في صبيحة الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2014 خرج ماركوس بيل، مساعد رئيس شرطة إنجلترا وويلز، من مقر المحكمة الجنائية المركزية في شارع أولد بيلي بوسط لندن ليواجه الصحفيين في إحباط ظاهر قائلا: “لقد قبلت الشرطة حقيقة أن السيد معظم بيغ بريء من التهم التي وجهناها إليه”.
كان إحباط بيل نتيجة فشل جهود الشرطة والادعاء وأجهزة الأمن البريطانية المختلفة على مدار أشهر طويلة من عامي 2013 و2014 لإثبات التهم ضد الحقوقي معظم بيغ، الذي يرأس مؤسسة كيج “Cage” الحقوقية في بريطانيا.
كانت الشرطة البريطانية تتهم بيغ بحضور معسكر تدريبي مع جماعات جهادية في سوريا، وحيازة وثائق ترتبط بأنشطة إرهابية وبتمويل الإرهاب، لم تستغرق جلسة التحضير للمحاكمة سوى 5 دقائق قبل أن يؤكد الادعاء عدم كفاية الأدلة لإدانة بيغ، والذي كان قيد الاعتقال 8 أشهر حينها.
كان اسم بيغ قد بدأ في الانتشار قبل 12 سنة من ذلك التاريخ، بعد أن قُبض عليه في العاصمة الباكستانية إسلام آباد في فبراير/شباط عام 2002، وسُجن في غوانتانامو 3 سنوات، قبل الإفراج عنه من دون توجيه أي تهم إليه.
لاحق قاضى بيغ الحكومة البريطانية للتواطؤ في سجنه وتعذيبه، وتوصلت معه الحكومة لتسوية مالية لإغلاق القضية عام 2010. لكن منذ خروجه من غوانتانامو، ارتبط اسم بيغ بمنظمة كيج الحقوقية، المعروفة بتوليها لقضايا المسلمين في بريطانيا، وحول العالم، وخاصة الحساسة منها التي تتجنب منظمات حقوقية أخرى الاشتباك معها.
لذلك، عندما بدأ التحقيق في أنشطة بيغ، رأى المحققون البريطانيون منطقًا في فتح تحقيق بشأن منظمة كيج كذلك، وكان من ضمن النتائج السلبية للتحقيق الذي حصل على تغطية إعلامية واسعة، إغلاق حساب كيج البنكي.
لكن على الرغم من تبرئة معظم بيغ وإسقاط كل التهم عنه، وتأكيد وزارة المالية عدم إدراج منظمة كيج في أي قضايا تتعلق بالإرهاب، لا تزال كيج، بعد 10 سنوات من بدء التحقيق في نشاطها، بلا حسابات بنكية، وهو ما أثر بشكل جذري على نشاطها الإغاثي والحقوقي في بريطانيا وحول العالم.
أوقفوا الأموال
ما حدث مع منظمة كيج بعيد كل البعد من أن يكون حدثًا فريدا، إذ يواجه العديد من المؤسسات المسلمة والنشطاء المسلمين المشكلة ذاتها، حيث تستمر السلطات في إغلاق حساباتهم دون تبرير.
ففي الوقت الذي بدأت فيه المضايقات ضد كيج، تلقى العديد من النشطاء والمنظمات الإسلامية رسائل من بنوك تعلمهم بإغلاق حساباتهم، وعللوا ذلك بأن هذه الحسابات تشكل مصدر خطر على البنوك، من دون تقديم أي تفسير لما يعنيه ذلك.
فمثلًا أُغلقت حسابات مسجد فينسبري بارك في لندن، ومؤسسة قرطبة ومديرها الناشط البريطاني من أصل عراقي، أنس التكريتي، وجمعية رعاية الأمة وهي منظمة إغاثية تعمل في أكثر من 10 دول، منها أفغانستان وفلسطين.
وواجه المتضررون عواقب منها ما واجهته مؤسسة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا من تأخير في إيصال المساعدات لضحايا الزلازل في نيبال عام 2015.
في الآن ذاته، بدأت السلطات البريطانية في التحقيق حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي من الحكم في صيف عام 2013.
كان رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، قد أعلن عن إجراء التحقيق في أبريل/نيسان 2014، وخلال 3 أشهر، وصلت رسائل إغلاق الحسابات إلى النشطاء والمنظمات الإسلامية.
