أصبح اللجوء إلى استشاري العلاقات الزوجية أمرا منتشرا في الأوساط العربية خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك بعد غياب دور الأهل في التحكيم العادل بين الشريكين، وأسباب عدة لتفاقم المشكلات الزوجية دون الوصول إلى حلول مرضية للطرفين.
كثيرا ما تبدأ الزوجة في البحث عن المساعدة من الطبيب النفسي بعد شعور عميق بأن هناك شيئا ما خطأ أصاب علاقتها بشريك الحياة، وهذا هو ما فعلته أميرة خالد (29 عاما)، بعد مشاكل طويلة بينها وبين زوجها اقتربا فيها من حافة الطلاق، لكن الأمر لم يكن مفيدا في البداية، فقد عرفت أسباب اكتئابها ولم تعالجه، لأن زوجها رفض الخضوع معها لجلسات العلاج الزوجي، لشهور طويلة حاولت أميرة أن تغير فكرته عن مفهوم الاستشارة الزوجية حتى نجحت وبدءا سويا رحلتهما لإنقاذ زواجهما.
قد لا يعرف طرفا العلاقة ماذا يحتاجان بالفعل، استشارة طبية أم نصيحة زوجية، علاجا فرديا أم جماعيا؟ وأيهما أفضل للخروج بعلاقتهما من عنق الزجاجة؟ لذا أوضح الدكتور بوريس هيرزبرغ، استشاري الطب النفسي والعلاقات، في مقال كتبه عبر موقع سيكولوجي توداي، أن هناك بعض الاختلافات بين النسقين ومعرفة هذه الاختلافات قد تساعد بشكل أكبر في عملية تحديد وجه العلاج الملائم للعلاقات.
العلاج الفردي
يصف هيرزبرغ العلاج الفردي أنه رحلة شخصية واستكشافية عميقة داخل النفس، فهو يتعمق في اللاوعي، مما يسمح للأشخاص بالكشف عن جوانب من أنفسهم قد لا يكونون يعلمون بوجودها من الأساس.
ومن خلال الجلسات يبدأ الأشخاص في بناء علاقة عميقة ومختلفة مع أنفسهم، ليتمكنوا -ربما للمرة الأولى- من دعم أنفسهم والشعور بالسيطرة على حياتهم والاعتماد على أنفسهم بشكل أكبر.
وفي العلاج الفردي يتغير مفهوم الحزن، فيتخلى الشخص عن تجارب الماضي، ويبدأ في التصالح مع الواقع، وفي قبول نفسه وعائلته وقيوده، فتبدأ مرحلة التحرر من التجارب المؤلمة وبدء علاقات متزنة مع الآخرين.
علاج الأزواج
علاج الأزواج يركز على حل النزاعات وتحسين التواصل بين الشركاء، وبحسب الاستشاري النفسي هيرزبرغ فإن العلاج الزواجي يركز على تطوير مهارات التوصل لاتفاقات بين الزوجين، لهذا يستلزم الأمر تحديد ما سيتم مناقشته في الجلسات تحت اتفاقات متبادلة.
كما أن الاتفاقات التي يتم التوصل إليها تعد بمثابة تمرين على التواصل، يؤكد هيرزبرغ أن اكتشاف الفروقات والاختلافات بين الزوجين ليس بالأمر السلبي في الواقع، بل العكس تماما، فهو يساعد الزوجين على تقدير تفرد أنفسهم وشركائهم.
اختلاف إستراتيجيات العلاج
خاضت شيماء حسن (34 عاما)، رحلة العلاج النفسي بشقيها الفردي والزوجي، التي استمرت معها لـ4 سنوات متتالية، اختلف نهج تعامل معالجها معها في كل نوع من العلاج على حدة.
وأكدت شيماء للجزيرة نت، أن معالجها أثناء المرحلة الأولى من العلاج التي خاضتها منفردة، كان يعتمد على تحليل كل تفصيلة دقيقة مرتبطة بشخصيتها وطفولتها ونشأتها وعلاقاتها الاجتماعية قبل الزواج وبعده، حتى الأحلام، كان العلاج يعتمد عليها وفي كل جلسة كان يخبرها طبيبها أن تدون أحلامها، وأن تكتب أفكارها التي تأتيها بعد الجلسات.
