واشنطن بوست: شركات كبرى تدفع لخبراء تغذية لتشجيعك على تناول السكر

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

محمد صلاح

كشف تحقيق أجرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، بالتعاون مع غرفة أخبار “ذا إكزامينيشن” المتخصصة في إعداد تقارير الصحة العالمية، أن كبرى شركات صناعة الأغذية والمشروبات والمكملات الغذائية، تدفع أموالا لعشرات من اختصاصي التغذية “المؤثرين”، ممن لديهم ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض الشخصيات المؤثرة في مجال اللياقة البدنية، مقابل المساعدة في الترويج إلى منتجات هذه الشركات، بنشر محتوى يشجع الناس على تناولها، ويقلّل من مخاطرها الصحية المحتملة.

وأتاحت تلك الإستراتيجية للشركات مزيدا من التوسع في استهداف الأجيال الجديدة من المراهقين، والآباء من جيل الألفية الذين اعتادوا على تلقي المعلومات والنصائح الصحية من الإنترنت.

حملة “الأسبارتام”

ما أن أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانا في منتصف مايو/أيار الماضي، تحذّر فيه من مخاطر المُحلّيات الصناعية، وفي مقدمتها “الأسبارتام” الأكثر شيوعا، حتى أطلقت مجموعة من خبراء التغذية وسم (هاشتاغ) بدأ في الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت مسمى “safetyofaspartame#” بهدف الرد على المخاوف وتأكيد عدم وجود خطر من تناول الأسبارتام.

وسارعت ستيف غراسو، اختصاصية التغذية في فيرجينيا، بإخبار متابعيها البالغ عددهم 2.2 مليون على موقع “تيك توك”، أن تحذيرات منظمة الصحة العالمية بهذا الشأن “مجرد خدعة تفتقر إلى أدلة علمية”.

وانبرت اختصاصية التغذية بمدينة كانساس سيتي، كارا هاربستريت، لتوصية متابعيها على موقع “إنستغرام”، بعدم القلق بشأن الأسبارتام، “لأن الأدلة لا تشير إلى وجود سبب لذلك”.

أما ماري إلين فيبس، اختصاصية تغذية مرضى السكري في هيوستن؛ فقد ظهرت في مقطع مرئي وهي تشرب مياها غازية مثلجة، وتقول لمتابعيها على إنستغرام أيضا، “إن المُحليّات الصناعية تُهدئ الرغبة في تناول السكريات، دون أن تؤثر في مستويات السكر في الدم”.

المفاجأة

اكتشف فريق التحقيق الاستقصائي أن من بين 68 اختصاصي التغذية على موقعي “تيك توك” و”إنستغرام”، روّج نصفهم للأطعمة والمشروبات والمكملات الغذائية على مدار العام الماضي، بين متابعين بلغ عددهم 11 مليونا، بواسطة آلاف المنشورات التي تتضمن محتوى “يتعارض مع عقود من الأدلة العلمية حول الأطعمة الصحية”.

وتوصل الفريق إلى أن مشاركات هؤلاء الأخصائيين على إنستغرام، جزء من “حملة منسقة” قادتها شركة المشروبات الأميركية العملاقة “أميركان بيفريدج”، التي تشكل تكتلا تجاريا ومجموعة ضغط، لصالح أكبر شركتين للمياه الغازية في العالم، بالإضافة إلى شركات غذائية أخرى، مقابل أموال لم يُكشف عن قيمتها، دُفعت لعشرة من أخصائيي التغذية، وطبيب وشخصية مؤثرة في مجال اللياقة البدنية”، لتفنيد ادعاءات منظمة الصحة العالمية بأن مُحليات الأسبارتام، التي تُعدّ الدعامة الأساسية لصناعة كوكاكولا الدايت وغيرها من المشروبات الغازية، ربما تكون مُسرطنة”.

وقالت الشركة، “إنه من بين 35 مقطع مرئي لاختصاصيّ التغذية الذين شاركوا في حملتها، كشف 11 منهم فقط عن علاقاتهم بالشركة”.

ولم يذكر اختصاصيو التغذية المبالغ التي يتقاضونها، لكن العديد منهم قالوا، “إن الشركات تدفع بضعة آلاف من الدولارات لكل مقطع مرئي، وأن العروض قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات”.

