عمّان- “لم نشعر في أي يوم من الأيام أننا غرباء، لطالما شعرنا أننا بين أهلنا في الأردن”، بهذه الكلمات بدأ الطالب الجامعي الفلسطيني من أبناء قطاع غزة محمد أبو حصيرة حديثه، موكدا أن العلاقة التي تجمع الشعبين الأردني والفلسطيني وطيدة ومتجذرة تاريخيا وجغرافيا وديمغرافيا.
وتحمل قصة محمد -طالب الطب في الجامعة الأردنية- حزنا ممزوجا بالأمل، بعدما فقد عددا كبيرا من أقاربه جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، ومما فاقم معاناته هو والعشرات من أبناء غزة بالأردن انقطاع الكهرباء والإنترنت عن مناطق واسعة في القطاع ما حرمهم من الاطمئنان على عائلاتهم.
ويقول أبو حصيرة للجزيرة نت إنه، مثل غيره من الطلبة والطالبات الذين جاؤوا إلى عمّان للدراسة أو العلاج في المستشفيات قبيل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تفاجأ ببدء الحرب، مما أدى إلى انقطاع السبل بالمئات من الغزيين المقيمين في الأردن.
أوضاع صعبة
وأضاف أبو حصيرة (22 عاما) أن نحو 400 طالب وطالبة من غزة في عمّان فقدوا عائلاتهم كليا أو جزئيا، وجميعهم منعهم الاحتلال من العودة إلى غزة، وتوقف تحويل الأموال من القطاع لهم بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال.
ويصف أوضاعهم في الأردن بأنها صعبة للغاية نتيجة طول فترة الحرب على غزة، موضحا أنه منذ مرور عام على العدوان على القطاع وهو منقطع عن أهله، ولم يشاهد أحدا منهم، والاتصالات بينهم منقطعة إلا مرة أو مرتين في الشهر في معظم الأحيان. كما أن أوضاعهم المادية في غاية السوء، وهم بحاجة للدعم المادي والمعنوي المتواصل نتيجة انقطاعهم عن أهاليهم.
من جانبه، أكد الناشط التربوي نور الدين نديم أن في الأردن المئات من الطلبة والطالبات الغزيين الذين يدرسون في الجامعات، وقد تقطعت بهم السبل، إضافة إلى 41 طفلا وطفلة يعالجون من مرض السرطان في المستشفيات، و120 عائلة قدموا لعلاج أمراض مختلفة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار نديم إلى أن الأطفال الذين قدموا للأردن بتنسيق من الحكومة وبتوجيهات من الملك عبد الله الثاني مباشرة تكفلت الحكومة بعلاجهم ومسكنهم ورعايتهم، وبالنسبة إلى الطلبة الجامعيين، سارعت الهيئة الخيرية الهاشمية وجمعيات أردنية عدة إلى مساعدتهم والتكفل بتسديد رسومهم والتزاماتهم الدراسية.
هبّة أردنية
وأضاف الناشط نديم أن الأردنيين هبوا -كعادتهم- لنجدة أبناء قطاع غزة الذين لا معيل لهم وانقطعوا عن ذويهم نتيجة استمرار العدوان على غزة، فمنهم من فتح بيته لهم، ومنهم من سارع لتلبية احتياجاتهم من خلال عدد من المبادرات والجمعيات والمؤسسات المدنية. ولا يزال العمل جاريا لتوفير اللازم لتسديد كافة احتياجاتهم اليومية وأقساطهم الجامعية، وفقا له.
الأمر ذاته يؤكده الفلسطيني القادم من غزة إلى الأردن لعلاج زوجته، علي الحطاب، الذي قال للجزيرة نت إنه لم يحتج أن يطلب شيئا له أو لعائلته (زوجته وطفليه)، “بل على العكس بادر الأردنيون بتقديم ما يفيض عن حاجته وأسرته دون أن يطلب”.
وأضاف “الأردنيون سواء أكانوا مواطنين أو جمعيات ومؤسسات خيرية تابعوا عديدا من العائلات الغزية على تنوع احتياجاتها، وبادروا بتقديم المساعدات العاجلة والضرورية لهم، مثبتين أنهم أصحاب قضية، وليسوا مجرد متضامنين”.
مسؤولية مجتمعية
من جهته، أكد رئيس الهيئة الإدارية لجمعية “صندوق حياة للتعليم” المهندس موسى الساكت أن الصندوق أطلق مبادرته الجديدة التي تستهدف تقديم الدعم للطلبة القادمين من قطاع غزة والقدس والذين يدرسون في الجامعات الأردنية.
وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه المبادرة تأتي في إطار الجهود المتواصلة لتخفيف العبء المالي عن الطلبة، وتوفير الدعم اللازم لتمكينهم من مواصلة دراستهم رغم التحديات الصعبة التي يواجهونها.
وأكد الساكت أن هذا الدعم يعبّر عن مسؤوليتهم المجتمعية تجاه أهلهم في قطاع غزة، ويعكس الوعي بالتحديات التي يواجهها الطلاب جراء الظروف الصعبة التي فرضها العدوان الغاشم على غزة، وتأتي هذه المبادرة كجزء من التزامهم الراسخ بتقديم العون الضروري لضمان استمرارية تحصيلهم العلمي وتحقيق طموحاتهم.
وشدد على أن المساهمات المالية، سواء كانت من أفراد أو مؤسسات، ستشكل فارقا كبيرا وتُعتبر واجبا وطنيا يسهم في بناء جسور التضامن وتحفيز الشباب على تحقيق أهدافهم وتجاوز التحديات، وهي خطوة إيجابية نحو إعادة إعمار وتعزيز الحياة في القطاع.