طهران- انطلاقا من خصوصيته ومنزلته الرفيعة لدى مسلمي العالم، تكاد مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك لدى عرب إيران لا تختلف عن أجواء الشهر الفضيل في البلاد العربية، وإن كانت تختلف في بعض الطقوس ومنها غياب صلاة التراويح بمدينة الأهواز.
ومن خلال رصد الجزيرة نت لأجواء ليالي الضيف الكريم لدى عرب إيران بمدينة الأهواز جنوب غربي إيران، وجدت أن مظاهر الشهر المبارك تكاد تتطابق مع الدول العربية. بيد أنه لا يمكن غض الطرف عن الخصائص الجغرافية والثقافية التي تضفي إلى عاداتهم وطقوسهم بهجة وسرورا، والتي يقولون إنها جاءت منقوصة هذا العام بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
ولعل أبرز ما يلفت انتباه زائر مدينة الأهواز في شهر رمضان الأجواء الروحانية التي تحف قاصدي المساجد قبيل أذان المغرب، ولا سيما طريقتهم في “فك الريق” (الإفطار)، وتناول إفطار خفيف يتكون من كأس شاي أو حليب ساخن وتمر وحلوى “الزلابية”، قبيل صلاة المغرب التي تعقبها صلاة العشاء مباشرة تسهيلا على الصائمين.
مدينة الجسور التسعة
وبعد تناول وجبة الإفطار الأساسية في البيوت، تعود الجموع إلى المساجد لحضور مجالس الوعظ والاستماع إلى المحاضرات التوعوية التي يلقيها رجال الدين، وعادة يكون الإقبال كبيرا على تلاوة جزء من القرآن الكريم.
وطالما اشتهرت الأهواز بمدينة الجسور التسعة وكورنيش نهر كارون، فإن سكّانها يقولون إنهم اعتادوا مشاركة معالمها السياحية، الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الممتد حتى الألفية الثالثة قبل الميلاد، أفراحهم وأتراحهم وطقوسهم الدينية والقومية.
وليس بعيدا عن المساجد ودور العبادة، فإن شريحة من الأهوازيين تسارع إلى شواطئ نهر كارون، لبسط مائدة الإفطار تحت إضاءة الجسور المتلألئة وعلى أنغام موسيقى المطاعم الشعبية المطلة على النهر بما يمهد للأطفال أن يخطفوا لحظات من متعة اللعب.
فسحة للترويح
وبعد يوم من الصيام، يبحث الشباب عن فسحة للترويح عن النفس تتناسب وعطلة رأس السنة الإيرانية، والتي تزامنت هذا العام مع حلول الشهر الفضيل، وذلك عبر التزاور والقيام بجولات ليلية، والمشاركة في الفعاليات الثقافية والترفيهية، لا سيما الأمسيات الشعرية والألعاب الرمضانية.
وبينما تفضل شريحة من الشباب ممارسة هواياتهم الرياضية في ليالي رمضان المبارك، تحرص بعض المؤسسات الأهلية على إقامة مهرجانات للشعر العربي ومسابقات القرآن الكريم وأخرى، كما احتفلت بمناسبة “قرقيعان” (منتصف الشهر الفضيل)، لا سيما عقب تصنيفها في الجمهورية الإسلامية عام 2017 ضمن قائمة التراث المعنوي للعرب في إيران.
وفي مهرجان قرقيعان الأهواز، يتجمع الأطفال عقب تناول الإفطار ويقومون بجولة على بيوت الأزقة القريبة من منازلهم، ويصطحبون معهم أكياسا لجمع الهدايا والحلويات من المنازل، مرددين أناشيد شعبية مثل “قرقيعان وقرقيعان، الله يعطيكم رضعان” و”يا أهل السطوح تعطونا لو نروح؟”.
تسوّق ليلي
وخلال شهر رمضان المبارك، يزداد الإقبال الشعبي على لعبة “المحيبس” التراثية أو “إخفاء الخاتم” في الأهواز، حيث تجتمع حشود الشباب في البيوت أو في الساحات العامة، لمشاهدة المسابقات التي تقام بين فريقين يتنافسان على الاحتفاظ بالخاتم أو المحبس كما يعرف في اللهجة العربية الأهوازية.
وتبدأ الأجواء الرمضانية في المدينة قبيل حلول الشهر الفضيل، إذ يعتبر الأهوازيون الأسبوع الأخير من شهر شعبان موعدا سنويا لاستقبال رمضان، فتتحسن الحركة الشرائية، لا سيما شراء حاجات المطبخ لترسم البسمة على ملامح الباعة الذين طالما يشكون تراجع القدرة الشرائية جراء التضخم المستفحل.
أمّا في ليالي شهر الطاعة، فتصبح أسواق الملابس وكل ما يرتبط بزينة العيد السعيد عامرة وسط أصوات الباعة المنادية “عيّد يا سعيّد”، فتنهمك النساء ساعات طويلة في تفحص البضائع المتنوعة ذات الألوان الزاهية في أسواق “عبد الحميد والعرب وكيانبارس” وغيرها من الأسواق الشعبية والحديثة.
فرحة منقوصة
في المقابل، يهتم الرجل الأهوازي عادة بما تعرف باسم “كشخة الديوانية” فيكاد يتحول سوق الفرحاني (جنوبي المدينة) بعد الإفطار إلى سوق رجالي، فيتفنن أصحاب المحال في عرض دلال القهوة والدشاشة والغترة والعقال والعطور العربية وتزيين الخواتم والمسبحات.
ولعل أكثر ما يثير الانتباه خلال رمضان المبارك في الأهواز زيادة أوجه التكافل الاجتماعي وكثرة الموائد الرمضانية والمسارعة إلى فعل الخير بجهود فردية ومؤسساتية، فتطلق بعض الشخصيات المؤثرة مبادرات تطوعية لتأمين “كسوة العيد”، وآخرون ينشرون إعلانا على مواقع التواصل للحث على التبرع بشراء سلال مواد غذائية لتوزيعها على الأسر محدودة الدخل.
ووسط أجواء مفعمة بالسكينة والروحانية، حاورت -الجزيرة نت- عددا من الأهوازيين في الأسواق والمساجد، وكلهم يجمعون على أن “فرحة رمضان المبارك جاءت منقوصة هذا العام بسبب ما يرتكبه العدو الصهيوني من مجازر بحق أهلنا الفلسطينيين في غزة”.