ألماني مزّق جواز سفره ويحكي قصة دعمه فلسطين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

برلين- “أشعر بالخجل لأنني ألماني.. ولأجل التضامن معكم (الفلسطينيين) سأمزق هذا الجواز الألماني كما يمزق الجيش الإسرائيلي أرض فلسطين وشعبها”. هذا ما قاله الشاب الألماني جورج إسماعيل.

الجزيرة نت وصلت إلى الشاب الألماني الذي أكد، في حوار مطوّل، أن طريقته جاءت للاحتجاج على “ازدواجية المعايير الألمانية تجاه الفلسطينيين”، وحتى حاملي الجواز الألماني منهم.

وتحدث إسماعيل عن قصة تضامنه مع فلسطين رغم الضغوط، وكيف ينظر الألمان لما يُسمّى بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإمكانية تغير مواقفهم مع تأثير منصات التواصل وصعود جيل ألماني جديد.

  • لماذا اخترت هذا الأسلوب للاحتجاج؟

لأنني شخصيا مصدوم ومتأثر جدا بالمعاناة والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون حاليا. أنا ناشط في منظمة للتضامن مع فلسطين لفترة طويلة جدا، وصديق للعديد من الفلسطينيين، وما سمعته من قصص مروعة تحدث في قطاع غزة أثرت في كثيرا.

كما أن لدي أصدقاء فلسطينيين لديهم جوازات سفر ألمانية، وعندما يزورون أهلهم، على سبيل المثال في الضفة الغربية، يتعرضون لمضايقات من جنود الاحتلال على الحدود، دون أخذ أي اعتبار لجواز سفرهم.

السفارة الألمانية لا تدافع عن المواطنين الألمان الذين لديهم أصول فلسطينية عندما يتم اعتقالهم في إسرائيل، فجواز السفر لا يمثل الشيء ذاته للجميع.

  • في هذا الإطار، اقترح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (معارض) إلزام طالبي الجنسية الألمانية بالتوقيع على الالتزام بالاعتراف بإسرائيل، وهناك ولاية ألمانية شرعت مسبقا في هذا الإلزام. كيف ترى ذلك؟

هذا أمر سيئ للغاية. المفروض الاعتراف بالقوانين والالتزامات التي تخص ضمان حقوق الأفراد والجماعات. وعندما نتحدث عن إسرائيل، فنحن نتحدث عن دولة تربط وجودها بالتشكيك في دولة أخرى.

حاليا، الحل المفروض بسلطة الأمر الواقع هو “حل الدولة الواحدة”، أي إسرائيل، وإذا قال الفلسطينيون وداعموهم إنهم لا يعترفون بهذه الدولة بهذا الشكل بالذات، فهو أمر مشروع، أي عدم الاعتراف بالدول التي تجعل التمتع بالحقوق حكرا على مجموعة عرقية ودين معين، وهذا ما يجري في إسرائيل، فلماذا يجب إلزام الناس بالاعتراف بهذه الدولة دون قيد أو شرط؟.

ضابط شرطة يشير لمتظاهرين تسلقوا “نافورة نبتون” خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في برلين (رويترز)
  • ألا تخشى أي تأثيرات سلبية بعد تمزيقك لجواز سفرك؟

اتخذت الخطوة لأنني ولدت في ولاية “ساكسونيا-أنهالت”، التي شرعت في إلزام الاعتراف بإسرائيل للحصول على الجنسية. وما يريد الحزب المسيحي فعله الآن هو إصدار قانون يسمح بتجريد المواطنين الألمان من جنسيتهم بسبب رفض الاعتراف بإسرائيل (إذا كانوا يحملون جنسية أخرى)، وهو ما قد يؤدي أيضا إلى الترحيل.

وهو لا يظهر فقط الطابع المناهض للديمقراطية، بل أيضا الطابع العنصري للقانون، لأن الأشخاص الذين سيتم ترحيلهم سيكونون غير أوروبيين، وهذا المشروع لا يقتصر فقط على حظر تجنيس الأشخاص، بل يتعلق كذلك بسحب الجنسية، ثم الترحيل.

