشكل خيارا إستراتيجيا للقاهرة، وهو ما أكدته مصر مرارا.
ومع ذلك، لم يستبعد أستاذ الدراسات العبرية بجامعة الإسكندرية، أن تقدم مصر على خطوات أكثر تشددا حال استمرار تل أبيب في اجتياح رفح وإلحاق الضرر بالمدنيين الفلسطينيين، واستمرار إغلاق معبر رفح من قبل الجانب الفلسطيني، وعدم التعاطي بإيجابية مع جهود تحقيق التهدئة أو إبرام صفقة تبادل الأسرى.
رسالة دعم رمزية
أما السياسي المصري ونائب رئيس حزب المحافظين، مجدي حمدان، فاعتبر أن الخطوة تتماشى مع موقف مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، الذي لم يتغير، وتُظهر رسالة رفض مصرية قوية للمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة وخصوصًا في رفح، كما تأتي هذه الخطوة كجزء من جهود مصرية للضغط على نتنياهو للانسحاب من معبر رفح والمشاركة بإيجابية في جهود تحقيق التهدئة.
ورغم اعتراف حمدان بتأخر انضمام مصر للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا، فإن هذه الخطوة تُعتبر رسالة دعم قوية لموقف جنوب أفريقيا وتعزيزًا له أمام المحكمة الدولية، وتؤكد وجود تأييد إقليمي ودولي من دول ترفض الإبادة الجماعية في غزة، مما قد يدفع المحكمة الدولية لاتخاذ مواقف قوية ضد الإجرام الإسرائيلي.
ويشير حمدان، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذا الإعلان يؤكد على حالة الخصومة بين العلاقات المصرية الإسرائيلية، خاصة بعد تجاوز إسرائيل لكل الخطوط الحمراء، ويتوقع أن مصر لن تكتفي بهذه الخطوة، بل قد تتبنى مواقف أكثر تشددًا تجاه ما يحدث في غزة، لكنه يستبعد تأثر دور مصر كوسيط في المفاوضات الحالية بين حماس والاحتلال.
ويؤكد أن الدور المصري لا يمكن تجاهله، خاصة مع الإدراك الدولي لقيمة الموقف المصري والتصميم المصري على مواصلة الوساطة لوقف العدوان.
كما يتوقع ألا يؤثر موقف مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل، لأن ذلك يخدم مصالح الاحتلال وحلفائه، الذين لن يسمحوا بأي تأثير على هذه الاتفاقية.
ويقدر رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، جمال سلامة، الموقف المصري، إلا أنه اعتبر أن هذا الإجراء لا يتعدى كونه خطوة رمزية معنوية، خاصةً أن قرارات المحكمة الدولية غير ملزمة ما لم يصدر قرار من مجلس الأمن يدعمها.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن الخطوة المصرية تعتبر رسالة قوية وغاضبة تجاه الإجرام الإسرائيلي، مؤكدا أن مصر لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث على حدودها.
وأوضح أن القاهرة ترغب في تنبيه نتنياهو بأن استمراره في الحرب وفشله في مفاوضات التهدئة وعدم توصله إلى صفقة تبادل واستمراره في التصعيد العسكري لن يمر دون عقاب.