توصلت الأبحاث إلى أن الجلوس لأكثر من 8 ساعات يوميا، والقيام بمهام تستهلك قدرا ضئيلا من الطاقة؛ كالأعمال المكتبية أو استخدام الحاسوب، أو القراءة، أو مشاهدة التلفاز؛ “يزيد في خطر الإصابة بالأمراض المزمنة؛ كالسكري والقلب والأوعية الدموية، وآلام الظهر والمفاصل، وزيادة الوزن والسرطان، وحتى الموت المبكر”.
وبما أن نمط الحياة العصرية يقتضي قضاء الناس معظم يومهم جالسين (على سبيل المثال، يقضي البالغون الأميركيون حوالي 8 ساعات يوميا جالسين)، باستثناء بعض المشي من المنزل إلى السيارة أو الحافلة، أو الذهاب والعودة من العمل، أو لزيارة الأصدقاء أو المطاعم، فإن كثيرين يحاولون تجاوز تبعات نمط الحياة الخامل، من خلال المواظبة على التمارين الرياضية.
إلا أن الأستاذ المساعد في الطب السلوكي بجامعة كولومبيا الدكتور كيث دياز، أكد أن التمارين الرياضية المنتظمة وحدها، “لا تفعل كثيرا لتعويض الآثار السلبية للجلوس لفترات طويلة”؛ حيث أوضح موقع “فوكس”، أن “العضلات التي تكون نشطة أثناء التمرين، تعود للانكماش مرة أخرى عندما لا نستخدمها”.
يقول أخصائي العلاج الطبيعي سكوت كابوزا، إن “عضلات الساق تكون في وضع قصير عند الجلوس، مما قد يؤدي إلى تصلب وألم وصعوبة في الحركة”، وأضاف مُحذرا من أننا “عندما نجلس لفترات أطول، لا نؤدي أي نوع من نشاط القلب والأوعية الدموية؛ مما يجعل الجلوس غير مناسب للقلب والرئتين والدورة الدموية”.
ساعة واحدة فقط هي الحد الأقصى للجلوس
يقول الخبراء إن الحد الأقصى من الوقت الذي يمكن يقضيه الإنسان جالسا يجب ألا يتجاوز ساعة واحدة، بعدها لا بد من النهوض من المقعد مرة واحدة كل ساعة على الأقل، “لتعويض الآثار السلبية للجلوس لفترات طويلة”.
وقد وجدت دراسة أجريت في 2023، وشارك فيها دكتور كيث دياز، أن “5 دقائق من المشي الخفيف كل نصف ساعة، يمكن أن تساعد في تقليل بعض مخاطر الجلوس”.
فَكّر في طريقة لتذكيرك بالنهوض والتحرك
“لا تتجاهل التيبس أو الخمول، أو تعتقد أن وجع العضلات يُعالج بمزيد من الراحة؛ بل هو إشارة لضرورة النهوض والتحرك”، كما يقول دكتور دياز الذي لاحظ أن الاجتماعات المتتالية، أو المحتوى الممتع على الإنترنت، قد تُبقينا ملتصقين بمقاعدنا لساعات متواصلة، دون أن نشعر؛ حيث وجد أن معظم المشاركين في الدراسة، نسوا حتى مجرد الوقوف من مقاعدهم.
مما جعله يقترح الاستعانة بإحدى الساعات الذكية، أو أجهزة تتبع اللياقة البدنية، للتذكير بوقفات النهوض والحركة، بمعدل كل 30 إلى 60 دقيقة. أو ربط النهوض باعتياد معيّن، يعطي جسمك إشارة عندما يجب عليك التحرك؛ مثل:
- الوقوف عند نهاية كل محادثة، للحصول على بعض الحركة.
- جعل الانتهاء من تقديم عرض، أو إنجاز أمر ما، فرصة لاقتناص نزهة قصيرة.
- تصغير زجاجة المياه، للنهوض لملئها كلما فرغت.
أما سكوت كابوزا فيوصي بضبط منبه الهاتف، أو وضع ملصق بجوار شاشة الحاسوب، “للتذكير بالوقوف بالمعدل نفسه”.
تحايل للحصول على مزيد من الحركة
سواء كنت تعمل في المكتب أو المنزل، يقترح سكوت كابوزا “بمجرد نهوضك من مقعدك، أن تتحايل على جسمك ببعض الحركات منخفضة الجهد، لكنها مفيدة في تقليل مخاطر الجلوس؛ مثل:
- ملء زجاجة المياه من مكان أبعد.
- الذهاب إلى حمام في طابق آخر.
- الاستفادة من وقت المكالمات الهاتفية في التمشية، أو إفراغ غسالة الأطباق.
- إيقاف السيارة في نقطة أبعد بموقف السيارات.
- النزول من المواصلات قبل محطة أو اثنين، والمشي إلى العمل، (إذا كان الوقت والطقس يسمحان).
كما يُذكّر دكتور بيرتون كوجيل، الأستاذ المساعد في كلية الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا، بتقنية “الاجتماع سيرا على الأقدام” (اجتماع يتم على شكل تمشية، بدلا من عقده في مكتب، أو غرفة اجتماعات) قائلا، “إنها تشجع على مزيد من الحركة أثناء العمل، رغم أنها متخصصة نسبيا”.
تحرك حتى أثناء الجلوس
يتفق كوجيل وكابوزا على أن التململ، والنقر بأصابع القدمين، ولفّ الكتفين، ورفع الكعب والكاحل، وتمديد الساقيين؛ “يمكن أن يحافظ على مرونة مفاصلك”. كما تشمل الحركات السهلة الأخرى، التي يمكنك القيام بها على مكتبك، أو أمام التلفاز:
- تمرين القرفصاء العادي، سواء بالاستناد إلى الكرسي أو دونه.
- تمارين الضغط على الحائط.
- تحريك الجزء العلوي من الجسم، كرفع الذراعين فوق الرأس وعلى الجانبين.
يقترح دكتور دياز -كذلك- ركوب دراجة ثابتة، أو استخدام أشرطة المقاومة كلما أمكن.
من الأفضل أن تكون حركتك قوية
رغم أن أي قدر من الحركة، حتى مجرد الوقوف ولمس أصابع قدميك أفضل من الجلوس لفترات طويلة؛ يقول دكتور دياز وزملاؤه “إن 5 دقائق من المشي البطيء، أكثر فعالية لتقليل الآثار السلبية للجلوس، من دقيقة واحدة من المشي البطيء”. لكن دياز يُضيف قائلا “إذا لم يكن لديك إلا دقيقة واحدة فقط، فاحرص أن تكون حركتك أقوى وأكثر كثافة” بطرق؛ مثل:
- المشي السريع.
- صعود ونزول السلالم.
- القيام بالأعمال المنزلية.
- اللعب مع الأطفال في نهاية يوم العمل بدلا من الاستلقاء فوق الأريكة.
تأكد من اتخاذ وضعية جلوس جيدة
لأن وضعية الجلوس الصحيحة تُعدّ أمرا مهما “لتجنب آلام الرقبة وأسفل الظهر”، حسب كابوزا.
- تأكد من أن الوركين والحوض أعلى قليلا من ركبتيك.
- أن قدميك على الأرض مع توزيع الوزن بالتساوي بينهما، دون رفع أحدهما على كرسي أو مسند.
- أن وزنك موزّع بين حوضك وقدميك لتخفيف الضغط عن ظهرك، (لا تغطس في كرسيك فينتقل وزنك لحوضك ووركيك).
- تأكد من أن شاشة الحاسوب في مستوى العين، بحيث تنظر للأمام مباشرة وليس للأسفل، (اجلس على بعد 45 إلى 60 سم من الشاشة).
- حاول ألا تنحني للأمام، أو ترفع كتفيك.
- لا تعمل على مكتب واقفا، (يحذّر كوجيل من أن الوقوف لفترة طويلة قد يُسبب مشكلات).
وأخيرا، “يجب أن تجعل الحركة بكل أشكالها، هدفا أساسيا لك قدر الإمكان طوال ساعات استيقاظك، وعلى مدار الأسبوع، وليس أيام العمل فقط، خاصة إذا كان لديك وظيفة مكتبية”؛ ومع انتهاء يومك، يمكنك التركيز أكثر على الراحة، “حيث تحتاج أجسامنا إلى الراحة والتعافي من الأوقات والمجهودات والضغوط العصيبة”، حسب دكتور دياز.