صيدا- “يا نايم وحّد الدايم.. يا نايم وحّد الله، قوموا على سحوركم، جايي رمضان يزوركم”، العبارة التقليدية التي ورثها المسحراتي محمود فناس عن والده، أول مسحراتي في صيدا منذ أكثر من نصف قرن، وهو يكررها يوميا خلال شهر رمضان في صيدا القديمة جنوب لبنان ليوقظ النائمين على السحور.
داخل بيته التراثي الذي يحمل عبق الماضي، يجمع فناس مجموعة من الطبول والصنوج وغيرها من الآلات التي ورثها عن والده، والتي يستخدمها المسحراتي عادة لإيقاظ الناس، بما يتلاءم مع روحية هذا الشهر الفضيل الذي ينتظره المؤمنون بفارغ الصبر كل عام.
مهمة المسحراتي
يرتدي فناس عباءة بيضاء طويلة، ويضع شالا وقبعة خضراء، ويحمل معه طبلة نحاسية، وإلى جانبها يحمل فانوسا صغيرا ليرى الطريق أمامه في الليل وسط الأزقة الضيقة بين المنازل المتلاصقة في الحارات القديمة التي تتشكل منها صيدا القديمة.
بين بيوتها الشعبية، تبدأ مهمة المسحراتي فناس قبل نحو ساعتين من موعد أذان الفجر، حيث تستمر جولته نحو ساعة. يحمل معه طبلة، ينقر عليها بلسان جلدي فتبعث رنة توقظ النائمين، ويصدح صوته الجهور بأبيات دينية هي أقرب إلى الموشحات تدعو للاستيقاظ، فيبدأ فناس بتنبيه السكان بموعد السحور ليتناولوه قبل صلاة الفجر.
قصة فناس مع مهنة المسحراتي
يروي فناس قصته مع هذه المهنة للجزيرة نت، ويقول “منذ 6 سنوات وأقوم بهذه المهمة التي أعشقها، كنت أرافق والدي -رحمه الله- وهو يوقظ الناس للسحور، وعندما توفي عام 2018 واصلت مسيرته بلا انقطاع حتى اليوم”.
ويضيف “تعود مهنة المسحراتي إلى عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- حيث كان المؤذن بلال بن رباح أول من قام بهذه المهمة. ومنذ ذلك الحين، انتقلت هذه العادة إلى مصر، ومنها انتشرت إلى معظم الدول العربية، ومن بينها لبنان ومدينة صيدا تحديدا”.
قادم من عكا
ويفتخر فناس بأنه ورث مهنة المسحراتي “أبا عن جدّ”، حيث كان جده في صغره يمارسها في مدينة عكا الفلسطينية قبل أن تنتقل هذه العادة إلى والده، الذي انتقل إلى مدينة صيدا وعمل مسحراتيا.
ويؤكد فناس للجزيرة نت أن مهمته تتطلب إيمانا بأنها خدمة للمجتمع، ويشير إلى أنه يحظى بمحبة وتقدير من أبناء حيه لما يقوم به. ويضيف “حتى الآن، الناس حريصون على تذكر مهنة المسحراتي، لأنها تمثل جزءا من مظاهر البهجة المرتبطة بطقوس الشهر الفضيل”.
“نكهة رمضان”
وبحسب فناس يعتبرونه “نكهة رمضان”، حيث يخرج بعضهم إلى الشرفات لرؤيته والترحيب به، في حين ينتظر بعضهم الآخر مع أولاده في الحارات للانضمام إليه في جولته.
في رمضان هذا العام حضرت الحرب الإسرائيلية على غزة وجرحها النازف على لسان المسحراتي في أزقة صيدا، حيث يردد فناس هتافات تضامنية مع غزة والقدس، ويُبدي دعمه وتقديره لهم بكل مديح. يقول “في هذا الوقت الفضيل، يجعلون من التضحية والشهادة لأهل غزة مصدرا للتقدير والتضامن”.
ورغم كثرة التساؤلات عن دور المسحراتي في هذه الأيام، في ظل تقدم التكنولوجيا وسيطرتها، يصر فناس على التمسك بهذه العادة ليحافظ على بقائها، ولذلك يعمل على نقل “المسحراتي” إلى ابنه كما اكتسبها هو من والده الذي ورثها عن جده أيضا، بهدف عدم اندثار هذه العادة بشكل خاص من صيدا وبشكل عام من لبنان.
مهمة تطوعية
وكون الدخل الذي يحصل عليه فناس من عمله مسحراتيا في غاية التواضع، يقسم وقته بين محله لبيع الهدايا والألعاب داخل صيدا القديمة خلال النهار، ويقضي 3 أيام في الأسبوع مع فرقته “بلابل الذاكرين” في تقديم عروض وموشحات في أحد مطاعم المدينة، ويختم يومه بمهمة التسحير التطوعي لينام بعد صلاة الفجر، ويبدأ يوما جديدا.
ويقول “لا أشعر بالتعب من هذه المهمة التطوعية، ولا أتقاضى أجرا مقابل دعوة الناس للسحور، ولكن الناس بطبيعتهم ووفقا لعاداتهم يقومون بإكرامي مع نهاية الشهر وخلال عيد الفطر المبارك”.