ونقلت “شبكة بي بي سي” وقتها عن مسؤول حكومي كبير قوله إن “هناك صلة واضحة بين إغلاق حسابات البنوك والتحقيق حول الإخوان المسلمين”.
استهداف المنظمات الإسلامية
ويقول المتحدث الإعلامي في منظمة كيج أنس مصطفى للجزيرة نت، إنه على الرغم من غياب أي تهم لأي من المؤسسات الإسلامية، فإن هناك استهدافًا متعمدًا، ومجحفًا، للمنظمات الإسلامية البريطانية، والتي تُشكل نسبة ضئيلة من منظمات المجتمع المدني في بريطانيا.
وتؤكد تقارير صحفية ودراسات أكاديمية حديث مصطفى، فقد وجدت دراسة منشورة في خريف عام 2017 للباحث إسماعيل باتل أن بيانات عامي 2013-2014 تظهر أن تحقيقات لجنة الأعمال الخيرية البريطانية، وهي اللجنة الرسمية المسؤولة عن إدارة شؤون منظمات المجتمع المدني، كانت تستهدف الجمعيات الإسلامية بنسبة 44% من تحقيقاتها التي تناولت منظمات ذات خلفية دينية.
ويشير باتل إلى أن الجمعيات الإسلامية أكثر عرضة للتحقيق مقارنة بالجمعيات الهندوسية واليهودية، على الرغم من توجيه اتهامات مجتمعية بالتطرف لبعض هذه المنظمات غير الإسلامية.
كما أشارت دراسة باتل إلى أن 38% من جميع التحقيقات الرسمية المفصح عنها والتي بدأت بين يناير 2013 وأبريل 2014 كانت عن جمعيات إسلامية، على الرغم من أن الجمعيات الإسلامية تمثل فقط 1.21% من القطاع.
تصل الدراسة إلى نتيجة مفادها أن المجتمع المسلم في بريطانيا يواجه ضغوطًا كبيرة بدأت بعد هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول، وتصاعدت بشدة عقب وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، مما دفع المؤسسات البريطانية، سواء لجنة الأعمال الخيرية، أو البنوك، أو حتى الحكومة البريطانية إلى التعامل مع المنظمات الإسلامية باعتبارها متهمة إلى أن تثبت براءتها!.
كما دفعت ضغوطات سياسية أميركية البنوك لإغلاق بعض الحسابات، ولم يتم توفير أي تفسير مفصل أو أدلة مباشرة تعلل القرارات.
تحديات صعبة
يقول مصطفى إن المنظمات الإسلامية تعاني من صعوبات جمة للقيام بأبسط أدوارها، فمثلًا، لا تستطيع منظمة كيج أن تؤجر قاعة لحدث أو إفطار رمضاني، حيث تلاحق لجنة الأعمال الخيرية مالكي المكان، ويكاد يكون من المستحيل الحصول على تصاريح لإقامة فعاليات في المنشآت التابعة للبلديات في المدن البريطانية المختلفة.
تحاول المنظمات الإسلامية الفكاك من قبضة التحيز هذه بالتواصل مع بنوك أخرى، ومحاولة فتح حسابات مختلفة. فمثلًا حاولت منظمة كيج فتح حسابات في كل البنوك البريطانية الكبرى، مثل لويدز، وباركليز، وبنك أسكتلندا، وحتى البنوك الافتراضية مثل مونزو، ولكن جهودها باءت بالفشل.
أحد أهم المفسرات وراء تجربة المنظمات الإسلامية هي ممارسة تتبعها البنوك للتحقق من خلفية الأشخاص والمنظمات قبل السماح لهم بفتح حساب بنكي معها، حيث تلجأ إلى قوائم أمنية عالمية لتفند طلبات فتح الحسابات. بالفعل، في أغلب الحالات المذكورة سلفا، نجد أن أصابع الاتهام تشير إلى قائمة وورلد تشيك “World Check”.
العيب في النظام
تعتمد المؤسسات المالية حول العالم على قاعدة بيانات بريطانية تمتلكها شركة رفيني-تيف، وتُدعى وورلد تشيك، ويمكن وصفها بأنها قائمة دولية لتقييم مخاطر التعامل مع الأفراد والمؤسسات، وأحد أهم وأكثر تصنيفاتها تأثيرا هو تصنيف “الإرهاب”.
