وسط حضور عدد من الزعماء الأفارقة وأصحاب النياشين والبزات العسكرية، تسلّم الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي السلطة سلميا من سلفه ماكي سال، في الثاني من أبريل/نيسان 2024.
وفور الانتهاء من مراسيم التنصيب وفي خطوة كان يتوقعها المتابعون للشأن السياسي، أصدر الرئيس الجديد مرسومه الأول بتعيين زعيم المعارضة ورئيس حزب باستيف، عثمان سونكو، وزيرا أول (رئيسا للوزراء)، مكلفا بقيادة وتشكيل حكومته الأولى.
ومثلما ينظر الشركاء في الخارج للحكومة الجديدة بكثير من الترقب والحذر، يعلق الشارع السنغالي العديد من الآمال على الوزير الأول الجديد الذي طالما رفع شعارات الرفاه والعيش الكريم ومحاربة الفساد.
لمحات عن رئيس الوزراء الجديد
يعد سونكو من أكثر السياسيين في تاريخ السنغال قربا من الشعب، ولم يصل للمنصب عن طريق التحالفات والتوازنات السياسية والاجتماعية، وإنما تم اختياره بناء على ثقة الناخبين الذين اقتنعوا بخطاباته وبرامجه، وصوتوا للرئيس الذي يشاركه في قيادة الحزب ويتبنى معه نفس الأفكار.
ولأنه تلقى بداية تعليمه في إقليم كازاماس ذي النزعة الانفصالية، نشأ سونكو على وقع التمرد والخلافات ومعارضة الأنظمة، واعتنق الأفكار الثورية والتحررية طيلة مسيرته المهنية والسياسية.
ويصنف بأنه من رجال القانون والاقتصاد، إذ يتمتع بتعليم جيد من أعرق الجامعات السنغالية، فهو حاصل على الإجازة في القانون العام عام 1999، وشهادة الماجستير في المالية العامة عام 2003، كما أكمل متطلبات شهادة الدكتوراه في القانون الاقتصادي من جامعة ليون 3 في فرنسا، وأنجز الكثير من البحوث المتعلقة بالاقتصاد والسياسة المالية.
وفي بداية مشواره المهني دخل معترك السياسة متسلحا بدعم الكثير من الشباب الذين عمل معهم في قطاعات الضرائب والمالية والقضاء، وأسس حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” (باستيف)، ومن خلاله انتخب نائبا برلمانيا عام 2017، ثم ترشح للانتخابات الرئاسية 2019 وحل في المركز الثالث بنسبة 15.67% من مجموع أصوات الناخبين.
ملامح حكومة سونكو
بعد 48 ساعة من توليه منصب الوزير الأول، أعلن سونكو مساء الجمعة الخامس من أبريل/نيسان، عن قائمة حكومته التي ضمت 25 وزيرا و5 كتاب للدولة، غالبيتهم تعد وجوها جديدة لعامة الناس. ووصفها في خطابه بأنها “حكومة تجسد المشروع الذي يعد تحولا منهجيا حاز على رضا الشعب السنغالي بفوز من الجولة الأولى في الانتخابات”.
تعبر التشكيلة الحكومية عن توجهات الوزير الأول في الاعتماد على الكفاءات والشخصيات ذات البعد التكنوقراطي، مثل وزيرة الخارجية ياسين فال، القادمة من الأمم المتحدة، وكذلك وزير الاتصال الدكتور عليون سال الذي كان يشغل منصب مدير الاتصال ورئيس مكتب أفريقيا في الأمم المتحدة.
وضم الطاقم الوزاري أيضا العالم الزراعي المختص في الكيمياء الحيوية وتكنولوجيا الأغذية الدكتور سيرين جاي.
بالإضافة إلى شخصيات مناضلة من داخل حزب باستيف معروفة بنضالها ضد نظام الرئيس السابق ماكي سال، من ضمنهم وزير الوظيفة العمومية أوليفييه بوكال، الذي كان مسجونا بسبب مواقفه السياسية، ولم يخرج من السجن إلا في مارس/آذار الماضي مع معتقلي حزب باستيف.
ويشكل اختيار المدعي لدى المحكمة العليا عثمان ديان لمنصب وزير العدل خطوة في اتجاه إصلاح العدالة، لأنه من الشخصيات القضائية المعروفة باحترام القضاء والمحافظة على استقلاله، وفق ما تتناوله التقارير السنغالية
وتتميز التشكيلة الوزارية الجديدة بوجود جنرالين عسكريين فيها هما وزيرا الداخلية والدفاع الذين تم إبعادهما سابقا من قبل الرئيس السابق ماكي سال على خلفية امتناعهما عن استخدام القوة ضد المتظاهرين عام 2021. في رسالة توحي بتوجه الرئيس باسيرو إلى ضرورة التكامل السياسي والعسكري.
الفقر والهجرة تتصدران قائمة الحكومة
من أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة، ارتفاع معدلات الفقر بنسبة تقارب 60% بين سكان الريف الذين يمثلون 40% من مجموع المواطنين في السنغال وانتشار البطالة التي وصلت 19.5%.
وقد تسببت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية في زيادة المتاعب الاقتصادية للبلاد، حيث تستورد السنغال 70% من حاجياتها الغذائية من الخارج. وتشير إحصائيات البنك الدولي إلى ارتفاع كبير في معدل الاقتراض والديون الدولية إذ وصل مجموع الدين الخارجي المستحق إلى 32.13 مليار دولار أميركي.
