ورغم أن تونس بادرت منذ سنوات بوضع قوانين أساسية لتجريم كل أشكال العنف المادية والنفسية والجسدية ضد النساء إلا أنها لم تكن كافية لردع المعنفين حيث ظلت المحاكم تستقبل آلاف الشكاوى من النساء المعنفات، أكثرها مازال معلقا بين أروقة المحاكم دون البت فيها.
ويشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة اختارت هذه السنة أن يكون شعار اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد المرأة في 25 من نوفمبر، وفي كل بلدان العالم “لا عذر”, حيث تصنف المنظمة العنف ضد النساء شكلا من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر شيوعا في العالم وتبين آخر تقديراتها أن 736 مليون امرأة، أي واحدة من كل 3 نساء تقريبا، وقعن ضحايا للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن.
قتيلات العنف الزوجي تعرضن لمسار من العنف
وفي تونس التي شهدت في الأشهر الأخيرة تفاقما لجرائم قتل النساء، أطلقت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أكثر المنظمات الحقوقية نشاطا في مجال حقوق النساء، حملة واسعة للتنديد بقتل النساء في تونس.
ونظمت الناشطات النسويات محكمة صورية لعرض تفاصيل هذه الجرائم وأسبابها والتأكيد على عدم إنصاف الضحايا وأسرهنّ في عديد الحالات، وانتصبت المحكمة الصورية بحضور العائلات والمجتمع المدني لإحياء ذكرى القتيلات ولفتح المنابر أمام قصصهن وما خلفته من مأس عائلية.
وقالت رئيسة المحكمة الصورية للنساء ضحايا جرائم القتل والناشطة النسوية هالة بن سالم في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية إن جرائم قتل النساء هي “جرائم كراهية” تسلط على الضحايا أمام تراخي الدولة في حسم القضايا قانونيا رغم صدور القانون عدد 58 لسنة 2017 الذي يجرم العنف ضد النساء.
وأكدت النسوية أن بطء مسار التقاضي يشجع على تجاهل خطورة ممارسة العنف في المجتمع ويعطي انطباعا بالتساهل والتبرير لجرائم قتل النساء، كما أن المجلة الجزائية في تونس لا تصنف جرائم قتل النساء جرائم ذات خصوصية ولا تفردها بظروف تشديد.
واعتبرت هالة بن سالم أن القانون 58 يحتاج لوضع الميزانيات اللازمة ولإرادة سياسية لتفعيل كل فصوله خاصة منها المتعلقة بإجراءات الوقاية والحماية والإحاطة النفسية والقانونية والمادية بالنساء المعنفات خاصة وقد بينت كل الدراسات أن كل جرائم قتل النساء حصلت بعد تعرضهن للعنف أكثر من مرة دون أن تتمكن الدولة من توفير الحماية لهن.
معاناة عائلية تورث للأبناء
ومن جهته تحدث شقيق إحدى الضحايا جلول مثلوثي في تصريحات للموقع عن ظروف قتل شقيقته في عام 2020 على يد زوجها الذي اعتدى عليها بمطرقة بعد أن أخرج أبناءهما من المنزل قائلا إن القتيلة تعرضت للعنف أكثر من مرة وقدمت عديد الشكاوى دون جدوى وأنه كان يشجعها على الطلاق قبل أن تواجه مصيرها المؤلم الذي شتت كل أفراد العائلة وأثر في نفسية أطفالها الأربعة بعد موت الأم وسجن الأب.
واعتبر جلول أن الحكم بالمؤبد على الجاني لم ينه مأساة العائلة حيث تركت القتيلة أطفالها أمام مصير مجهول ووضعية نفسية هشة كما تسببت الخلافات الحادة بين عائلة الضحية وعائلة الجاني بعد وقوع الجريمة في حرمان الأبناء من رؤية عائلة والدتهم.
وحدثتنا زهرة العجيلي، والدة الضحية سنية، أنها رغم مرور 14 عاما لم تنسى لحظة حدثها حفيدها البالغ من العمر 3 سنوات عن مشهد قتل ابنتها الوحيدة بيد زوجها الذي عمد إلى ذبحها ثم تقطيع جثتها والتنكيل بها قبل دفنها في حديقة البيت.
وأضافت زهرة أنها بحثت عن فقيدتها قرابة السنة دون مساعدة أمنية قبل اكتشاف مكان دفنها في حديقة البيت وأنها كانت تواجه الوصم الاجتماعي والطعن في شرف ابنتها الراحلة قبل اكتشاف الجريمة وإلقاء القبض على الزوج الجاني لأن المجتمع كثيرا ما يتهم المرأة حتى وإن تعرضت للظلم والعنف داخل بيت الزوجية.
وقالت زهرة إنها تشعر بالندم عن كل مرة حدثتها فيها ابنتها عن عنف زوجها وطالبتها فيها بالعودة إلى بيت الزوجية والصبر على معاملته السيئة.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة والمسنين أوضحت في بيان لها أنها حريصة على تقييم الإجراءات والتّدابير المتّخذة للقضاء على كل أشكال العنف المسلّط على النساء والفتيات وتوحيد جهود المناصرة وحشد الوعي الجمعي وخلق رأي عام مساند لمقاومة العنف والتّمييز ضدّ المرأة بما من شأنه أن يساهم في الحدّ من تفشّي الظاهرة والتقليص من حدّة خطورتها على الأفراد والأسر والمجتمعات.
وذكرت وزارة الأسرة أن عدد مراكز التّعهّد بالنّساء ضحايا العنف والأطفال المرافقين لهنّ ارتفع من مركز وحيد سنة 2021 إلى 12 مركزا خلال سنة 2023.