وتعتمد الهيئات الحكومية وأشهر وأهم المصارف في العالم على قاعدة بيانات وورلد تشيك في تحديد تصرفاتها مع الأفراد والمؤسسات، وتقييم نسبة خطر التعامل معهم، وهو ما يعني أن لوورلد تشيك يدا في جميع قرارات المؤسسات المالية، ابتداء من تحديد سعر الفائدة لبطاقات الائتمان، ومرورًا بالموافقة على القروض أو تمويل المشاريع الكبرى، وليس انتهاء التأثير بقرار فتح الحساب أو إغلاقه بالأساس.
إذا يمكن القول إن تصنيفات وورلد تشيك لها قيمة مركزية في النظام البنكي العالمي، وإن بإمكانها تحديد مسيرة الشخص المهنية أو ربما حياته بأكملها.
تكمن الطامة الكبرى في أن مصادر البيانات التي تعتمد عليها وورلد تشيك يمكن وصفها بأنها غير موثوقة في أفضل الأحوال، وبأنها مغرضة أو كاذبة في أسوئها.
في تقرير له، وجد الصحفي بيتر أوبورن أن وورلد تشيك اعتمدت في مصادرها على ويكيبيديا ومدونات شخصية على الإنترنت، ووكالات أنباء لدول ذات مصالح معادية لمصالح المسلمين في بريطانيا، مثل الإمارات العربية المتحدة، التي صنفت عددا من المؤسسات البريطانية باعتبارها مؤسسات إرهابية، رغم عدم اعتماد هذا التصنيف من قبل بريطانيا ودول العالم بأكمله تقريبًا.
فمثلًا، أشار تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن بنك “HSBC” واجه ضغوطًا من الحكومة الإماراتية لإغلاق حسابات مؤسسات إسلامية مثل مؤسسة قرطبة.
وتلقى مؤسسها ورئيسها أنس التكريتي، الذي كان والده أحد قادة الإخوان المسلمين في العراق، رسالة من البنك بإغلاق حساب قرطبة، وقال إن البنك راسل أيضًا أفراد عائلته، بمن في ذلك أطفاله بعمر 14 و12 عامًا، وتبين أن وورلد تشيك استندت إلى ادعاء الإمارات العربية المتحدة بأن مؤسسة قرطبة مؤسسة إرهابية.
كما كان أحد ضحايا هذه القوائم مسجد فينسبري بارك في شمال لندن، وقد شكك أمناء المسجد، خالد عمر ومحمد كوزبار، في دوافع إغلاق حسابات مؤسستهم، مدعين أن الإغلاق جاء نتيجة حملة تشهير وخوف من الإسلام تستهدف جمعيات المسلمين في المملكة المتحدة.
وقال محمد كوزبار إن البنك لم يتواصل معهم قبل إرسال رسالة إغلاق الحساب، وإن الرسالة أضرت بسمعة المسجد، وتبين لاحقا أن السبب المبهم وراء القرار كان تصنيف المسجد ضمن قائمة الإرهاب على وورلد تشيك، ورفع مسؤولو المسجد القضية للمحكمة ونجحوا في الفوز بها، لكن هذا لم يوقف التعنت البنكي مع المؤسسات.
دول خرقت القانون
كذلك كشف تحقيق للجزيرة ضمن برنامج “ما خفي أعظم” أن المصادر التي استخدمتها قاعدة البيانات لإدراج آلاف الأشخاص تحت تصنيف الإرهاب تعتمد على قوائم إرهاب من دول خرقت القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان، ومن ضمنها إسرائيل، وعلى قوائم أصدرتها جهات يمينية غربية معادية للمسلمين.
فمثلًا، تم إغلاق حساب مركز العودة الفلسطيني عدة مرات بين 2009-2014 دون أسباب واضحة وتبين أن المركز صنف أيضا في قائمة وورلد تشيك للإرهاب، وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد صنفته قبل ذلك في 2010 مؤسسة إرهابية وغير قانونية ذات ارتباطات بحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
كما صنف الناشط السياسي في القضية الفلسطينية ورئيس المركز ماجد الزير في القائمة، وهو حامل للجواز البريطاني، والذي رفع دعوى قضائية في لندن ضد التصنيف وفاز فيها، وتبين القضيتان كيف تتيح وورلد تشيك للحكومات الانتقام من معارضيها.