وعلى العموم هذا ليس جديدا، ففي ظل النظام النازي، تم ترحيل أفراد من اليسار والشيوعيين والمعارضين، ولاحقا بدؤوا بنقلهم إلى معسكرات مع اليهود والغجر والشواذ والمعاقين. وكيساري وشيوعي ألماني، فمقترح نزع الجنسية يخيفني كثيرا.

Police officers detain a person during a demonstration in support of Palestinians in Gaza, amid the ongoing conflict between Israel and the Palestinian group Hamas, in Berlin, Germany, November 10, 2023. REUTERS/Liesa Johannssen
ضباط شرطة يعتقلون شخصا خلال مظاهرة لدعم الفلسطينيين في برلين (رويترز)
  • بالعودة إلى مسارك، كيف بدأت في التضامن مع القضية الفلسطينية؟

ولدت في عائلة يسارية ليبرالية، وأول ذكرياتي السياسية كانت مشاهدة مظاهرات الفاشيين في الشوارع، وقد وجدتها مخيفة لذلك قررت أن أناهضها. وفي ولاية يعيش فيها عدد من النازيين، يُعد من الطبيعي فيها أن تسمع نكات عنصرية وأخرى معادية للسامية في كل مكان، جعلني أقرر النضال ضد الفاشية.

ثم انتقلت إلى برلين وعمري (14 عاما)، وانضممت إلى مجموعة للنضال الأممي ضد أشكال القمع في العالم. وتعرفت على فلسطينيين وأكراد ومجموعات كثيرة تعاني التضييق، لكنني قررت التركيز على دعم الفلسطينيين ضمن مجموعة “قوة العمال” الشيوعية، لأنني وجدت أن المجموعات تجد كثيرين ممن يدعمونها، بينما يعتبر التضامن مع فلسطين مثيرا للجدل في ألمانيا.

  • ولكن هل كان من السهل عليك التضامن مع فلسطين في بلد يتم فيه التضييق على الصوت الفلسطيني سواء في الإعلام أو الأحزاب أو المدرسة، وتسود فيه الرواية الإسرائيلية؟

لا، بالطبع لم يكن الأمر سهلا إطلاقا من نواح عديدة. تم التشهير بي وبالعديد من رفاقي، وتم وصمنا بأننا معادون للسامية، وكان لذلك عواقب سياسية، حيث تم استبعادنا من العديد من الأنشطة السياسية.

والملاحظ أنه حتى بعض أصناف اليسار، كالمجموعة المعروفة بـ”أنتي دويتش” يرفضوننا، ويرفضون أن يشارك معهم ناشطون من الشرق الأوسط في أنشطتهم. كما أنني على يقين أن هناك بعض الخطر على حياتي، وعلى دخلي المادي بسبب نضالي، لكنني قررت أن أستمر، وأن أرفع صوتي.

  • أشرت إلى مجموعة “أنتي دويتش” (اصطلاحا معادو ألمانيا) وهي مجموعة يسارية راديكالية من الشباب تدعم إسرائيل وترفض المواقف الألمانية، وتمثل جزءا من حركة “معاداة الفاشية” العالمية، لكنها الوحيدة في العالم التي اتخذت هذا الموقف. هل هذا يؤكد خصوصية ألمانيا؟

لا أعتقد أن هؤلاء يناهضون ألمانيا على الإطلاق، لأنهم في الواقع يدعمون السياسة الخارجية الألمانية في جميع القضايا الرئيسة.

وقامت هذه المجموعة بدعم الحرب في العراق وفي أفغانستان، كما يحتفلون بالاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، ويدعمون الإمبريالية الأميركية. ومن العار أن يُنظر إلى هؤلاء كيسار، لأنهم أضرّوا كثيرا باليساريين الألمان، لكنني سعيد أن أعدادهم بدأت بالتراجع.

  • ولكن الأحزاب الألمانية تقريبا على قلب رجل واحد في دعم إسرائيل، بل إن حزب الخضر، وعكس عدد من أحزاب البيئة اليسارية في أوروبا والعالم التي تنتقد السياسات الإسرائيلية، فهو يدعمها بقوة، بل ترفض أنالينا بيربوك، القيادية داخله ووزيرة الخارجية حاليا، وقف إطلاق النار؟

في ألمانيا عدة أحزاب محسوبة على اليسار، رغم أن مواقفها لا تعبر عن حقيقة اليسار، ومنها كذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار الحالي أولاف شولتس).

