بين حين وآخر تظهر بعض المنشورات التي تصيب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بحيرة شديدة، تنتشر بسرعة وعادة ما تبدأ بسؤال “ما اللون الذي تراه؟”، سواء كان ذلك لفستان أو خزانة أو حذاء أو غير ذلك، لتبدأ حالة من الاستغراب الشديد، فالبعض يرى لونا، فيما يرى آخرون لونا آخر تماما للصورة ذاتها، وهو الاختلاف الذي يمكن تفسيره وفق ما يسمى “تأثير بيزولد” أو “وهم الألوان”.
وهم أم خدعة؟
لا تزال صورة خزانة تبدو عادية، في أحد المنازل تثير الكثير من الحيرة بشأن ألوانها الحقيقية، ففي الوقت الذي يراها فيه البعض زرقاء بجوارير سوداء رآها البعض بيضاء بجوارير ذهبية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الصورة بقوة ليتعمق الانقسام أكثر، تماما كما جرى من قبل مع فستان احتار رواد مواقع التواصل الاجتماعي إن كان حقا باللونين الأبيض والذهبي، أم الأزرق والأسود؟ وهكذا يتكرر انتشار الصور المحيرة بين حين وآخر اعتمادا على التأثير الشهير.
“What Colour Do You See: Pink & White or Blue & Grey?” pic.twitter.com/YE6fH4g6Na
— James I Feel God Brownᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠ (@ifeelgod) June 7, 2022
ما قصة تأثير بيزولد؟
ينسب “تأثير بيزولد” إلى عالم الأرصاد الجوية الألماني فيلهلم فون بيزولد المتوفى عام 1907، والذي أدرك بالصدفة أثناء تنفيذ مشروع ديكور منزلي شخصي خاص به أمرا مثيرا للاهتمام.
بدأت القصة حين احتاج بيزولد إلى سجادة ملونة، لكنه ظل حائرا لفترة حيث لاحظ أن اختيار لون معين في كل مرة كان يتسبب في تغيير الصورة الكلية للمكان وتغيير إدراكه بقية الألوان.
لم يمر الأمر على عالم الأرصاد مرور الكرام، حيث أخضع الأمر للبحث فقام بإجراء سلسلة من التجارب عبر إضافة ألوان معينة وطرحها، فاستطاع أن يرصد كيف يمكن لتغيير لون واحد أن يتسبب في تغيير التصميم بالكامل، وفي إدراك عقله بقية الألوان، وهو ما اتضح لاحقا أنه يتغير من شخص إلى آخر.
يطلق على تأثير بيزولد تأثير الاستيعاب، وهو عبارة عن وهم بصري، حيث تبقى الألوان كما هي في الواقع، ولكن يتغير إدراك درجتها ولونها في ذهن المتلقي، كل بحسب تصوره ومرونته في استيعاب مزيج الألوان، هكذا يقود تأثير بيزولد إلى أن ما يراه الناس يعتمد بشكل كبير على كيفية معالجة أدمغتهم المعلومات البصرية الواردة وليس على الألوان في الحقيقة، كما أن ثمة سببا إضافيا لاختلاف إدراك الألوان بصريا أيضا كما هو الحال عقب إجراء عمليات تصحيح الإبصار “الليزك”.
هكذا يطاردك تأثير “بيزولد”
يرتبط تأثير بيزولد بالعديد من التجارب اليومية، بداية من الخطوط الرفيعة السوداء أو البيضاء المحيطة بنصوص الإعلانات على الطريق، والتي تؤثر على إدراك الجمهور تلك الكلمات، مرورا بتصاميم الديكور الداخلي التي تستغل ذلك التأثير، واستخدام ألوان بعينها لخلق تصاميم أكثر جاذبية بصريا وأكثر تباينا.
يبدو الأمر أكبر حين يتعلق بالتجارة الإلكترونية، حيث عشرات الشكاوى بشأن اختلاف لون المنتج عقب توصيله مقارنة بذلك الذي كان معروضا عبر الموقع، لهذا أجريت دراسة في جامعة بوليتكنيكا دي فالنسيا بإسبانيا في عام 2021، لتحديد شكل المساعدة التي يمكن للحاسوب أن يقدمها لتحليل تأثير بيزولد في العينات اللونية.
وخلصت الدراسة إلى أن القطاعات الصناعية التي يكون فيها ظهور المنتجات (مثل المنسوجات والسيراميك) عاملا أساسيا للنجاح تتأثر إلى حد كبير بتأثير بيزولد، وعليه تم ابتكار برنامج يوفر طريقة مبتكرة للكشف عن درجة تأثير بيزولد للصورة المعروضة إلكترونيا، لكن البرنامج المذكور لا يزال قيد التطوير على يد الباحثين في الدراسة غييرمو بيريس فاجارنيس وماريا مونشو سانتونيا.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث يصل تأثير بيزولد إلى درجة من الخطورة بحيث يمكن أن يؤثر على الاختيارات داخل غرفة قيادة الطائرة، حيث يؤدي تصميم شاشات التحكم في غرفة القيادة بطريقة معنية إلى إرباك قائد الطائرة بشأن بعض الاختيارات للشاشة.
وقد أشارت دراسة أجريت عام 1986 إلى مجموعة من المشكلات التي تواجه قوات الدفاع الجوي الأميركي بسبب ألوان العرض على الشاشات واختلاف إدراكها من شخص إلى آخر وفق تأثير بيزولد، وعليه تمت مراعاة مجموعة من التفاصيل ضمانا لعدم اختلاف تفسير اللون من فرد إلى آخر، وذلك عبر ضبط درجة النصوع، والإضاءة المحيطة، والخصائص الطيفية للشاشات، واختيار ألوان وأحجام، ورموز، وتنسيق، ودقة، وحجم معين غير قابل للتأويل.
What colour do you see?
RT – Pink and White
Fav – Blue and Grey pic.twitter.com/acPdLlfTiN— Karolis (@KaroIis_) May 6, 2018
دليلك لاستغلال “وهم الألوان”
يقول جوزيف ألبرز في كتابه “تفاعل الألوان” إن هناك نوعا خاصا من الخليط البصري قد يختلف إدراكه من شخص إلى آخر، وإن استبدال لون واحد في التصميم يؤدي بالتبعية إلى تحول كل الألوان الأخرى في التصميم، بل تغيير التركيب والشخصية والإدراك المكاني والوزن، ذلك أن علاقات الألوان لا تتغير بشكل متساو، وتلك هي كلمة السر، وهكذا يمكن لبعض الحيل أن تساعد على إدراك وهم الألوان بصورة أفضل، ومن ثم استغلالها.
وفي مقال لها تذكر المصممة الفنية ألفالين لوندغرين مجموعة من الخطوات لاستغلال وهم الألوان:
- إذا كنت تريد الكثير من الطاقة في التصميم يمكن إجراء مجموعة من الاستبدالات للألوان حتى تحقق مقدار النشاط المطلوب.
- إذا كنت تريد تحقيق التوازن بين مساحات كبيرة من الألوان الداكنة والثقيلة يمكن استخدام كمية صغيرة من الألوان الساطعة أو المخففة.
- إذا كنت تريد تركيز الاهتمام على عنصر معين في التصميم يمكن استخدام لون متباين في قيمته ودرجة تشبعه.