ومن بين 33 اختصاصي تغذية نشروا محتوى مدفوع الأجر للملايين من متابعيهم، “لم يكشف 17 شخص منهم عن ذلك بوضوح في أي من منشوراتهم”.

كما فضحت الحملة التي اعترفت أميركان بيفريدج بتنظيمها، “تكتيكا” تستخدمه صناعة الأغذية والمشروبات التي يبلغ حجمها مليارات الدولارات، للتأثير في المستهلكين، “من خلال توجيه رسائل صحية متناقضة، حول منتجاتها الأكثر شعبية في جميع أنحاء العالم”.

إنهم يدفعون لخبراء تغذية لإقناعك بالحلوى والآيس كريم والمكملات الغذائية والأطعمة فائقة المعالجة

التشجيع على تناول السكر

ورغم تأكيدات المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها “سي دي سي”، على أن “السكر المضاف، قد يتسبب في أمراض القلب والسمنة والسكري 2″، كشف التقرير الاستقصائي أن جمعية منتجي السكر الكندية، موّلت ما لا يقل عن 12 من اختصاصي التغذية المسجلين، لنشر مقاطع مرئية تروج للسكر على إنستغرام.

فبتمويل من هذه الجمعية، سخِرت اختصاصية التغذية ليندسي بليسكوت، من نصائح التقليل من تناول السكر في مقاطع مرئية لها على إنستغرام، بينما تتناول الآيس كريم وزبدة الفول السوداني وقطع الدونات وكعكة الشوكولاتة، بدعوى أن “الحرمان من الأطعمة السكرية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الرغبة في تناولها”. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني لفريق التحقيق، علّلت ليندسي ذلك بأنه انعكاس لإيمانها بتبديد الشعور بالذنب تجاه الطعام.

كما ذكرت أخصائية التغذية الكندية جين ميسينا في أحد منشوراتها الممولة على إنستغرام، أنه “إذا كان طفلك مهووسا بالحلويات، فهو يحتاج إلى المزيد منها، بدلا من تقليلها”.

أما شانا ميني سبنس، اختصاصية التغذية بنيويورك؛ فتظهر في مقاطع مرئية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تأكل البيتزا والبطاطس المقلية والآيس كريم، للترويج لفكرة أنه “لا ينبغي لنا وصم أي أطعمة”.

الترويج للمكمّلات

ورغم تحذير الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، من المكملات غير المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فقد وجد التقرير أن “اختصاصي التغذية يجنون أموالا مقابل الترويج لمكملات غذائية تفتقر للإجماع العلمي؛ مثل: مكملات الكولاجين، وشاي التخلص من السموم، وكبسولات صحة الميتوكوندريا”.

فعلى سبيل المثال، شجعت سينثيا سكوت، اختصاصية التغذية بولاية جورجيا، عبر “إنستغرام”، الآباء على إعطاء مكملات الأحماض الدهنية أوميغا 3 للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 6 أشهر، مُذيّلة منشورها بعبارة “مشاركة مدفوعة الأجر”. وكمعظم الأخصائيين المؤثرين، لم تردّ سكوت على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية لفريق التحقيق.

إنهم يدفعون لخبراء تغذية لإقناعك بالحلوى والآيس كريم والمكملات الغذائية والأطعمة فائقة المعالجة

علاقة وثيقة

وكشف التحقيق الاستقصائي عن علاقة وثيقة منذ سنوات، بين شركات صناعة الأغذية والمشروبات و”أكاديمية التغذية”، التي تشرف على اختصاصي التغذية المسجلين. تتضمن تبرعات ملايين الدولارات من كبار منتجي المياه الغازية والحلوى والأطعمة فائقة المعالجة، وفي مقدمتهم “كوكاكولا” و”بيبسي” و”نستله”، وشركتان من أكبر منتجي شراب الذرة عالي الفركتوز والمُحليّات في العالم.

كما تسمح الأكاديمية لهذه الشركات بتقديم دورات لاختصاصي التغذية التابعين لها، وتستثمر في أسهم شركات الصناعات الغذائية. وقال أخصائيو التغذية الذين يحظون بعدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، “إن العلامات التجارية حريصة على توظيفهم، وإغراقهم بالعروض لترويج المنتجات”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *