القدس المحتلة- صُدم أحمد السلايمة -أصغر طفل تحرر من السجون الإسرائيلية في خامس دفعة بصفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- عندما توجّه بعد 6 أيام من تحرره إلى مدرسته، واكتشف منعه من مواصلة تعليمه فيها.
وتفاجأ الطفل ووالده بعد دقائق من دخولهما المدرسة الواقعة في حي رأس العامود ببلدة سلوان في القدس المحتلة، بأنه لن يتمكن من الجلوس على مقاعدها مجددا، وذلك بقرار صادر عن وزارة المعارف الإسرائيلية التي تتبعها المدرسة، وفقا لما صرح به والد الطفل نواف السلايمة.
إلى حي وادي قدّوم ببلدة سلوان بالقدس اتجهت الجزيرة نت للقاء الطفل المحرر ووالده، اللذين عبّرا عن استيائهما من هذه الخطوة “التعسفية” التي طالت عشرات القاصرين المقدسيين المحررين في الصفقة.
قال أحمد إنه لم يكن جدّيا في دراسته، لكن بعد أسره طالع عدة كتب في السجن، وشعر حينها بالخسارة من فقدان مسيرته الأكاديمية، فصمم على العودة إلى مقاعد مدرسته والاجتهاد ليحصل على شهادة الثانوية العامة ثم الجامعية بتخصص الحقوق أو الإعلام.
لهفة فانتكاسة
لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن هذا الطفل الذي كان يجب أن يعود إلى مقعده بالصف التاسع، وقال “كنت متلهفا للعودة إلى الصف وللقاء أصدقائي وأساتذتي، ولم أتوقع للحظة أنني سأحرم من حقي في التعليم”.
في صباح ذلك اليوم قال نواف السلايمة، والد أحمد، إنه توجه إلى غرفة نجله صباحا ليوقظه فوجده مستيقظا ومرتديا ملابسه ومتلهفا للذهاب إلى مدرسته، مضيفا أنه أصيب بخيبة الأمل بمجرد منعه من العودة إليها.
“يتصرف الاحتلال معنا بتناقض كبير، لأن التعليم إلزامي بالمدارس وفقا لقوانينه، ولو تخلفتُ عن إرسال أبنائي أو تسربوا من المدارس سأحاسب وسألاحق قانونيا.. والآن يحدث العكس نحن نصر على إرسال أبنائنا للتعليم، لكن إدارة المدرسة تقول إن قرارا وزاريا صدر بتجميد تعليمهم حتى النظر بملف كل محرر على حِدة” أردف السلايمة.
لم يتّجه أحمد إلى المدرسة وحده، بل رافقه أيضا أبناء عمومته محمد ومعتز اللذين تحررا معه في اليوم ذاته، وقوبلا بالرد نفسه من إدارة المدرسة.
قرر الأب نواف السلايمة عدم التزام الصمت أمام هذا الإجراء التعسفي وفق تعبيره، فنشر مقطع فيديو من داخل مدرسة نجله التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، ليتبين لاحقا أن هذا الإجراء طال عددا لا بأس به من محرري الصفقة ممن قرروا العودة للانتظام في التعليم بمدارسهم في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
وفي بلدة سلوان أيضا التقت الجزيرة نت بأحد محرري الصفقة -فضل عدم ذكر اسمه- للحديث عما اعتبرها عقوبة جائرة بحقه. وقال إنه من المفترض أن يكون هذا هو عامه الأخير بالمدرسة كونه طالبا في الثانوية العامة، لكنه فوجئ بمجرد دخوله للمدرسة أن المدير يطلب منه المغادرة بسبب وجود قرار من وزارة المعارف الإسرائيلية يقضي بعدم استقبالهم.
تبدد الحلم
“كنت متلهفا لإنهاء الثانوية العامة والالتحاق بإحدى الجامعات لدراسة تخصص التربية الرياضية لأكون معلم رياضة مستقبلا، وبعد منعي من العودة إلى المدرسة أشعر الآن أن حلمي يتبدد ومستقبلي يضيع”، أضاف الفتى المحرر.
من جهتها، أوضحت لجنة أهالي الأسرى المقدسيين للجزيرة نت أن 42 قاصرا مقدسيا أُفرج عنهم بصفقة تبادل الأسرى الأخيرة، وأن معظمهم يتلقون تعليمهم المدرسي بالمرحلتين الإعدادية والثانوية.
أما محامي مركز معلومات وادي حلوة محمد محمود، فأكد أن عددا من أهالي المحررين توجهوا له وأخبروه بالخطوة الأخيرة التي وصفها بـ”غير القانونية”، موضّحا إنه “طالما لم يتسلم الأهالي قرارا رسميا مكتوبا بهذه الخطوة، فإنها تبقى في خانة الإجراء غير القانوني”.
وأضاف المحامي محمود أنه دعا الأهالي للعودة بأبنائهم مجددا إلى المدارس والإصرار على الوُجود فيها، وطلب الحصول على قرار رسمي كي يتمكن المحامون من تقديم التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا ضده.
