وبالنسبة للكثير من الأطفال والفقراء فإن محصول التمر الذي يسقط على الأرض بفعل الرياح والمعروف محليا بـ “تمر الهبوب”، يمثل موردا يساهم عائده في تلبية جزء كبير من احتياجاتهم السنوية.
ويكتفي أصحاب مزارع النخيل بحصاد التمور الباقية على الأشجار، ويسمحون للأطفال والصبية والنساء بالتقاط المتساقط، باعتباره صدقة جارية.
وفي بعض المواسم يصل محصول الطفل الواحد من “تمر الهبوب” إلى أكثر من 3 أكياس تدر عائدا جيدا للفقراء يمكنهم من شراء بعض الملابس والاحتياجات المدرسية.
التمور.. مصدر رزق وفأل طيب
وتلعب شجرة النخيل دورا محوريا في حياة السودانيين، فهي تعتبر مصدر رزق للكثيرين، كما تعد مصدرا للفأل الطيب إذ تقدم بشكل واسع في المناسبات السعيدة تبركا بها.
ويعتاش أكثر من مليون شخص في السودان على زراعة النخيل التي يتركز أكثر من 80 في المئة منها على الشريط النيلي الواقع شمال العاصمة الخرطوم.
وتنتج مزارع النخيل في المنطقة الشمالية أكثر من 18 نوعا من التمور، ويحتل السودان المرتبة الثامنة عالميا بإنتاج يقدر بنحو 425 ألف طن سنويا.
ويشير محمد فتح الرحمن الباحث في التراث والأستاذ في كلية الآداب بجامعتي دنقلا وكريمة في شمال السودان، إلى أن عادة سماح المزارعين للأطفال والفقراء بجمع التمر المتساقط بفعل الرياح، تأتي من الاعتقاد السائد بأن شجرة النخيل من الأشجار المباركة المرتبطة بالعطاء.
وأوضح فتح الرحمن في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن جمع تمر الهبوب “عادة متوارثه في شمال السودان ولا يعرف لها تاريخ بدايتها بدقة، حيث لا يوجد في الذاكرة المجتمعية ما يشير إلى ذلك، لكنها انتقلت من جيل إلى آخر”.
ويبدأ موسم جمع تمر الهبوب في بداية سبتمبر من كل عام حيث يكون نضج التمر قد اكتمل، وتبدأ حباته في التساقط بفعل حركة الرياح التي تنشط في ذلك الوقت.
وأضاف فتح الرحمن: “تمر الهبوب بمثابة موسم للأطفال يجمعوا فيه ما يستطيعون من التمر الذي يعتبر عرفا ملكا لهم يبيعونه لصالحهم ويصرفوا عائده في تحقيق ما يحلمون به من أشياء”.
ووفقا لفتح الرحمن فإن جمع تمر الهبوب هو عادة ذات معان ودلالات لكونها تجعل الطفل يعتمد على نفسه في تحقيق أحلامه بعرق جبينه دون الاعتماد على غيره، كما تشكل جزءا من عادات الترابط الاجتماعي إذ يعتبر أصحاب النخيل منع الأطفال من جمع تمر الهبوب محرما اجتماعيا وأمرا غير إنساني.
وعلى الرغم من الركود الذي يتوقع أن يضرب سوق التمور بسبب الحرب الدائرة في الخرطوم حاليا، إلا أن جمع تمر الهبوب في هذا العام له دور خاص إذ يمثل باب رزق للكثير من الاطفال والنساء ممن أجبرتهم الحرب على النزوح من الخرطوم واللجوء للشمال.