لأول مرة “خفت على مخيم عين الحلوة، وكدت أجزم أنه طار”، بهذا الخوف استقبلنا الدكتور أحمد عبد الهادي ممثل حركة حماس في لبنان ليشرح لنا رؤية الحركة “الخاصة” لما جرى ويجري في مخيم عين الحلوة، كاشفا للجزيرة نت عن معلومات ومعطيات أمنية قيلت في اجتماعات خاصة.
ما قاله لنا في بداية اللقاء دفعنا لسؤاله عما إذا كان هناك مؤامرة لشطب مخيم عين الحلوة، يقول عبد الهادي إنهم “في حركة حماس لدينا رؤية خاصة لما يحصل في عين الحلوة وأعتقد مع الأيام وعلى الأقل في الثلث الأول من الأحداث بدأ كثير من الجهات اللبنانية والفلسطينية الرسمية وغير الرسمية يتفهم ويرى مؤشرات على ما نقوله”.
وأوضح أن “هناك مشاريع حقيقة تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان والسلاح الفلسطيني وعنوان حق العودة، وكان لدينا معطيات من مسؤولين لبنانيين مفادها أن هناك ضغوطا كبيرة تمارس على لبنان، وأحد أسباب الضغط هو الموافقة على دمج اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في لبنان، ناهيك عن الضغوط في مسألة النازحين السوريين، وهناك وجه آخر لما جرى في عين الحلوة باعتقادنا، وفيه مؤشرات مهمة لها علاقة بما يجري في الضفة الغربية، المقاومة في الضفة الغربية متصاعدة والعدو الصهيوني يسعى إلى احتوائها وتوقيفها، فينظر من أين يأتي دعم هذه المقاومة في الضفة الغربية وبظنه وحسب ادعائه أنه من لبنان، وكأنه يريد القول للمعنيين: إذا أردتم العبث بساحتنا فسنعبث بساحتكم”.
وكشف عن معطيات ومعلومات لديه تتعلق بشركات النفط والغاز، وقال “علمنا أن مديري ورؤساء مجالس هذه الشركات زاروا مسؤولين أمنيين لبنانيين، وطالبوا بضمانات لوجودنا في الجنوب خلال التنقيب عن الغاز خوفا مما أسموه السلاح الموجود في المخيمات في الجنوب بدءا من مخيم عين الحلوة وصولا إلى مخيم الرشيدية، إضافة إلى وجود إرهابيين فيهما، على حد وصفهم”.
وتابع “كل ذلك متداخل في ما جرى بمخيم عين الحلوة، بدأت القصة باغتيال عبد الرحمن فرهود ليكون هناك ردة فعل بسيطة وهي عبارة عن استنفار محدود من الشباب المسلم والمطالبة من قبل هيئة العمل الفلسطيني المشترك في صيدا بتسليم القاتل ويدعى (الصومالي)، والذي نصب كمينا للفرهود لم يتم التسليم رغم أن الجميع استعد، ليحصل الكمين الآخر، ويقتل العرموشي ورفاقه، هنا انفجر الوضع بشكل كبير جدا، بغض النظر عن الأدوات، فإن من أوحى بالاغتيال الأول هو الجهة نفسها أوحت بالاغتيال الآخر”.
خوف على المخيم
نسأله عن التدمير الواسع والممنهج، وما هدفه ومخططه، يجيب ممثل حركة حماس أن “المخطط هو تدمير مخيم عين الحلوة، مرت علينا كثير من الظروف والأزمات والحروب، ولكن هذه المرة كانت مختلفة ولأول مرة خفت على عين الحلوة، وكدت أن أجزم أن المخيم طار كما حصل في نهر البارد وخصوصا بعد الدمار الكبير الذي حل به والنزوح الكبير منه، وهذا السيناريو حصل في نهر البارد، بدأ التدمير ثم تهجر السكان وفرغ المخيم وتحول مسرحا للعمليات العسكرية فشطب المخيم، وانطلاقا من هذا الخوف الكبير، كان تحركنا سريعا من واقع مسؤوليتنا وحرصنا على المحافظة على المخيم”.
