عمّان- بعيدا عن الحديث في شؤون السياسة وطرح المواضيع الاجتماعية في التجمعات العائلية، هل فكرت يوما بالتحدث عن الصحة، وتحديدا التاريخ الطبي لأي شخص يرتبط بك عن طريق الدم، ويمكن أن يؤثر على صحتك.
في الواقع، قد تلعب الوراثة والعادات دورا، فأنت أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والمضاعفات الصحية التي تنتشر في العائلة، إذ إن وجود قريب واحد على الأقل من الدرجة الأولى مصاب بمرض ما قد يضاعف خطر إصابتك به.
لذا، فإن معرفة التاريخ الطبي لعائلتك تمنحك أنت وطبيبك فكرة أفضل عما قد يحدث لك، وفق ما يؤكده خبراء.
سجل طبي
من جهته، يعرّف اختصاصي الطب العام والجراحة الدكتور ثامر الشريفين التاريخ المرضي العائلي بأنه السجل الطبي لجميع المعلومات الصحية المتعلقة بالشخص وأقاربه.
ويتضمن التاريخ المرضي المعلومات الطبية من 3 أجيال من الأقارب، بما في ذلك الأطفال، والإخوة والأخوات، والآباء والأمهات، والعمات والأعمام، وبنات وأبناء الإخوة، وأبناء العم، والأجداد والجدات.
ويقول في حديث للجزيرة نت إن للعائلات خلفيات وراثية وبيئات وأنماط حياة متشابهة في كثير من الأحيان. ويمكن لهذه العوامل مجتمعة أن تعطي أدلة على الظروف المرضية التي قد تكون موجودة في الأسرة، وذلك من خلال ملاحظة أنماط الاضطرابات بين الأقارب والأفراد.
ويمكن للمتخصصين في الرعاية الصحية تحديد إذا ما كان الفرد أو أفراد الأسرة أو الأجيال القادمة في خطر متزايد للإصابة بحالة معينة، وفق المتحدث نفسه.
أهمية التاريخ المرضي للعائلة
ويقول الاختصاصي الشريفين إن أهمية التاريخ المرضي للعائلة تكمن في تحديد الأشخاص الذين لديهم فرصة أعلى من المعتاد للإصابة باضطرابات شائعة، مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطانات مثل سرطان الثدي وسرطان القولون ومرض ارتفاع سكر الدم من النوع الثاني.
ويضيف أن هذه الاضطرابات المعقدة تتأثر بمزيج من العوامل الوراثية، والظروف البيئية، وخيارات نمط الحياة.
ويمكن أن يوفر التاريخ المرضي للعائلة أيضا معلومات عن خطر الحالات النادرة الناجمة عن المتغيرات (الطفرات) في جين واحد، مثل التليف الكيسي ومرض الخلايا المنجلية ونزيف الدم.
وعلى الرغم من أن التاريخ المرضي للعائلة يوفر معلومات عن مخاطر مخاوف صحية محددة، فإن وجود أقارب يعانون حالة ما لا يعني أن الفرد سيصاب بهذه الحالة المرضية بالتأكيد، حسب الشريفين.
ومن ناحية أخرى، يشير الشريفين إلى أن الشخص الذي ليس لديه تاريخ عائلي للإصابة بالاضطراب قد يظل معرضًا لخطر الإصابة بهذا الاضطراب. لذا فإن معرفة التاريخ الصحي للعائلة يسمح للشخص باتخاذ خطوات لتقليل المخاطر التي يتعرض لها.
فحوصات متكررة
ويقول الشريفين إنه بالنسبة إلى الأشخاص المعرضين لخطر متزايد للإصابة ببعض أنواع السرطان، يوصي مختصو الرعاية الصحية بإجراء فحوصات متكررة لأعمار محددة، مثل التصوير الشعاعي للثدي أو تنظير القولون، بدءًا من سن مبكرة.
ويشجع مقدمو الرعاية الصحية أيضًا على إجراء فحوصات أو اختبارات منتظمة للأشخاص الذين يعانون حالة وراثية في أسرهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تغييرات نمط الحياة مثل اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والإقلاع عن التدخين تساعد عديدا من الأشخاص على تقليل فرص الإصابة بأمراض القلب والأمراض الشائعة الأخرى.
ويؤكد الشريفين أن أسهل طريقة للحصول على معلومات عن التاريخ الصحي للعائلة هي التحدث مع الأقارب بشأن صحتهم (هل واجهوا أي مشكلات صحية؟ ومتى حدثت؟)، وقد يكون التجمع العائلي هو الوقت المناسب لمناقشة هذه القضايا.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الحصول على السجلات الطبية والوثائق الأخرى (مثل الوفيات وشهادات الوفاة) في استكمال التاريخ الصحي للعائلة. ومن المهم الحفاظ على تحديث هذه المعلومات ومشاركتها مع مختصي الرعاية الصحية بانتظام.
خط الدفاع الأول
بدوره، يقول المستشار الأسري الدكتور منير عقل إن معرفة التاريخ الطبي ليس فقط لمساعدة الشخص نفسه، لكن يمكن استخدامه لتنبيه أفراد الأسرة الآخرين على احتمال إصابتهم بأمراض معينة، ويؤكد أن معرفة التاريخ المرضي لا تقدر بثمن في حالات الطوارئ، إذ يساعد الطبيب على التشخيص والعلاج بشكل أسرع وأدق.
ويضيف عقل “لا بد أن نؤكد أن معرفة التاريخ المرضي ما قبل الزواج يعتبر خط الدفاع الأول لتأمين الأسرة والحفاظ عليها، فإصابة أي من أفرادها بمرض ما سيؤثر بالسلب على سعادة واستقرار هذا الكيان الجديد”.
ويرى أنه رغم وجود سجل تاريخ مرضي للعائلة، فإنه “يُنصح بخضوع الطرفين المقبلين على الزواج إلى فحوصات معينة، مثل فحوصات الكشف عن الثلاسيميا والتهاب الكبد الوبائي والإيدز وبعض الأمراض الوراثية والمعدية”.
وتكمن أهمية هذا النوع من الفحوصات في تقييم الحالة الصحية لكل الأطراف قبل الزواج، وفق الدكتور عقل، “فالزواج حالة من التوافق والانسجام بين اثنين في الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية، لتنتج عنه أسرة سليمة وإنجاب أطفال أصحاء”.