تبقى اللحظات الزمنية الجميلة والحيوية عالقة في الأذهان بمرور السنوات، وعادة تمثل هذه الحالات تجارب مؤثرة عاطفيا، وتمنح حياتنا هدفا وبهجة، وتستمر في نفعنا لفترة طويلة بعد حدوثها، مما يزيد من رفاهيتنا ومرونتنا بشكل عام، إنها توفر الفرح الذي لا ينتهي.
ولعل هذه اللحظات هدية ثمينة، إذ يتم خلالها استرجاع الذكريات الإيجابية بشكل نشط. فهل الأشخاص الذين يفعلون ذلك يستمتعون بالحياة أكثر؟ إليك ما يقوله الخبراء:
الذكريات الجيدة هي المنقذ
من جهته يقول اختصاصي الطب النفسي الدكتور أسامة كنعان للجزيرة نت: “للذكريات الطيبة قوة خاصة بتوليد مشاعرنا الإيجابية، فمجرد الإمساك بصورة قديمة مثلا فيها ذكريات جميلة تتولد لدينا مشاعر إيجابية، وقد تتغير حالتنا المزاجية بطريقة أفضل”.
ويضيف، كما أن الذكريات الجيدة هي المنقذ في أوقاتنا العصيبة في الحياة. فعندما نكون تحت الضغط ونفكر في الذكريات السعيدة من ماضينا، مثل النجاحات أو الإجازات العائلية أو الضحك، فإن ذلك يوفر لنا المزيد من الطاقة للمضي قدمًا بطريقة إيجابية. موضحا، أنه يحفز رد فعل الاسترخاء، ويرفع معنوياتنا، ويقلل من القلق.
ويشرح كنعان، عندما تفكر في الذكريات السعيدة والرائعة، غالبًا ما تشعر بالامتنان، للبيئة أو الأشخاص الذين كنت معهم والذين صنعت معهم ذكريات طيبة.
ويذكر كنعان مزية أخرى لاسترجاع الذكريات السعيدة، وهي أنه يزيد من احترام الذات، فغالبًا ما يرتبط تذكر الأوقات السعيدة والبهجة الشديدة بفترات النجاح لدى العديد من الأشخاص.
على سبيل المثال، ربما كنت الطالب المتفوق لهذا العام أو الفائز في السباق المدرسي. إذ تلهمك هذه الأنواع من الذكريات المبهجة لبذل قصارى جهدك في الوقت الحاضر وتجعلك سعيدًا. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تشجعنا على البناء على نجاحاتنا الماضية.
وأيضا، الرضا عن العلاقة إذ يمكن تقوية الروابط العاطفية والاجتماعية بين الأشخاص من خلال الذكريات السعيدة المرتبطة بالأحباء، إن إحياء كل التفاعلات الرائعة يمكن أن يعزز الشعور بالانتماء للمجتمع بين الناس، وفق كنعان.
ويلفت إلى أن استعادة الذكريات المبهجة عن قصد يمكن أن يساعد في تفكيك أنماط التفكير السلبية، وتقليل القلق، وحتى خفض مستويات الكورتيزول. معللا ذلك بأنها تشجع على تكوين صورة ذاتية أكثر إيجابية.
كيف تحفز الذكريات الإيجابية؟
يقول كنعان: هناك عدة طرق يمكن للفرد أن يحفز نفسه لاسترجاع الذكريات الإيجابية والتي تعزز شعوره بالسعادة والرضا، ومنها:
- توجيه الانتباه: عندما يلاحظ الفرد أنه يبدأ في التفكير في ذكريات سلبية أو مؤلمة، يمكنه توجيه انتباهه نحو الذكريات الإيجابية بوضعها في الاعتبار بشكل نشط.
- تقنيات التفكير الإيجابي: يمكن للفرد استخدام تقنيات التفكير الإيجابي، مثل تغيير النظرة إلى الأمور، والبحث عن الجوانب الإيجابية في الوضع، والتركيز على النماذج البناءة للسلوك، لتشجيع نمط الذكريات الإيجابية.
