وعرضت مسودة مشروع القانون على المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، الذي درسها قبل أن يقترح إلغاء بعض موادها.
وأكد رئيس المجلس إسلم ولد سيد المصطفى، أن مسودة مشروع القانون تلبي “كافة المقاصد والمطالب التي تطمح لها كل الجهات للرفع من مستوى تكريم المرأة وإنصافها وتحسين موقعها القانوني والاجتماعي ولا تجود فيه بطبيعة الحال مخالفات شرعية”.
وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وزير العدل وكالة، الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب، أوضح خلال ورشة توعوية نظمتها الوزارة أن “استفحال ظاهرة العنف في سياقاتها المتعددة الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، واستمرار النماذج النمطية القائمة على فكرة دونية المرأة وتبعيتها، يفرض ضرورة اعتماد قانون يتعلق حصرا بمحاربة العنف ضد المرأة، خصوصا في ظل انتشار وتعدد أشكال العنف وخطورة استفحالها”.
ماهي مسوة مشروع القانون؟
مشروع قانون “كرامة” يأتي بحسب المسودة، “إيمانا بقيم الإسلام ومقاصده التي جاءت لتحمي قدسية الأسرة وتصون كرامة المرأة و الفتاة، واستلهاما للمبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.. يهدف هذا القانون إلى الوقاية من العنف ضد المرأة والفتاة، ووضع الإجراءت القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة”.
ويتضمن مشروع القانون 54 مادة تجرم كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وأنواع التحرش “في الفضاء العمومي أو غيره بأفعال وأقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية واضحة أو لأغراض جنسية واضحة بواسطة رسائل مكتوبة”، بحسب المادة 26.
وتقترح المادة ذاتها بهذا الخصوص، عقوبة “بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة عشرة آلاف أوقية إلى عشرين ألف أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار”.
مؤيدون ومعارضون
بعد الإعلان عن مسودة مشروع قانون “كرامة”، عاد الجدل من جديد بين مؤيد يرى أنه حان الوقت لإنصاف المرأة، وبين معارض يراه مخالفا للدين، كما حدث في 2017 و2018، حين صادقت الحكومة على “قانون النوع”، قبل أن يواجه بالرفض.
وخلال عام 2020، صادقت الحكومة على ذات المشروع في اجتماع استثنائي، لكنها لم تحله إلى الجمعية الوطنية.
خولة بنت حمدي تعمل تاجرة “مستحضرات التجميل” بأحد أسواق العاصمة نواكشوط، أبدت لموقع “سكاي نيوز عربية” رفضها لمسودة “كرامة”، معتبرة “أنها دخيلة”، وتتضمن بنودا ” تشجع على ما سمته “الانحراف”.
وأشارت إلى أن تجريم “التعبير عن المشاعر” و”التغزل”، سينعكس سلبا “على نفسية المرأة”، موضحة أن المرأة “تحتاج دائما إلى سماع ما يرفع معنوياتها”.
من جهتها، تقول الإعلامية المهتمة بحقوق الإنسان آمنة زيدان، إن مسودة مشروع قانون “كرامة” تعد مكسبا للحقوقيات في موريتانيا، رغم ضعف العقوبات التي أقرتها”.
وتضيف في تصريحها لموقع “سكاي نيوز عربية” أنها “دعمت مشروع القانون المذكور منذ عرضه للمرة الأولى”، مشيرة إلى أنه مطلب مهم “للناشطات في مجال حقوق المرأة”.
وتوقعت أن يضع “حدا لممارسات العنف التي ترتكب ضد المرأة والفتاة، من خلال التبليغ”، مبرزة أن “المرأة الموريتانية ضحية عدم وجود قوانين رادعة، تحمي وتصون حقوقها في المجتمع، وللثغرات القانونية، كما أنها ضحية لأشخاص يتبنون سلطة الرجل على المرأة”.
وأعرب أغلب المتفاعلين مع مسودة “كرامة” عن رفضهم لفكرة مشروع القانون، وشنوا حملات مناهضة له، لتعتبر الحكومة الموريتانية خلال اجتماعها الأخير، أن ذلك يعود إلى “حملة منظمة ضد مشروع القانون تأخذ بعض المعلومات من قوانين سابقة”، مشيرة إلى “أن القانون المذكور ما يزال مشروعا لم يعتمد بعد”.
وأكدت أن “الأشخاص المشرفين على إعداد مشروع القانون المذكور لا يمكن المزايدة عليهم في الدين أو الأخلاق أو القيم الاجتماعية”.
العنف موجود
المحامية عيشة السالمة المصطفى، أكدت لموقع “سكاي نيوز عربية” أن العنف ضد المرأة في موريتانيا بكل أنواعه، “موجود بشكل خطير”، مشيرة إلى أن وجود مشروع قانون رادع، “مطلب ملح لأخذ حقوق الضحايا، وحماية المرأة في المستقبل”.
وتقول المحامية: “الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل، تصدر كل عام تقريرا عن العنف وخاصة “الجنسي” وتحديدا في العاصمة نواكشوط، حيث سجلت 166 حالة منذ مطلع العام الجاري، و345 حالة خلال العام الماضي”.
هذا ويأتي التحسيس حول مسودة “مشروع قانون كرامة”، بالتزامن مع زيارة فريق الأمم المتحدة المعني بالتمييز ضد النساء والفتيات لموريتانيا، هي الأولى من نوعها.
وتستمر زيارة الوفد الأممي التي بدأت 22 سبتمبر الجاري، حتى يوم 6 من شهر أكتوبر المقبل، على أن يقدم تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو 2024.
وعقد الوفد الأممي الذي ترأسه مسكيرم جيسيت تيكاني، سلسلة لقاءات منفصلة، مع عدد من أعضاء الحكومة الموريتانية.
ومن المقرر أن يلتقي الوفد الأممي المؤسسات المستقلة، ومنظمات المجتمع المدني، والمسؤولين المنتخبين، ووكالات الأمم المتحدة، وغيرهم من المعنيين بالموضوع، قبل أن يعقد مؤتمرا صحفيا.
وقبلت الحكومة الموريتانية زيارة الوفد الأممي، عام 2020، بحسب مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني.