لماذا يفضل المغتربون العراقيون قضاء رمضان في بلدهم الأم؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

بغداد- “تعتقد والدتي أنه من الضروري اجتماع شمل الأسرة في بيت العائلة في شهر رمضان، حتى لو كنت أنا أحد المغتربين في الولايات المتحدة الأميركية، فلهذا الشهر خصوصية روحانية مميزة، ومثلما يحصل في عيد الشكر عند الغرب، نلتقي أنا وشقيقتي المغتربة في رومانيا لإكمال دراستها في العراق الأم”.

بهذه العبارات بدأ الخمسيني نافع الفرطوسي حديثه للجزيرة نت عن سبب قضاء شهر رمضان في العراق.

يقول الفرطوسي “نلتقي هنا في بيتنا العتيق مع إخوتنا وباقي أفراد العائلة، نتحلق حول السفرة الرمضانية، لنكتشف أن والدتنا قد هيأت لنا الباميا منذ الصيف الماضي وجمدتها لتكون جاهزة في أطباق الشهر الفضيل، ولكوني محبا للسمك لم تنس جلب صنف الزبيدي، والذي أشترته مخصوصا من مدينة الفاو”.

ويضيف “يكتمل لقاؤنا هنا في العراق، نتبادل الأحاديث والذكريات ونجترّ معاناتنا في الغربة، وما أسرع أن تنقضي أيام رمضان الثلاثون ليعود كل منا إلى انشغالاته وروتينه الحياتي المعتاد، دون نسيان تلك الليالي والأمسيات الجميلة في حضن الوطن والعائلة الأم”.

وعلى خلاف من يرغبون بقضاء شهر رمضان المبارك في بلدان أخرى تكون فيها ساعات الصيام أقل والأجواء أفضل، يرغب الكثير من العراقيين المغتربين بقضاء الشهر الكريم في بلدهم، نظرا للعادات والتقاليد الجميلة، ولمة الحبايب وجمع الشمل، حيث يتم تجديد العلاقات الاجتماعية وتعزيز الروابط الأسرية.

إجازة أكثر من شهر

أبو أحمد أبو كلل، المقيم في دبي، جاء إلى العراق قبل شهر رمضان، فهو يفضل أن يكون بين عائلته ووالدته وأولاده وأحفاده، طيلة شهر رمضان، وهو ما اعتاد عليه كل عام، ليبقى في بلده حتى نهاية عيد الفطر.

في الغربة وحدة، ولرمضان طعم خاص في بغداد وفي السماوة مدينة أبو أحمد جنوبي العراق. ويرى أبو كلل أن الطقوس في الشهر الفضيل تشجع على الصيام، وعند الإفطار تجتمع العائلة بكاملها حول المادة المتنوعة، وفي مقدمة الطعام التمر العراقي المتنوع وحساء الشوربة والحلويات المتنوعة.

وتتميز المائدة الرمضانية في العراق بتنوع وغنى المأكولات والتمور والحلويات والعصائر التي تقدم إلى جانب الأطباق الشهية المعروفة في رمضان، مثل الدولمة والشوربة وتشريب اللحم، والدجاج المشوي والكباب المصنوع في المنازل والسلطات العربية، والبقلاوة والزلابية والكنافة وعصائر الليمون والزبيب واللبن، وخبز التنور، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء لتناول الطعام سويا.

الزي البغدادي التقليدي والفوانيس في شهر رمضان، الجزيرة نت

العادات عامل جذب

تقول الباحثة الاجتماعية ندى العابدي “إن شهر رمضان الكريم في العراق وبكل شعائره وعاداته يشجع على الصيام خاصة بالنسبة للمغتربين، طالما يحرص العراقيون على عيش الأجواء الجميلة في كل مدن العراق بعد الشتات لفترات طويلة، خاصة وأن تلك العادات عامل جذب للعراقيين كي يسترجعوا ذكرياتهم، وذلك ينسحب على جميع بلداننا العربية”.

وتبين الباحثة في حديثها للجزيرة نت أن الصائمين العرب “يحرصون على ديمومة تلك العادات، رغم تطور التكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن اللمة العائلية تبقى مسيطرة على أجواء الشهر الفضيل من الطعام وصولا إلى أجواء العبادة الراسخة”.

وتعود تقاليد شهر الصوم في العراق إلى عصور قديمة، إذ يتمتع الشهر الفضيل بقيمة تاريخية كبيرة، وتحظى المدن العراقية الرئيسية بزينة رمضانية مميزة في الأسواق والشوارع، ويمكن للزوار الاستمتاع بجو رمضاني مميز، خاصة وأن العراق من الدول التي تكثر فيه الجوامع والحسينيات.

كما تتميز العراق بالطقوس الجميلة ما بعد ساعة الإفطار، ومنها صلاة التراويح، وتوافد المصلين إلى المساجد لأداء الصلوات والتراويح، وقراءة القرآن الكريم طوال الشهر، فيما تتميز المساجد في العراق بالزينة الرمضانية والإضاءات الجميلة التي تعطي جوا خاصا يدعو إلى التفاؤل والسكينة.

***داخليه**** الباحثة الاجتماعية د ندى العابدي، الجزيرة نت

صلاة التراويح في المساجد

وتعتبر صلاة التراويح واحدة من أهم العادات الرمضانية بعد الإفطار، لدى السنة، ويشاركهم الشيعة في هذا الأمر في بعض الأحيان، حيث تقام في المساجد القريبة، وهي لا تحتاج إلى دعوة أو أذان، بل تبدأ بعد الإفطار من خلال التسبيح والاستغفار عبر مكبرات الصوت.

الأربعيني أبو تقى القيسي من أهالي بغداد، يرى أن في صلاة التراويح راحة، بعد يوم صيام وبعد الإفطار، حيث تكون الأجواء في المسجد إيمانية وروحانية يكثر فيها الدعاء، خاصة وقد سافر للكثير من البلدان لعلاج ابنته المريضة، وهو يتمنى لها الشفاء في هذا الشهر الفضيل، ويشير إلى أن دعاءه لا يقتصر على ابنته وإنما لكل أمة الإسلام، ولكل مريض وعائلة مريض.

مسجد وضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني وسط بغداد، الجزيرة نت

عطاء العراقيين

وواحدة من أهم الأمور التي يعتبرها المسلمون في العراق واجبة هي مساعدة أو إطعام الفقراء والمحتاجين كما يعتبرون الشهر الكريم فرصة للعطاء، وتعزيز معاني الصدقة والتكافل الاجتماعي.

وتنظم بعض المساجد والحسينيات والأماكن العامة موائد إفطار جماعية، خاصة في مدينتي الأعظمية حيث مرقد الإمام أبو حنيفة النعمان، والكاظمية حيث مرقد الإمام موسى الكاظم، وكذلك مرقد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد. وعلى طول الشهر الفضيل، يتم تقديم الطعام للصائمين والمحتاجين مجانا، كما يتم تنظيم حملات لتوزيع المساعدات والسلال الغذائية للأسر الفقيرة في العراق.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *