يتحدث طفل فلسطيني ناجٍ عن آخر لحظاته برفقة عائلته قبل قصف الاحتلال لمنزلهم في خان يونس في قطاع غزة، قائلا “كنا قاعدين بنتعشى (نتناول العشاء) ونزل الصاروخ علينا”.
ويواصل بحرقة وآثار القصف بادية عليه “حضرنا الطاولة وأختي تحكي مع خالي وتبتسم، سمعت صوت الصاروخ وظننته على بيت ثاني (آخر)، أنا وضعت يدي على رأسي، وتشهدت؛ أشهد أن لا إله إلا الله..”.
وبهذا لم يفقد الطفل وجبته اليومية الوحيدة فحسب، بل فقد إخوته الذين ردد أنهم “المشكلة كلهم صغار.. كلهم صغار”، وفقد عائلته، كما فقد بيته أيضا.
وجبة واحدة يوميا قوامها الجبن والزعتر، هذا كل ما يستطيع الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة تناوله بفعل الحصار الخانق الذي أحكمته عليهم إسرائيل، بالتزامن مع قصفها المدمر على منازلهم.
تلك الحرب المستمرة منذ 19 يوما تسببت بشح كبير في المواد الغذائية والمياه والطحين، ما ضاعف المعاناة الإنسانية التي يعيشها أصلا سكان القطاع بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 2006.
كل ما يحلم به الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة هو أن تنتهي الحرب الإسرائيلية المدمرة، وأن يعيشوا بسلام وأن يتوفر لهم الطعام والشراب دون معاناة.
مياه مالحة وملوثة
يمشي الأطفال عشرات الكيلومترات على الأقدام أحيانا في سبيل توفير القليل من الماء للشرب (رغم ملوحته)، في ظل ندرة المياه بعد أن قطعتها إسرائيل عن القطاع.
وتقول وزارة الصحة في قطاع غزة، إن سكانه يشربون مياها ملوثة، ما أدى لظهور حالات إسهال لدى الأطفال في مراكز الإيواء التي تضم آلاف الفلسطينيين.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قرر في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فرض “حصار شامل” على غزة، معلنا أن “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود (سيصل للقطاع)”، وفق ما نقلته القناة 13 الإسرائيلية.
يقول عبد اللطيف بكر (11 عاما) للأناضول، “لا ماء لدينا ولا طعام، نعاني في الوصول إلى مياه الشرب، وحتى إذا حصلنا عليها نجدها مالحة”.
وأضاف “نعدّ الخبز على الكرتون والقليل من الحطب، فلا يوجد غاز للطهي، لا يوجد شيء نأكله، (مسحوق) الزعتر، والدقة (دقيق القمح مضاف إليه بعض التوابل) فقط، ونأكل وجبة واحدة فقط يوميا”.
يشتهي هذا الطفل الفلسطيني أن يأكل طعاما يحتوي على شيء من اللحم أو الدجاج، كما يتمنى أن تنتهي الحرب الإسرائيلية على القطاع.
يقول، “بيتنا تضرر بسبب القصف -الذي تنفذه المقاتلات الإسرائيلية يوميا- أتمنى أن أعود للعب مع أصدقائي، لكن القصف والدمار وهدم البيوت في كل مكان”.
وتفتقر عائلة عبد اللطيف بكر لأدنى مقومات الحياة، فلا ماء ولا غذاء ولا فراش لديهم، ولا تستطيع توفير الطعام والماء باستمرار، إذ نفدت أموالها.
ويقول مجدي الهسي (12 عاما) للأناضول، “الحياة صعبة بنلم (نجمع) الكراتين والحطب لنعمل (نعد) الخبز على النار”.
وأضاف “الاحتلال الإسرائيلي دمرنا لا مياه ولا كهرباء ولا أكل (طعام)، نأكل الزعتر أو الجبنة، والشطة (الفلفل الحار المهروس) من قلة الأكل، فلا يوجد دجاج ولا لحوم، ونأكل مرة واحدة فقط في اليوم”.
وتمنى مجدي أن “تنتهي الحرب ليتناول وجبته المفضلة، وهي السمك”، كما يقول، وأشار إلى أنهم “يقطعون مسافات طويلة للحصول على بعض المياه”.
ويحلم الطفل مجدي أن تنتهي الحرب، وألا يخسر أحدا من أصدقائه أو أحبابه، وأن يعود ليلعب ويأكل ما يشتهي.
أزمة المخابز
ويواجه الفلسطينيون في قطاع غزة أزمة في الحصول على الخبز من المخابز، في ظل شح الطحين بالقطاع بسبب الحرب الإسرائيلية.
ويصطف المئات من سكان القطاع ساعات طويلة على أبواب المخابز، التي يعمل منها عدد قليل فقط، بعد إغلاق العديد منها بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وعدم توفر الطحين.
ولا يسمح أصحاب المخابز للفرد الواحد بأكثر من كيلوغرام واحد من الخبز، حتى يتسنى إعطاء أكبر قدر من العائلات.
بينما قال محمد بكر (16 عاما) للأناضول، “نسمع أصوات انفجارات عنيفة في كل مكان، أطفال يموتون ونساء تقتل، الحياة صعبة”.
وأضاف ،”نأكل الجبن أو الفول المعلب أو الزعتر، ولا نستطيع أن نأكل ما نتمنى، تعبنا من الحرب، نعيش بتوتر ويمكن أن نستشهد بأي لحظة”.
ويتمنى محمد بكر أن “لا يفقد أحدا من أحبائه أو عائلته بفعل الحرب، وأن يعيش بحرية، ويصلي بالمسجد الأقصى”.
ويعاني سكان غزة (نحو 2.2 مليون فلسطيني) من أوضاع معيشية متدهورة للغاية، جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.
والأحد الماضي، دعت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى توفير خط إمداد مستدام بالمساعدات الإنسانية لتجنب “كارثة” في قطاع غزة.
وقال مدير عمليات “أونروا” في غزة توماس وايت، في تصريحات صحفية، إن “وضع الإمدادات الإنسانية فظيع ومحدود جدا، والغذاء والمياه أصبحا نادرين”.
وأضاف وايت “نحن بحاجة لخط إمداد مستدام من المساعدات لتجنب وقوع كارثة في القطاع”.
المصدر : الجزيرة + الأناضول + مواقع التواصل الاجتماعي