وعقب بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أعلنت لجنة الأعمال الخيرية أنها تحقق في أنشطة 70 جمعية إسلامية بتهم كراهية اليهود ومعاداة السامية.
الحكومة متورطة
يقول أنس مصطفى إن منظمته والعديد من المنظمات الإسلامية في بريطانيا تعيش مثل “الواقف على قارعة الطريق ينتظر أحدًا ليوصله”. وأردف باستياء أن المنظمات تنتقل من بنك إلى بنك، وقد قدمت على كل البنوك في بريطانيا، وكل محاولات التواصل مع الحكومة بلا جدوى.
ويضيف أن الحكومات البريطانية، الواحدة تلو الأخرى، تنكر السياق الأكبر المعادي للإسلام الذي تتم فيه هذه الممارسات، رغم هذا العداء أساس هذه الممارسات كلها.
ويتابع أنه من حق صاحب أي متجر أن يرفض بيع موزة أو تفاحة لزبون ما، وتتعامل الحكومة البريطانية مع البنوك على هذا الأساس.
البنوك ليست سوق الفواكه
توصف المجتمعات في معظم الدول الغربية، ومنها بريطانيا، بأنها مجتمع غير نقدي “Cashless society”، وهو ما يعني أن الفرد يحتاج إلى حساب بنكي وبطاقة لإجراء أبسط تعاملاته اليومية، من شراء المستلزمات، إلى دفع الفواتير، والإيجار، والكهرباء والإنترنت والهواتف، وحتى شراء المنازل وتأسيس المشاريع.
أما المنظمات الخيرية، فتعتمد على البنوك اعتمادًا جوهريًا، إذ إنها عادة ما تستند إلى تبرعات الجهات الداعمة في تمويلها السنوي أو حتى في تمويل أنشطتها الاعتيادية، وهو الأمر الذي حاربته الدولة بأشكال مختلفة.
كانت لجنة الأعمال الخيرية قد فتحت تحقيقات في بعض ممولي المؤسسات الإسلامية، من المانحين الكبار، مثل مؤسسة جوزيف راونتري فاونديشن “Joseph Rowntree Foundation” ، والتي كانت تمول قرابة ربع الميزانية السنوية لكيج.
وبسبب التحقيقات والمضايقات، أوقفت المؤسسة دعمها لكيج، وهو الأمر الذي أدى بمنظمة كيج إلى مقاضاة لجنة الأعمال الخيرية، وربح القضية، والوصول لقرار قضائي يرفض إعطاء الحق للجنة الأعمال الخيرية البريطانية في منع دعم أي جمعية أخرى.
ورغم ذلك الفوز، لم يسمح صعود اليمين، والتوتر السياسي والحملة الإعلامية المؤججة ضد المسلمين باستغلاله لتحقيق استقرار طويل الأمد للمؤسسات الإسلامية.
الأمر أعقد أيضًا بالنسبة لهذه المؤسسات، وهي ترى أن ما يجري هو محاولة رسمية أو شبه رسمية لتجفيف المنابع ووقف تمويلها تمامًا.
يقول أنس مصطفى إن منظمة كيج، على سبيل المثال، تعتمد في تمويلها على آلاف المواطنين البريطانيين من المسلمين، “الذين يتبرعون بـ10 جنيهات، أو 20 جنيهًا في الشهر، أو 100 جنيه كل رمضان، وهو ما يكاد يكون مستحيلًا في غياب حساب بنكي للمؤسسة”.
الحل الفرنسي
حاولت المنظمات الإسلامية البريطانية إيجاد طرق مختلفة للتعامل مع المشكلات التي تنتج عن إغلاق حساباتها، لكن الحكومة البريطانية لم تكن لتقبل بذلك!
