تعز- “راتبي الشهري لا يكفي لشراء أدنى مقومات الحياة لأسرتي المكونة من 5 أفراد، نتيجة تدهور العملة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني”.
بهذه الكلمات يصف المعلم اليمني هشام التويجي وضعه الصعب الذي يعانيه منذ سنوات نتيجة تداعيات الحرب التي أثرت على مختلف القطاعات، بما في ذلك الكادر التعليمي.
التويجي يعمل معلما في إحدى مدراس تعز أكبر محافظات اليمن سكانا، يقول للجزيرة نت إنه “يتسلم راتبا قدره 90 ألف ريال يمني (نحو 47 دولارا) رغم إنه بدأ في التدريس قبل أكثر من 25 عاما”.
وأضاف الرجل الأربعيني أن “الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار أجبرت العديد من المعلمين على الذهاب إلى سوق العمل، في حين البعض منهم استعاروا متطوعين عوضا عنهم، يتم منحهم نصف راتبهم حفاظا على درجتهم الوظيفية”.
ويأتي حديث التويجي تزامنا مع اليوم العالمي للمعلم الموافق الخامس من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، والذي تحييه الدول كفرصة للاحتفال بالإنجازات والنظر في طرق كفيلة بمواجهة التحديات من أجل تعزيز مهنة التدريس.
وبالتزامن، يواجه معلمو اليمن واقعا بالغ التعقيد في وقت تعرض فيه القطاع التعليمي بالبلاد لدمار هائل في مختلف النواحي.
وحسب تقرير صادر عن البنك الدولي مطلع فبراير/شباط 2023 فإن “هناك أكثر من 2.4 مليون فتى وفتاة في اليمن في سن الدراسة لكنهم غير ملتحقين بالمدارس، كما يحتاج نحو 8.5 ملايين طفل في سن الدراسة الابتدائية إلى مساعدات إنسانية”.
وأضاف التقرير أن “النفقات المطلوبة لتوفير الغذاء وغيرها من المصروفات المرتبطة بالمدارس تؤدي إلى منع العديد من الأسر من إرسال أطفالها إلى المدرسة، بينما ثلث المنشآت والمرافق التعليمية في اليمن تعرض للأضرار أو للتدمير الكامل”.
ويواصل المعلم التويجي حديثه: “أصبح العديد من المعلمين القدامى متقاعدين عن العمل، ما سبب عجزا في الكادر، خصوصا مع غياب توظيف عناصر جديدة، بينما يضطر المعلمون الملتزمون في الدوام إلى تحمل حصص كثيرة لتغطية هذا العجز، خصوصا مادة اللغة الإنجليزية، ما يؤثر على الأداء المهني للمعلمين وبالتالي يخلق ضعفا في التحصيل العلمي لدى الطلاب”.
وأشار إلى أن “الأوضاع قبل اندلاع الحرب كانت مستقرة، وكان المعلم يستطيع الادخار من راتبه لبناء منزل لأسرته، أو شراء قطعة أرض، كما كانت تتوفر الكتب المدرسية والتعليم في واقع أفضل، لكن الآن أصبح الوضع مختلفا تماما، بحيث لا يستطع المعلم توفير أدنى مقومات الحياة لأسرته، بالإضافة إلى عجز كبير في الكتب المدرسية”.
ويختم التويجي حديثه: “نتمنى عودة الدولة بكافة أركانها ومؤسساتها الأمنية والخدمية والاقتصادية، وعودة القانون وأن نستطيع بناء مستقبل أجيالنا القادمة”.
دمار التعليم
بنبرة مليئة بالحزن والأسى، يقول ياسين سالم، الذي يعمل موجها تربويا في عدد من مدارس تعز، إن التعليم في بلاده” بات مدمرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى”.
وأضاف للجزيرة نت: “أعمل في حقل التعليم منذ عام 1992، لكن لم نمر أبدا بمثل هذه المرحلة الصعبة.. باتت حياة المعلم ونفسيته مدمرتين نتيجة هذا الوضع البائس”.
وتابع: “نعمل في بعض الأوقات في التوجيه (مراقبة أداء المعلمين) ونغض الطرف عن كل شيء.. فكيف نريد جودة في التعليم وراتب المعلم أصبح قرابة 100 ريال سعودي تراجعا من ألف ريال سعودي قبل الحرب؟!”.
انقسام سياسي يضر المعلمين
أثر الصراع بين الحكومة اليمنية والحوثيين على قطاع التعليم بشكل كبير، حيث انقطعت رواتب المعلمين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة منذ عام 2016 نتيجة نقل البنك المركزي إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، بينما يتواصل تسليم رواتب زهيدة للمعلمين في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة.
وفي السياق، يقول عبد الرحمن المقطري أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين بمحافظة تعز: “يوجد أكثر من 160 ألف معلم وتربوي في مناطق جماعة الحوثيين لم يصرف لهم رواتب منذ نحو 8 سنوات رغم وجود إيرادات موانئ الحديدة والاتصالات والزكاة وضرائب من كبار التجار”.
وأضاف للجزيرة نت: “في المقابل، يتسلم المعلمون في مناطق الحكومة رواتبهم الشهرية بصورة منتظمة، لكنها لم تعد تفي حتى بسداد الاحتياجات الضرورية لهم من مأكل ومشرب ودواء وسكن”.