- ممارسة الاعتناء بالذات: يمكن للفرد تطوير ممارسات الاعتناء بالذات مثل: التأمل واليوغا والتدريب الذهني، لتعزيز الوعي بالذات وتحسين القدرة على استرجاع الذكريات الإيجابية.
- الاستفادة من التجارب السابقة: يمكن للفرد أن يستفيد من التجارب السابقة والذكريات الإيجابية التي عاشها في الماضي، واستخدامها كمصدر للقوة والتشجيع عندما يواجه تحديات في الحاضر.
- البحث عن الهدف: يمكن للفرد أن يحفز نفسه لاسترجاع الذكريات الإيجابية من خلال تحديد أهداف وأحلام في الحياة، واستخدام الذكريات الإيجابية كمصدر للتحفيز والإلهام لتحقيق تلك الأهداف.
تعويد المخ على استرجاع المواقف الجميلة
وبدورها تقول مدربة مهارات الحياة سوسن كيلاني للجزيرة نت: “قرأت يوميا عن إستراتيجية رائعة جدا، أحب أن تعتمد من قبل كل المعارف والأصدقاء والقراء، وهي عبارة عن تمرين ما قبل النوم يعتمد على استذكار الأحداث الجميلة التي مرت باليوم لمدة 5 إلى 10 دقائق بطريقة حيوية”.
وتتابع، لدرجة أنك ستبتسم حقيقة إذا تذكرت ضحكة الطفل الصغير عندما فرح بفوز فريقه في كرة القدم وكأنك تشاهده الآن.
وتوضح المدربة كيلاني، هدف هذا التمرين هو تعويد المخ على استرجاع المواقف الجميلة التي مرت عليه، واستبعاد المواقف السيئة، وبذلك يصبح أكثر مرونة وقدرة على ذلك، حتى ولو من دون وعي منك.
وتؤكد، يطالب الخبراء أن نفعل ذلك بتعمد وإصرار لمدة لا تقل عن 21 يوما، ثم تصبح عادة، وبذلك تفوز وتزدهر الحياة، لأن النوم على الذكريات الجميلة مريح للأعصاب، خاصة وأن الذكريات الجميلة تحل بدل السيئة المزعجة التي ترفع ضغط الدم وتنغص على الإنسان من دون فائدة.
وتختم: “نحن لا نستطيع تغيير الماضي، ولكن لا بد أن نتعلم منه، ثم نغلق الملف، بينما الذكريات الجميلة فإن عبيرها يفوح ويغمرك بالسعادة، وهذا يجعلك أكثر إنتاجية وأقدر على تحمل التحديات، ومواجهة المشاكل”.
تقنيات استرجاع الذكريات الإيجابية
ونشر موقع “فسيولوجي” تقنيات المشاركة في استرجاع الذكريات الإيجابية، ومنها:
- الصور المرئية: قم بإعداد قائمة ببعض الذكريات الجيدة، ثم اختر واحدة للتفكير فيها، أغمض عينيك، واسمح لنفسك بتذكر أي صورة مرتبطة بها، وفكر في الأشخاص الذين رأيتهم والأشياء التي كانوا يقولونها ويفعلونها. وحينها تذكر ما الذي جعل هذه الذكرى رائعة. امنح نفسك الإذن للاستمتاع بهذه الرفاهية من الوقت.
- المشاركة: وفقا للأبحاث، عندما نشارك تجاربنا الممتعة مع الآخرين، فإنها تصبح ذات معنى أكبر. ونتيجة لذلك تعمل على تحسين رفاهيتنا.
- استخدام عبارات مثل “تذكر متى” بشكل متكرر: تحدث عن “تذكر متى” مع أصدقائك. تدرب على قول هاتين الكلمتين في المرة القادمة التي تكون فيها بين العائلة والأصدقاء من خلال التفكير مرة أخرى في المناسبات الممتعة التي شكلت روابط أقوى.
- المحفزات الحسية: استخدم قوة المحفزات الحسية، مثل الصوت أو الرائحة، لتعود بنفسك إلى ذكريات الماضي الممتعة.