حزب الخضر الألماني لم يعد يساريا بالمعنى الحقيقي منذ مدة، فقد دعم الحرب في أفغانستان، وأيد إرسال قوات ألمانية إلى العراق، ودعم الحرب في كوسوفو، كما أن هذه الأحزاب نفذت سياسات تضرب حقوق المجتمع الألماني من خلال ما سمي بـ”برامج الإصلاح”.

  • انطلاقا من تجربتك الخاصة، كيف ترى اهتمام الألمان بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟ هل تختلف آراؤهم عن السياسيين والإعلام؟

الناس كما تعلم ليسوا كتلة متجانسة، لكن عموما يعتقد الألمان أنهم مستنيرون وناقدون، لكن هذا ليس صحيحا في هذا الموضوع.

معظم الناس هنا لا يعرفون شيئا عن فلسطين أو إسرائيل، ولا يهتمون بالأخبار إلا في وقت الحروب، ويشكلون آراءهم انطلاقا مما ينقله الإعلام، كما لا يعودون إلى أصل الصراع، ويربطونه بهجوم حماس وبالرد الإسرائيلي عليه.

هم لا يعرفون حقيقة النكبة، ولا واقع اللاجئين الفلسطينيين، ولا حقيقة اعتقال الآلاف منهم في السجون الإسرائيلية.

ويسهم الإعلام الألماني في هذا الأمر، بحكم أنه يمارس الدعاية الحربية التي تنتصر لجانب واحد فقط، هو الجيش الإسرائيلي. كما ينتشر الجهل بشكل كبير حتى داخل الإعلام الألماني، فهناك صحفيون ونخب لا يريدون تثقيف أنفسهم حول هذا الموضوع.

  • ألا يختلف الأمر لدى الشباب الألماني المرتبط بمنصات التواصل والإنترنت، والقادر أكثر على القراءة بالإنجليزية؟

نعم هناك جيل شاب جديد في المدن الكبرى يتمتع بطابع عالمي للغاية، ويتعرف إلى تجارب من مختلف العالم خصوصا مع المهاجرين، وهذا الجيل يشارك في المظاهرات في ألمانيا. لكن الأمور تتغير ببطء، ولا بد من القول إنه لا يزال عدد الألمان البيض في هذه المظاهرات الداعمة لفلسطين أقل بكثير مما نراه بالمقارنة مع سكان دول أخرى غربية أو غير غربية، وأظن أن ذلك يعود كذلك إلى تاريخ الألمان مع المحرقة.

epa10945743 A participant holds a keffiyeh scarf during a protest in solidarity with people in Gaza, in Kreuzberg district of Berlin, Germany, 28 October 2023. Various organizations called for the rally under the motto 'Global South United!'. Thousands of Israelis and Palestinians have died since the militant group Hamas launched an unprecedented attack on Israel from the Gaza Strip on 07 October, and the Israeli strikes on the Palestinian enclave which followed it. EPA-EFE/CLEMENS BILAN
مظاهرة تضامنية مع فلسطين في منطقة كروزبرج في برلين (وكالة الأنباء الألمانية)
  • في ألمانيا هناك مصطلح “الذنب الجمعي الألماني” (Kollektivschuld) الذي يشير إلى هذه الخصوصية. كيف ترى ذلك؟

يجب أن نأخذ المحرقة على محمل الجد، وأن نحمي الحياة اليهودية، لا جدال في ذلك، ولكن يجب ألا ننسى أن أول من دعا لهذا الأمر هم شباب الحركة الطلابية اليسارية في الستينيات، لكن ما يجري لدى الدولة هو محاولة التخلص من عقدة الذنب نحو دعم الصهيونية.

ومثل هذا صار خطاب معاداة السامية خطابا ألمانيا أبيض بحتا، وبات سياسيون يقولون إن معاداة السامية مستوردة، أي يرتكبها المهاجرون، وهذا أمر خطير جدا يعرض حياة المهاجرين للخطر، وكذلك حياة اليهود، بحكم أنه خطاب يقلل من خطورة معاداة السامية الألمانية “البيضاء”، التي تصدر من أشخاص يعادون كذلك العرب والمسلمين واللاجئين.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *