موسكو- يصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ، مساء اليوم الثلاثاء، في زيارة تستمر ليومين بدعوة من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ويتوجه منها إلى فيتنام التي يزورها ليومين أيضا.
ويرافق بوتين وفد رسمي كبير يضم دينيس مانتوروف النائب الأول لرئيس الوزراء، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء، ووزير الموارد الطبيعية ألكسندر كوزلوف.
كما يرافقه وزير الصحة ميخائيل موراشكو، ووزير النقل رومان ستاروفويت، وأليكسي كريفوروتشكو نائب وزير الدفاع، ومدير وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس) يوري بوريسوف، ومدير السكك الحديدية الروسية أوليغ بيلوزيروف، وحاكم إقليم بريمورسك أوليغ كوزيمياك.
وكانت آخر مرة زار فيها بوتين كوريا الشمالية في صيف عام 2000، والتقى حينها بزعيمها آنذاك كيم إيل سونغ.
وبعد كوريا الشمالية، سيزور بوتين فيتنام (بين 19 و20 يونيو/حزيران الجاري) التي زارها أكثر من مرة كان آخرها في خريف عام 2017 لحضور قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (آبيك).
وستكون الزيارتان إلى كوريا الشمالية وفيتنام هي الرابعة والخامسة لبوتين منذ إعادة انتخابه رئيسا لروسيا في ربيع عام 2024، بعد الصين وبيلاروسيا وأوزبكستان.
هواجس غربية
وليس من المستغرب أن تكون الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي قد أثارت ردود فعل قوية في واشنطن وبين أقرب حلفائها في المنطقة- كوريا الجنوبية، فقد بحث كيرت كامبل نائب وزير الخارجية الأميركي، زيارة بوتين مع كيم هونغ كيون النائب الأول لوزير الخارجية الكوري الجنوبي، واتفقا على مراقبة الوضع عن كثب.
وشدد وزير الخارجية الكوري الجنوبي على أن زيارة بوتين “لا ينبغي أن تؤدي إلى زيادة التعاون العسكري بين بيونغ يانغ وموسكو في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة”.
وما يعزز الهواجس الغربية هو أن زيارة بوتين إلى هذين البلدين تأتي وسط مخاوف دول غربية بشأن تعميق التعاون بين روسيا وكوريا الديمقراطية مع استمرار الصراع في أوكرانيا.
فقد تحدثت واشنطن وسول عن قيام كوريا الشمالية بتزويد روسيا بالأسلحة في مقابل مساعدات تكنولوجية من موسكو. وعلى سبيل المثال، قيام الجانب الكوري الشمالي بنقل صواريخ وقذائف إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا، وخاصة بعد أن ساعدت موسكو بيونغ يانغ في إطلاق أول قمر صناعي للاستطلاع إلى مداره في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
واللافت أن الزيارة إلى بيونغ يانغ تأتي بينما لا تزال موسكو متمسكة بجميع الإجراءات التقييدية الدولية ضد بيونغ يانغ. ومن هنا يرجح مراقبون روس أن يتم مناقشة مسألة رفع بعض العقوبات، وهو شيء لا مفر منه للانتقال لبحث قضايا التعاون العسكري الإستراتيجي بين البلدين، بحسب هؤلاء.
رد حاد
أما زيارة بوتين إلى فيتنام، فتأتي على خلفية رفض هانوي مؤخرا المشاركة في قمة سويسرا لبحث الملف الأوكراني، فضلا عن نيتها إرسال نائب وزير خارجيتها إلى الاجتماع المقبل لمجموعة البريكس في روسيا.
وكان رد فعل الولايات المتحدة، التي حسنت علاقاتها مع هانوي العام الماضي وتعتبر الشريك التجاري الرئيسي لفيتنام، حادا على التقارير حول زيارة بوتين المرتقبة إلى فيتنام.
وبدا ذلك واضحا في تصريح ممثل السفارة الأميركية في هانوي لوكالة رويترز، قال فيه إنه “لا ينبغي لأي دولة أن تمنح بوتين منصة للترويج لحربه العدوانية والسماح له بتطبيع فظائعه، أو السماح له بالسفر بحرية بشكل يؤدي إلى تطبيع انتهاكات روسيا الفاضحة للقانون الدولي.”
توجه إستراتيجي
ووفقا للخبير في العلاقات الدولية، دميتري بابيتش، يمثّل تطوير العلاقات مع دول الجنوب العالمي أولوية عامة لموسكو، وهذا ما يؤكده التحرك الدبلوماسي النشط على أكثر من خط، ومن بين ذلك سعي بوتين إلى رد الاعتبار للعلاقات الودية التقليدية مع بيونغ يانغ وهانوي، التي يعود تاريخها إلى عقود مضت.
ويضيف بابيتش في حديث للجزيرة نت أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية شهد تطورا مطردا في السنوات الأخيرة، ففي عام 2023 وحده، زاد حجم التجارة بين البلدين 9 أضعاف، ليصل إلى 34.4 مليون دولار. وعلى هذه الخلفية بات من المهم الآن تعزيز هذه الوتيرة.
وتبرز أهمية هذه الزيارات بشكل أكبر، وفق الخبير الدولي، في حال حسمت موسكو قرارها بمراجعة نظام العقوبات المفروض على كوريا الشمالية من قبل مجلس الأمن الدولي، لأجل غير مسمى.
ملفات حساسة
من جانبه، يتوقع محلل الشؤون الدولية، دميتري كيم، أن يعلن بوتين خلال زيارته إلى فيتنام عن اتفاقيات في قطاعات مثل التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والتعليم وغيرها.
لكنه يوضح أن المباحثات مع الزعماء الفيتناميين من المرجح أن تشمل قضايا أكثر حساسية، لا سيما ما يتعلق ببيع الأسلحة إلى هانوي، التي كانت روسيا المورد الرئيسي لها تاريخيا.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يلقى ملف الطاقة اهتماما في المباحثات المفصّلة بين الجانبين، حيث تعمل الشركات الروسية في حقول الغاز والنفط الفيتنامية في مناطق بحر جنوب الصين التي تطالب بها الصين، في الوقت الذي يواجه فيه البلدان صعوبات في المعاملات بسبب العقوبات الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى تفاهمات على حل مسألة المعاملات بالروبل والدونغ من خلال النظام المصرفي.
ويختم المحلل كيم بأن فيتنام، بدورها، تريد من خلال زيارة بوتين إظهار أنها تنتهج سياسة خارجية متوازنة دون تفضيل أي من القوى الكبرى.