فمثلًا، يمكن أن ترى ممثلًا لمنظمة إسلامية في بريطانيا يحمل حقيبة من النقود ليذهب بها إلى بنك ما ليودع أموال فاتورة الكهرباء في حساب شركة الكهرباء، ثم ينتقل إلى بنك آخر ليودع إيجار مقر المؤسسة في حساب مالك المقر، ومنه إلى بنك ثالث لحجز مكان لإقامة إفطار أو حفل عشاء! وفي كل هذه المرات، لن يتعامل موظفو البنك ولا حتى الشركات المستفيدة مع هذه الطريقة في تحويل الأموال بالمرونة الكافية.
لكن عبر القناة الإنجليزية استطاعت فرنسا إيجاد حل، مجحف بالنسبة للبعض، لكنه يظل حلًّا!
ففي عام 2020، أغلقت السلطات الفرنسية حسابات مؤسسة “بركة سيتي” الخيرية الإسلامية، في أعقاب هجمات باريس، لكن مع ذلك، وفرت السلطات للمؤسسة إمكانية فتح حساب في البنك المركزي الفرنسي، بقيود شديدة، وبإشراف مباشر من وزارة المالية والخزانة، للتحقق من كل معاملة مالية، سواء كانت دفع فاتورة الإنترنت، أو بناء مدرسة في أفريقيا!.
يقول بعض ممثلي المنظمات الإسلامية في بريطانيا إن الحل الفرنسي قد يساعد على تسهيل بعض معاملات منظماتهم لكن الحكومة البريطانية تصر على عدم وجود أي حلول بين يديها!.
طالبت المنظمات الإسلامية، ومنها منظمة كيج، الحكومة بإعطائها حسابات في البنك المركزي، بنك إنجلترا Bank of” “England، لكنها قالت إن البنك المركزي لا يمتلك سياسة لإعطاء حسابات للأفراد والمؤسسات، وتقول الدولة إنه ليس بإمكانها أن تفرض على البنوك فتح حساب لمؤسسات أو أفراد بعينهم. وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته على الإطلاق!.
اليمين منا ونحن منه
في يوليو/تموز من العام الجاري، أعلن السياسي البريطاني المثير للجدل، نايجل فاراج، والذي كان قد قاد حملة ناجحة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عن أن المصرف الذي تعامل معه 43 سنة أبلغه بنية إغلاق حسابه “لأسباب سياسية”.
وزعم فاراج أن هذا الإغلاق يرقى إلى مستوى “اضطهاد سياسي خطر”، مدعيا أن المصارف البريطانية تشكل “جزءا من “تكتلات مؤسسية كبيرة لم تكن تريد للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أن يتحقق”.
لكن الحكومة البريطانية التي تنتمي لحزب المحافظين، والتي تسعى لاستقطاب مؤيدي الأفكار اليمينية والقومية العنصرية، أعلنت عن دعمها لفاراج.
وصدرت تصريحات مؤيدة لفاراج من عدة وزراء حكوميين، بينهم وزير المالية ووزيرة الثقافة وغيرهم، رغم التأكيدات السابقة التي حصلت عليها المنظمات الإسلامية بأن وزارة المالية لا تتدخل في قضايا البنك الخاصة.
ورغم أن حقيقة الأمر التي كشفتها هيئة الإذاعة البريطانية لاحقًا تتمثل في أن فاراج كان يستخدم بنكًا للأثرياء، يضع حدًا يبلغ مليون جنيه إسترليني، يجب ألا يقل المبلغ في حساب المودع عنه، وهو الشرط الذي لم يتحقق في حسابات فاراج، إلا أن قضيته سرعان ما تم حلها، وقال المسؤولون إنهم استخرجوا تأكيدات من البنوك لعدم استهداف فاراج والسماح له بفتح حساباته.
يعتقد أنس مصطفى أن المنظمات الإسلامية البريطانية قد تستفيد من سير الأمر مع فاراج، وقال بأنهم ينوون إعادة فتح الملف مع البنوك مرة أخرى في ضوء التطورات الأخيرة وتدخل الحكومة البريطانية، لكنه لم يبد متفائلًا بما يمكن أن ينتج عنه ذلك.
الآن، يستمر المجتمع المسلم في مواجهة الإجراءات المجحفة عن طريق مقاضاة وورلد تشيك، لإزالة أسماء المتهمين بالإرهاب اعتمادًا على تقارير “وكالة وام” ومدوني الإنترنت، والالتفاف حول المؤسسات الإسلامية المتضررة، ودفع فواتيرهم بالذهاب إلى البنوك.