وبعد أيام وأسابيع من الاشتباكات لم يتحقق المطلب الرئيس وهو تسليم المشتبه بهم بقتل القيادي في حركة فتح اللواء أبو أشرف العرموشي ورفاقه، فلماذا طالت الاشتباكات إذا؟ يشرح عبد الهادي أنه “عندما اغتيل العرموشي ورفاقه، الإخوة في حركة فتح طالبوا بتسليم المشتبه بهم وخصوصا منذ أعلنت لجنة التحقيق تورطهم وهم 8 أشخاص، فتبنت هيئة العمل الفلسطيني المشترك ذلك، ولكن المشكلة أن المسألة لم توكل للهيئة”.
وأشار إلى أن “قوات الأمن الوطني هي من بادرت إلى فتح الاشتباكات بهدف إلقاء القبض على المطلوبين، وبناء عليه اندلعت الاشتباكات وبما أن التسليم لم يتم، استعرت الاشتباكات”.
وتابع “لذلك قلنا للأخوة في حركة فتح وبوجود عزام الأحمد (المشرف على الساحة اللبنانية) هل حققت العمليات العسكرية هدفها بإلقاء القبض على المطلوبين، وسلمتهم للدولة اللبنانية أو قتلت أحدا منهم؟ كل ما حصل تدمير وتهجير وسقوط عدد كبير من عناصركم في المقابل ليس لدى الشباب المسلم قتلى وحتى الجرحى كان عددهم قليلا، إذا ما النتيجة من الاستمرار بالاشتباكات؟ فلم يجب على السؤال والاستفسار”.
الكارثة قد تحل
ولفت إلى أن “الاستمرار في هذا الطريق غير مُجد، ولنبحث عن خيارات أخرى توصلنا لتسليم المطلوبين. وقلت له لو في كل جولة اشتباكات ألقيتم القبض على واحد من المشتبه بهم كان ممكنا القول إنكم بعد فترة محددة ستستطيعون القبض على جميع المشتبه بهم، ولكن ما يحصل هو تدمير للمخيم وقتل أعداد كبيرة من عناصركم وأهل المخيم، إضافة إلى عشرات آلاف النازحين”.
و”هذا ما تنبه له المسؤولون اللبنانيون، فالكارثة قد تحل ليس فقط على المخيم، بل أيضا على جواره، وظهرت الدولة اللبنانية أنها عاجزة في أرضها على فرض وقف للاشتباكات”، يواصل عبد الهادي.
وبنظرة تفاؤلية مستقبلية، يشدد عبد الهادي أنه “بعد انتشار القوة الأمنية وانسحاب المسلحين من المدارس ستعود الحياة إلى طبيعتها في المخيم، وأن مبادرة الرئيس بري (رئيس مجلس النواب اللبناني) المدعومة لبنانيا وفلسطينيا ستؤدي إلى النتائج المطلوبة والمرجوة، وأعتقد أنه لا يوجد طرف فلسطيني سواء المعني بالاقتتال في مخيم عين الحلوة أو غيره يستطيع تجاوزها أو خرقها والخطوات التي نفذت أدت إلى تراكم الهدوء؛ لأن القفز عن ذلك سيكون واضحا، وسيتحمل الطرف الذي يخرق هذا الاتفاق المسؤولية كاملة تحت أي ذريعة”.
واستدرك ليقول إن “كل هذا لا يعني إغفال مسألة تسليم المطلوبين وهو مسار جدي ولن ينسى مع الوقت، فمنذ 3 سنوات اتفقنا على أي شخص ينفذ جريمة قتل في المخيم يسلم إلى السلطات اللبنانية وكنا نتمنى حتى لو قتل اللواء العرموشي ورفاقه كما قتل الفرهود أن تعطى هيئة العمل الفلسطيني المشترك بالتنسيق مع الدولة اللبنانية فرصة لتعمل وتحل الأمر بشكل سلمي ومن غير المقبول أن نعطى 5 أيام فقط لتسليم المشتبه بهم بقتل قيادي مثل العرموشي، وخاصة الذين قتلوا هم مجموعة معروفة ولكنهم ينتمون إلى حالة معقدة (الشباب المسلم) وهؤلاء من أبناء المخيم”.