بعد تحرره في صفقة تبادل الأسرى.. والد الأسير المقدسي أحمد السلايمة (14عاما) يقول إن مدرسته (التابعة لبلدية الاحتلال) رفضت عودته إليها.#قدس_برس #الخبر_وأكثر #طوفان_الأقصى #غزة #غزة_الآن #غزه_تقاوم #غزة_تستغيث #غزة_الآن #غزة_تُباد #غزه_تحت_القصف pic.twitter.com/GvRAExbRhg
— وكالة قدس برس (@QudsPress) December 4, 2023
تحرك نقابي
ووفق المحامي المقدسي “لا يمكننا التحرك قانونيا فلا يوجد بين أيدينا قرارات رسمية، لأن المحكمة لن تستند إلى أقوال الأهالي بل يجب أن نقدم أوراقا وأدلة.. ونجزم أن هذا الإجراء يعتبر جديدا لأن كل القاصرين المقدسيين كانوا يعودون إلى المدارس، وينتظمون في مسيرتهم الأكاديمية بعد انتهاء عقوبة الحبس المنزلي أو السجن الفعلي”.
وقال محمود إن وزارة المعارف الإسرائيلية لن تتمكن من حرمان هؤلاء الطلبة من تعليمهم، لأن كثيرا منهم تحرروا من السجون دون إدانتهم ولم تصدر أحكاما بحقهم، كما أن الشرطة الإسرائيلية لا تعارض خطوة العودة إلى المدارس وإلا لوُجدت أمام بواباتها ومنعت هؤلاء الطلبة من الدخول إليها.
بدوره، أكد رئيس اتحاد لجان أولياء أمور الطلبة في القدس زياد الشمالي أن القرار صادر عن الجهات الأمنية الإسرائيلية ووزير المعارف، مضيفا في حديثه للجزيرة نت، أن الاتحاد بدأ بالتحرك للحصول على استشارة قانونية بخصوص هذه الخطوة من عدة محامين ومؤسسات حقوقية بهدف فحص الإجراء وآليات التحرك.
وتمس هذه الخطوة قطاع التعليم الذي يعتبر أكثر القطاعات استهدافا بالأسرلة في القدس، إذ لا تتبع المدارس في المدينة لمرجعية إدارية واحدة بل لمرجعيتين فلسطينية وإسرائيلية، وبالتالي تتعدد المظلات التي تندرج تحتها المدارس وكذلك المناهج التعليمية.
هددت طاقم المدرسة ألا يتحدثوا للإعلام.. شرطة الاحتلال الإسرائيلي تغلق مدرسة ورياض الأقصى الواقعة داخل #المسجد_الأقصى وتعتقل مديرها وأحد الطلاب بحجة كتابة “حمـ.ـاس” على أحد جدرانها
للاطلاع على المزيد: https://t.co/vDzKWNuxLS pic.twitter.com/mhmGbOFt4P
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) November 21, 2023
بالأرقام
ويبلغ عدد الطلبة في كل من المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية نحو 98 ألفا و428 طالبا وطالبة وفقا لبيانات مؤسسة فيصل الحسيني التي نشرتها مطلع يوليو/تموز من العام المنصرم.
ويتوجه قرابة 45 ألفا و500 طالب وطالبة منهم إلى 146 مدرسة تتبع لمظلة التعليم الفلسطينية (الأوقاف، المدارس الخاصة، مدارس الوكالة)، في حين يتوجه البقية إلى المدارس التابعة لإدارة وزارة المعارف الإسرائيلية.
ووفقا للخطة الخمسية الجديدة التي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية في أغسطس/آب الماضي، وحملت عنوان “تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية لشرقي القدس 2024-2028” تم تخصيص ميزانية قدرها 800 مليون شيكل للمدارس الابتدائية والثانوية في القدس.
وتركز الخطة على إنشاء فريق للعمل على “تعزيز جودة نظام التعليم في شرقي القدس بشكل عام، وتوسيع نظام التعليم الرسمي بشكل خاص” من خلال زيادة نسبة الطلبة الذين يتعلمون المنهاج الإسرائيلي، ويتخرجون من تلك المدارس بنظام “البجروت” (شهادة الثانوية العامة الإسرائيلية).
كما رصدت وزارة المعارف الإسرائيلية في الخطة الخمسية الجديدة ميزانية بقيمة 300 مليون شيكل لتمويل المؤسسات التعليمية في القدس بشرط تدريسها للمنهاج الإسرائيلي.
وبالتالي فإن خطوة رفض إعادة الطلبة لمدارسهم -التي تتبع بغالبيتها لبلدية الاحتلال ويدرس الطلبة فيها إما المنهاج الفلسطيني “المُحرّف” أو المنهاج الإسرائيلي- لاقت رفضا في الأوساط الإسرائيلية نفسها، لأن البديل سيكون هجرة هؤلاء الطلبة بشكل جماعي نحو المدارس التي تتبع لمظلة التعليم الفلسطينية.