لفت مقال بمجلة تايم إلى أن محكمة العدل الدولية خلصت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى أنه من “المعقول” أن الجرائم المرتبطة بالإبادة الجماعية، ربما تكون قد وقعت في حرب إسرائيل على غزة، وقامت فعليا بتحذير إسرائيل، وإن رأت أن الحملة الإسرائيلية لم تكن إبادة جماعية بطبيعتها.
وأشار كاتبه ديفيد ج. سايمون، وهو مدير برنامج دراسات الإبادة الجماعية في جامعة ييل، إلى أن المحكمة أصدرت 6 “تدابير مؤقتة”، منها اثنان يحثان إسرائيل وقواتها على ضمان عدم حدوث إبادة جماعية أثناء الرد على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في حين يجبرها أحد هذه التدابير على عدم التحريض على الإبادة الجماعية، ويتعلق اثنان آخران بالحفاظ على الأدلة وتقديم التقارير إلى المحكمة، كما يحث السادس على “معالجة الظروف المعيشية السلبية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”.
هل الأزمة الإنسانية دليل إبادة؟
ونبه الكاتب إلى أن جوهر اتفاقية الإبادة الجماعية هو أنها ليست مجرد “قتل جماعي” ولو للمدنيين، بل هي مصطلح يشير إلى محاولة تدمير شعب ما، وهو بالتالي يشمل 4 وسائل غير القتل، مثل “التسبب في أذى جسدي أو نفسي خطير”، و”إلحاق الضرر بظروف الحياة لإحداث الدمار الجسدي للمجموعة”، و”فرض تدابير لمنع الولادات”، وأخيرا “نقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى أخرى”.
ومع أن أعداد الضحايا في المعارك انخفضت -حسب الكاتب- في الأسابيع التي تلت أمر محكمة العدل الدولية، فإن الأزمة الإنسانية، التي أعربت مجموعة الأزمات الدولية عن قلقها الصريح بسببها، قد تعمقت.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 75% من سكان غزة هجروا من منازلهم قبل أواخر مارس/آذار الجاري، ورجحت أن يؤدي الهجوم المحتمل على رفح إلى تفاقم الوضع بشكل كبير، كما توقع تحليل أجراه “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” الذي يراقب الأزمات، أن يواجه نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.11 مليون نسمة ظروفا كارثية بحلول منتصف الصيف، تصل إلى المرحلة الخامسة، أي “المجاعة”، وهي أسوأ مراحل تصنيفها.
وتساءل سايمون هل الأزمة الإنسانية تشكل إبادة جماعية نظرا لمخاوف المحكمة، مؤكدا أن اعتبار الوضع عملا (أو سياسة) من أعمال الإبادة الجماعية، يعتمد من الناحية القانونية، على معرفة ما إذا كانت الظروف “متعمدة”، وما إذا كانت مخططة “لتدمير” السكان الفلسطينيين في غزة.
ومن الناحية العادية، فإن القضية أقل تعقيدا، لأن الحركة القسرية لكثير من سكان غزة من شمال القطاع إلى الملاجئ ومدن الخيام في الجنوب، التي ترافقت مع سياسة تقييد المساعدات المقدمة لقطاع غزة بأكمله، جعلت المجاعة أمرا لا مفر منه عمليا، خاصة أن شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة أصدرت هذه التوقعات في أواخر العام الماضي، وأثارت هذه المخاوف على وجه التحديد.
إدانة لا تبرئة
علاوة على ذلك -يقول الكاتب- فإن التدابير الخطيرة والبطيئة وغير الكافية -إلى حد مؤسف- لتخفيف حدة المجاعة، مثل عمليات الإنزال الجوي والأرصفة المؤقتة، تثبت الوعي بالحاجة إلى الإغاثة، بيد أن استشهاد إسرائيل بها كدليل على حسن نيتها، مع أن دولا أخرى هي التي اتخذتها، يشكل في الحقيقة إدانة لا تبرئة.
وخلص الكاتب إلى أن ما تحتاجه غزة الآن هو جهود إغاثة ضخمة ومنسقة بشكل جيد، ووقف الأعمال العدائية شرط أساسي لذلك، وبالتالي فإن تعصب إسرائيل أو حماس بشأن التوصل إلى وقف إطلاق النار لا يمكن فصله عن المسؤولية عن الأزمة الإنسانية.
وفي غياب الثقة بين الطرفين، يجب عليهما الالتزام بالسماح لطرف ثالث أيا كان، للإشراف على الإغاثة ومراقبة توزيعها، علما أن المناقشات السياسية حول وضع السيادة، والضمانات الأمنية، والمساءلة عن الجرائم الدولية، التي تشكل جزءا أساسيا من الحل المتوسط المدى بغزة، لا يمكن أن تبدأ إلا بعد معالجة الأزمة الإنسانية.
وختم الكاتب بأنه لا ينبغي أن يكون السبب وراء مثل هذا التحرك هو أن محكمة العدل الدولية تطالب به، أو أن عدم القيام به يزيد احتمال أن تحكم بالإبادة الجماعية، رغم أنها قد تفعل ذلك، بل يجب أن يكون السبب هو المسؤولية الأخلاقية لتجنب كارثة إنسانية يمكن منعها.