فتح والواقعية
ولكن هل أرادت فتح من هذه الاشتباكات تثبيت مرجعيتها، وأنها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين في المخيم؟ يجيب عبد الهادي سريعا “هذا ما يقولونه باعتبار أن منظمة التحرير والسلطة التي تنسق مع الدولة اللبنانية، ولكن ليس هذا واقع الحال في المخيمات، فلا يستطيع أحد بمفرده أن يحكم المخيم أو إلغاء الطرف الآخر، وهذا ما اقتنعت وآمنت به الدولة اللبنانية؛ ولهذا أكدت أن العمل من خلال (هيئة العمل المشترك) والذي رعاها وأطلقها الرئيس بري، وهذا ما انعكس هدوء واستقرارا على الأرض ولأن القوة الأمنية المشتركة تضم الجميع استطاعت الانتشار في معظم المحاور، وتسلمت المدارس من الشباب المسلم، وهذا ما كان ليحصل لو كانت قوات الأمن الوطني هي من تضبط الأمن في المخيم”.
وأوضح أن “هيئة العمل المشترك لا تعني أننا نريد إلغاء المنظمة أو السفارة الفلسطينية ودورهما، ولكنني أقول إن الواقع الفلسطيني ليس أحادي القرار، ويجب أن يشترك الجميع في اتخاذه والتفاهم عليه، وهذا متفق عليه مع الدولة اللبنانية”.
وبشأن موقف الدولة اللبنانية وهل بقيت في دور المتفرج على كل ما يحصل في المخيم، يقول عبد الهادي إن “الدولة اللبنانية مقتنعة برؤيتنا، ولكنها وقفت عند نقطتين: الأولى أن هناك قتلا لمجموعة من الأمن الوطني، ويجب أن يسلم قتلة هؤلاء، ولا يمكن تجاوز هذا الموضوع، لأن حركة فتح والسلطة معترف بهما بشكل رسمي وهناك تفاهمات رسمية حول ذلك. والأخرى: أنها لا تريد أن تُظهر حركة فتح منكسرة أمام ما تسميه الإرهاب داخل مخيم عين الحلوة، وهذا ما حير وأخر وأربك تحرك الدولة اللبنانية”.
وواصل أن “الدولة اللبنانية توقفت عند مشهد أن كل ما سبق لا يترجم على الأرض، وليس هناك أي تقدم في مسألة تسليم المطلوبين، وكل ما تفعله هو تدمير المخيم وتهجير الناس وأذية الجوار اللبنانية دون أي نتيجة. ولهذا جاء قرار الدولة اللبنانية ممثلة بالرئيس بري بضرورة توقف المسار السابق والبحث عن طرق أخرى لحل موضوع التسليم”.
من سيعوض على سكان المخيم؟
يؤكد ممثل حركة حماس أنه “بعد الجولة الأولى من الاشتباكات حصل وقف إطلاق نار طويل الأمد، وبدأ الحديث عن التعويضات خلال لقاءات داخل مقر الحكومة اللبنانية، كما تواصلت قيادة حماس مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وغيره وكذلك مع المؤسسات الدولية التي في العادة تسهم بإعادة الإعمار، وعندما خرق وقف إطلاق النار واستعرت الاشتباكات توقف الحديث عن التعويضات”.
وخلص أنه “من المفترض أن يثار الموضوع مجددا بعد وقف إطلاق النار، فالخطوة الأولى تكون مسح الأضرار وتقدير كلفتها ثم الحديث مع المؤسسات الدولية والأونروا التي من المفترض أن تطلق نداءات إنسانية لجلب التبرعات، أما فلسطينيا فلم أسمع أي جهة فلسطينية تسهم في موضوع التعويضات علما أن الرئيس ميقاتي أجرى اتصالات بمسؤولين بالسلطة الفلسطينية أبدوا استعدادهم -بعد جولة الاشتباكات الأولى- بالإسهام في إعادة الإعمار، ولكن لا أعلم ما موقفهم الآن”.
وفي ختام اللقاء قلنا له إننا سمعنا من نازحين وعدد من سكان المخيم أنهم “يفكرون في البداية كيف سيرجعون إلى عين الحلوة قبل العودة إلى فلسطين”، فعلق قائلا “الأمر خطير ومقصود”.