وتشكل أزمة الهجرة الجماعية -وخاصة في صفوف الشباب بسبب انعدام فرص العيش الكريم- تحديا صعبا، فخلال عام 2023 استقبلت جزر الكناري وحدها نحو 30 ألف مهاجر غير نظامي أغلبهم من دولة السنغال، وتسببت الهجرة غير النظامية عن طريق ركوب البحر نحو السواحل الأوروبية في وفاة المئات من الشباب السنغالي.
وكان باسيرو تعهد في حملته الانتخابية بالعمل على خلق فرص عمل للشباب تغنيهم عن الهجرة والمخاطرة بحياتهم عبر ركوب البحر والتسلل إلى أوروبا. كما كان ملف محاربة الهجرة وخلق فرص العمل من أهم أجندات حزب سونكو الذي ساهم في استقطاب الشباب السنغالي والفئات المهمشة.
محاربة الفساد وتجاوز الماضي
ووفقا لمؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2023، فقد حصلت السنغال على 43 نقطة من أصل 100. ورغم الجهود المبذولة من أجل الشفافية في التسيير فإن السنوات الأخيرة عرفت تجاوزات كبيرة في الإنفاق العام.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2022، أقر مجلس المحاسبة في السنغال تجاوزات كبيرة في المبالغ المخصصة لمحاربة كوفيد 19 أدت لاختفاء 7 مليارات فرنك أفريقي أي 10.6 ملايين يورو.
ومنذ عام 2014، رفع سونكو شعار محاربة الفساد. ومن خلال عمله في المالية والضرائب استطاع كشف الكثير من الاختلالات والرشاوى في الجهاز الإداري، وهو ما تسبب في طرده من الوظيفة العمومية حيث اتُّهم بانتهاك حق التحفظ ونشر أسرار المهنة.
ووفقا لصحيفة لوموند الفرنسية، فإن سونكو كان خصما لماكي سال بسبب رؤيته المتعلقة بالفساد وسوء التسيير.
ورغم ما يمتلكه الوزير الأول الجديد من معلومات عن حجم التجاوزات والخروق، فإنه يستبعد أن يفتح ملفات قديمة سبقت توليه منصب قيادة الحكومة قد تتسبب في إدانة شخصيات سياسية، لأن الرئيس باسيرو أعلن عن تجاوز الماضي وتأسيس سنغال جديد.
مراجعة عقود الغاز والنفط
يتوقع أن تراجع الحكومة الجديدة عقود الغاز والنفط التي أبرمت في الأعوام الأخيرة. وقد تعهد الرئيس باسيرو فاي في حملته الانتخابية بمراجعة شروط العمل مع الشركات العاملة في مجال استخراج ثروات البلاد. وقال في خطابه الأول، بعد التنصيب إنه سينشر جميع العقود مع الشركات حتى يكون المواطن على علم بثروته.
ووفقا لأرقام البنك الدولي، فإن السنغال تتوقع نموا في الناتج المحلي خلال العام الجاري بنسبة تصل إلى نحو 10.6% وكذلك 7.4% في سنة 2025.
ورغم تحذيرات الرئيس السابق من خطورة المساس بالعقود المبرمة مع بعض الشركات الأجنبية التي تعمل في البلاد، مثل شركة “بي بي البريطانية” (BP)، وودسايد إنرجي غروب الاسترالية (Woodside Energy)، وكوزموس إنرجي الأميركية (Kosmos Energy)، فإن الرئيس الجديد مصر على “ضرورة استحضار المصالح الوطنية في كل الاتفاقيات”.
وحسب الاتفاق المبرم مع شركة “وودسايد”، ستبدأ السنغال في إنتاج الغاز من حقل “سنغومار” في النصف الأول من العام الجاري بنسبة تقدر ب 100 ألف برميل يوميا. أما حقل آحميم المشترك مع موريتانيا والذي تديره شركة “بي بي البريطانية” فإن حجم إنتاجه السنوي يصل إلى 2.5 مليون طن من الغاز المسال، وسيبدأ تصديره منتصف العام الجاري بعد أن تأخر عن موعده عدة مرات.
ولرئيس الوزراء الجديد رؤية تتعلق بالإصلاح الاقتصادي من خلال مراجعة عقود الغاز والنفط، وقد أصدرها في كتابه الصادر عام 2018 بعنوان “النفط والغاز في السنغال.. النهب المزمن”. ويعد كتابه “الحلول”، الذي قدّم فيه رؤيته لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مرجعا مهما استمد منه الرئيس باسيرو فاي برنامجه الانتخابي.
نحو التغيير المنهجي والتزامات باسيرو
بالإضافة للمشاكل الكبرى التي تواجه الحكومة الجديدة، مثل استعادة السيادة الاقتصادية عن طريق مراجعة العقود وزيادة الموارد المالية والتوجه نحو الخروج من العملة الأفريقية الفرنسية، فإن عثمان سونكو أمامه جدول مشحون بالتزامات الرئيس.
على رأس هذه الالتزامات، التغيير المنهجي الذي وعد به باسيرو عن طريق إصلاح المؤسسات والحوار والمصالحة الوطنية، لأن السنغال عاشت في الأعوام الأخيرة على وقع أزمات سياسية كبيرة ساهمت في توسيع الهوة بين مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد.
وقد بدأ سونكو خطواته نحو تلطيف المشهد السياسي على خطى الرئيس الذي وعد بالاستقرار والهدوء وإصلاح القلوب، على حد تعبيره.
وفي خطاب إعلان الحكومة، قال سونكو إن على أعضاء الحكومة تقديم استقالتهم من جميع المناصب الانتخابية والالتزامات السياسية حتى يكونوا أحرارا في القيام بالمهام الموكلة إليهم، مؤكدا أن أولوية حكومته تتمثل في محاربة البطالة، والحوكمة الرشيدة، والسيادة الاقتصادية وتحقيق العدالة.