“ستظل تتحمل وتتجاوز حتى تصل إلى اللحظة التي تجد نفسك خلالها تبكي لأن أحدهم قدّم لك كوبًا من الشاي دون مقدار السكر الذي تُفضّله”. انتشرت هذه الدعابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشاركها العديد من الأشخاص، وبغض النظر عن روح السخرية والدعابة التي تحملها المقولة السابقة، إلا إنها تشرح بوضوح المقصود بالعبء العاطفي أو الأمتعة العاطفية، والذي يُمكنك التعرّف عليه أكثر من خلال متابعة السطور التالية.
أن تكون ممتلئًا بالمشاعر السلبية
يوضح موقع “فيري ويل مايند” أن مصطلح العبء العاطفي والذي يُطلق عليه أيضًا اسم “الأمتعة العاطفية” (Emotional Baggage) يشير إلى المشكلات العاطفية والضغوطات ومشاعر الألم التي مررنا بها سابقًا، ولم تتم معالجتها، وهو الأمر الذي يجعلها لا تزال تشغل مساحة في أذهاننا وتؤثر على حاضرنا بمختلف جوانبه.
تؤكد سابرينا رومانوف، طبيبة نفسية سريرية وأستاذة في جامعة هارفارد، على أن العبء العاطفي يمكن اعتباره في الأساس صدمة “غير معالجة”. جميعنا نمر بتجارب سلبية وأزمات وصدمات خلال حياتنا، المشاعر التي لم تتم معالجتها أو التعامل معها لن تختفي من تلقاء نفسها، بل سيظل الشخص يحملها بداخله وفي قلبه.
يُشير موقع “سيكولوجي توداي” إلى أن العبء العاطفي الذي يُعاني منه الكثيرون يمكن أن يتضمن المشكلات العاطفية التي لم يتم حلها منذ مرحلة الطفولة، بما في ذلك الصدمات الحادة، والإيذاء الجسدي، والنفسي، أو الجنسي، والضغوطات المستمرة، والمشكلات الأسرية، وغيرها من التجارب السلبية التي تشكل مواقفنا وعواطفنا وسلوكنا وتؤثر بشكل ضار على حياتنا الحالية.
التجارب السلبية المبكرة والأفكار والعواطف والسلوكيات المرتبطة بها تصبح راسخة في اللاوعي الخاص بك مثل “أمتعتك”. لذلك سُميت هذه المشاعر بالأمتعة العاطفية، هذه المشاعر بمثابة قوى خفية تشكل حياتك، وتدفعك للسير في اتجاه غير صحي.
تشمل الأمثلة على الأشكال الشائعة من العبء العاطفي: تدني احترام الذات، السعي إلى الكمال، الخوف المرضي من الفشل، الخوف من العلاقة الحميمة، النقد الذاتي المبالغ فيه. ووصولًا إلى المعاناة من الاضطرابات العقلية الخطيرة.
عبء ثقيل لا تعرف أسبابه
المشكلة الأساسية هنا هي أن البعض قد لا يدركون أنهم يعانون من العبء العاطفي، لأن عملية تخزين المشاعر هذه عادة ما تكون غير واعية، نحن ندرك هنا فقط أننا كثيرًا ما نفكر ونشعر ونتصرف بطرق سلبية ومدمرة للذات. وعندما نبدأ في التنقيب عن سبب قيامنا بهذا، فإننا سنصل إلى كم المشاعر والمواقف السلبية المدفونة في لاوعينا، والتي تمثل عبئنا أو أمتعتنا العاطفية.
من الأعراض التي تُشير إلى إصابتك بالعبء العاطفي ما يلي:
انعدام الثقة: قد تستخدم تجارب الماضي المؤذية كقالب أو دليل لما يمكن توقعه في علاقاتك الحالية.
الغضب: مشاعر الغضب الناتجة عن التعرض لصدمة ما، خلال الطفولة، والتي لم يتم حلها أو علاجها، يمكن أن تؤثر بشدة على قدرتك على التعامل مع مشكلات الحياة اللاحقة بطريقة صحية، هذا الغضب يسهل استثارته، وقد تم ربطه بالعديد من اضطرابات الصحة العقلية لدى البالغين.
الخوف: غالبًا ما يكون الخوف علامة على العبء العاطفي. فقد يؤدي الخوف من تكرار التجارب المؤلمة مرة أخرى إلى الرغبة في العزلة والانغلاق العاطفي.
الشعور بالذنب والندم: قد يولد العبء العاطفي، شعورًا دائمًا بالذنب أو الندم، مما قد يؤثر على الصحة العقلية ويؤدي إلى أعراض القلق والاكتئاب.
ردود الفعل العنيفة: وجود ردود فعل عاطفية مُبالغ فيها بشدة تجاه بعض المحفزات أو المواقف يمكن أن يدل على المعاناة من العبء العاطفي.
كيف يمكنك التعامل مع العبء العاطفي؟
مما يمكنك فعله للتعامل بفعالية مع الشعور بالعبء العاطفي، ما يلي:
تطوير الوعي الذاتي: يمكن أن تساعدك اليقظة الذهنية في تحديد وفهم العبء العاطفي، لأن الوعي الذاتي يجعلك مدركًا لمشاعرك وأفكارك ومتناغمًا معها. هنا يجب إلقاء نظرة تحليلية على الاتجاه الخاطئ الذي تسلكه بسبب شعورك بالعبء العاطفي، وتحديد كيف يؤثر ذلك على سعادتك وصحتك العقلية والجسدية وعلاقاتك وتطلعاتك.
تغيير طريقة التفكير: قد يزداد الشعور بالعبء العاطفي حدّة، عندما تتصور أنك وحدك في الحياة من يتعرض للأذى، هنا يجب أن تغير من طريقة تفكيرك، قد يكون من المفيد أن تتذكر أن الجميع تقريبًا قد تعرضوا للأذى أو المعاملة السيئة في مرحلة ما من حياتهم، وأن ما يفرق شخصًا عن الآخر بشكل إيجابي هو عدم الاستسلام ومحاولة التطور والتعلم من التجربة.
التركيز على الحاضر: يميل الأشخاص الذين يعانون من الصدمات التي لم يتم حلها إلى التفكير المستمر في تجاربهم السلبية السابقة، من المهم أن تدرك وتحدد متى تستجيب لحاضرك من خلال عدسة الماضي ومتى يكون عليك التركيز بشكل كامل في الحاضر فقط وعيش اللحظة الحالية.
عدم إنكار المشاعر السلبية: سيكون عليك أيضًا أن تعترف بتجربتك المؤلمة ومشاعرك السلبية التي نتجت عنها، هذا الاعتراف بالغ الأهمية، لأن إنكار المشاعر السلبية لن يؤدي إلا إلى تضخيمها.
ممارسة الرعاية الذاتية: تناول الطعام الصحي المتوازن واشرب الكثير من الماء، واحصل على قدر كاف من النوم المريح كل ليلة، ذلك لأننا عندما نشعر بالجوع أو الجفاف أو الإرهاق الناتج عن الأرق، فمن المرجح أن نتفاعل مع الأشياء بشكل عاطفي زائد عن الحد وغير متناسب مع حجمها الواقعي.