ومحافظة تعز منقسمة جغرافيا وتقع بعضها تحت سلطة الحكومة اليمنية والبعض الآخر تحت نفوذ جماعة الحوثي، وكل طرف يوجه الاتهامات للآخر بشأن التسبب بتدهور أوضاع البلاد، بما في ذلك القطاع التعليمي.
ويشير المقطري إلى أن “كثيرا من حقوق المعلمين والتربويين لم تنفذ كالتسويات والبدلات المختلفة إضافة إلى أن ما تم صرفه من العلاوات السنوية ليس بالشكل المطلوب، ولم تصرف منذ عام 2021 وحتى نهاية عام 2023”.
ولفت إلى أن “الحرب دمرت العملية التعليمية وأضرت بالمعلمين والطلاب والمباني المدرسية، وحشدت الطلاب حتى الصغار منهم لجبهات الموت والخراب، ما أدى إلى تسرب كبير عن التعليم الأساسي والثانوي وغيره، إلى جانب حرمان المعلمين من رواتبهم وعدم الاهتمام بهم”.
وإضافة إلى ذلك يقول المقطري إنه “يوجد نقص في عدد المعلمين والمعلمات لأسباب كثيرة منها نزوح وتشريد آلاف المعلمين والمعلمات من محافظتهم ومناطقهم بسبب الحرب، وما ترتب عليها من تدمير للمساكن أو وقوع بعضها في مناطق تماس، بالإضافة إلى انتهاء خدمة آلاف المعلمين والمعلمات أو عجزهم ووفاتهم، وهذا أحدث عجزا في الميدان التربوي وخاصة مع عدم وجود توظيف جديد منذ أكثر من 10 سنوات”.
وذكر النقابي اليمني أن “الظروف المعيشية الصعبة أثرت على الأسر اليمنية وأصبحت تركز اهتمامها على المعيشة والأمن، وتركت الاهتمام بالتعليم وبات ما يقارب 3 ملايين طالب خارج مقاعد الدراسة”.
ودعا المقطري “الحكومة الشرعية بالتعاون مع المانحين إلى تحسين وضع المعلمين والتربويين، بداية بصرف بدل غلاء معيشة بشكل عاجل، وإعادة النظر في هيكل الأجور بما يتناسب مع الارتفاع الجنوني والمتصاعد في أسعار السلع الضرورية، إضافة إلى تنفيذ قانون التأمين الصحي للموظف ومن يعول لتخفيف العبء على المعلمين”.
من جانبه، يقول محمود طاهر، مدير إدارة الإعلام بمكتب وزارة التربية والتعليم في محافظة تعز، إن “المعلم يعد حجر الزاوية في العملية التعليمية، وأي تدهور في وضعه المعيشي يؤثر -بلا شك- سلبا على جودة التعليم”.
وأضاف للجزيرة نت “رغم هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها اليمن فإننا نجد شريحة واسعة من المعلمين -وهي مشكورة- متفانية في أداء رسالتها التعليمية والتربوية”.
وتابع المسؤول الحكومي: “نحن في مكتب وزارة التربية والتعليم على تواصل باستمرار مع السلطات ذات العلاقة لنقل شكاوى التربويين ومطالباتهم بزيادة الأجور والمرتبات بما يتناسب مع تكاليف المعيشة”.
“كما أننا نعمل على تشجيع المجتمع المحلي للقيام بدوره في دعم التعليم من خلال المبادرات التطوعية أو تمويل مساحة من احتياجات التربويين” وفق طاهر.
وشدد المسؤول التربوي اليمني على أن “معالجة قضايا المعلمين في هذه الظروف المعقدة تتطلب جهودا مشتركة من كافة الأطراف، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المحلي والمنظمات الدولية”.
معلمون متطوعون
ولتغطية العجز في الكادر، تحاول مدارس عدة جلب متطوعين من خريجي الثانوية العامة، ويقدم لهم مبالغ رمزية يتم خصمها من رسوم تسجيل الطلاب.
وتقول أم محمد، وهي معلمة متطوعة في مدرسة الثورة بريف تعز، للجزيرة نت إن “إدارة المدرسة تقدم حوافز مالية بسيطة للمتطوعات ضمن الحلول الرامية إلى حل مشاكل نقص الكادر التعليمي”.
وأضافت أنها بدأت التطوع في التدريس منذ أكثر من عامين، كنوع من الالتزام الأخلاقي والإنساني نحو الوطن في هذه الظروف الصعبة.
طلاب يشكون
وفي الوقت الذي يعاني فيه المعلمون من تدهور أوضاعهم، يشكو الطلاب أيضا من تراجع حاد في جودة التعليم.
ويقول أنعم هائل، وهو طالب في الصف الثالث الثانوي بمدرسة الفوز في محافظة تعز، إن “التعليم أصبح متدهورا منذ بدء الحرب جراء تقلص عدد المعلمين، وغياب الكتاب المدرسي، وانعدام الاهتمام بالتعليم من قبل المعلمين الرسميين، وتقليص عدد الحصص الدراسية”.
بدوره، يتضامن الطالب نصر عبد الله مع المعلمين في يومهم العالمي، قائلا: “يجب ألا ننسى أن المعلم اليمني يعيش ظروفا معيشية بالغة الصعوبة”.
وأضاف للجزيرة نت: “كيف نريد تعليما جيدا وراتب المعلم لا يكفي حتى لشراء الطحين والسكر، حتى إن البعض ترك عمله في التدريس بحثا عن فرصة عمل لتحسين ظروفه المعيشية”.