لكن في العلاج الزواجي كان الأمر مختلفا تقول شيماء “شعرت أني ذهبت لطبيب آخر غير الذي كنت أتعامل معه لـ3 أعوام سابقة”، كانت مرحلة العلاج الزواجي في حياتها، هي مرحلة العلاج الذي ربما يفيد قبل وقوع الانفصال النهائي بين الزوجين، ففيها ركز طبيبها المعالج على القضايا الشخصية بين الزوجين وآلية صنع القرار، بالإضافة لمقاومة التغيرات التي يمكن أن تعيق أحد طرفي العلاقة.
كيف تتخذ قرار اللجوء لأي من أنواع العلاج؟
تشرح الدكتورة سارة عبد الحميد، استشارية الطب النفسي- ومدرسة الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن لكلا النوعين من العلاج فوائد مختلفة، لكن ما يحدد اللجوء لأي منهما هو احتياج الشريكين الحقيقي، ومدى التفاهم في النقاط الأساسية بينهما.
رحلة العلاج النفسي “هي رحلة شخصية” كما تصفها “عبد الحميد”، حتى وإن كانت تحت إطار العلاج الزوجي، فهي مخصصة لشخصيات محددة لا تصلح ذات الرحلة وخطواتها لشخصين آخرين، فلكلٍّ علاقة أهداف ودوافع وطرق خاصة لخلق الانسجام والتزامن داخل العلاقة.
وهناك نتائج مرجوة مختلفة من كلا العلاج الزوجي والفردي، تحددها استشارية الطب النفسي في نقاط محددة للجزيرة نت:
النتائج المرجوة من العلاج الزوجي:
- تحسين مهارات التواصل وحل النزاعات.
- تعزيز التفاهم والتعاطف مع شريك حياتك.
- تحديد ومعالجة ديناميكيات العلاقة وخلق الانسجام بين الشريكين.
- إدارة العواطف والماضي البعيد عن الحاضر لكنه يؤثر بالسلب عليه.
- تحديد الأهداف المشتركة والعمل على تحقيقها.
النتائج المرجوة من العلاج الفردي
- استكشاف الذات.
- دعم النمو والتطور الشخصي.
- الكشف عن السلوكيات اللاواعية وأنماط الشخصية.
- التخلي عن ذكريات الماضي المؤلمة.
- قبول الذات وتقبل التقصير والخطأ.
- التغلب على الصدمات باختلاف أنواعها.
تؤكد سارة عبد الحميد للجزيرة نت أنه “لا بد من خضوع أحد طرفي العلاقة في البداية للعلاج الفردي لاعتقاده أن خلل العلاقة يرجع إليه، وبسبب أخطاء سابقة أو صدمات طفولة تعرض لها فهو يُحمل نفسه كل مشاكل العلاقة، ثم بعد فترة من العلاج وبمساعدة طبيبه يكتشف أن هناك أسبابا أخرى لمشاكله الحالية في علاقته بشريكه، ربما بعضها متصل بالماضي، لكن في كل الأحوال العلاج لا يتوقف لديه وحده، وهنا تأتي مرحلة العلاج الزواجي”.
وتابعت، في بعض الأحيان يلجأ الزوجان معا لاستشاري علاقات زوجية لإعادة هيكلة شكل العلاقة بينهما، بعد الخضوع لمحاولات حل متعددة بلا جدوى، في هذه الحالة ربما يحتاج أحدهما أو كلاهما لعلاج فردي لحل مشاكل متعلقة بماضي كل منهما تؤثر في إدارته لعلاقته بشريكه، وفي بعض الحالات القليلة لا يتكون هناك احتياج لذلك.
الطبيب المعالج هو المسؤول عن تحديد نوع العلاج الذي يحتاجه الشريكان، كما تؤكد مدرسة الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس، أن الانتظام على الجلسات ومتابعة التمرينات المطلوبة بشكل دوري هي التي تحدد جدوى العلاج وقدرته على إصلاح ما بين الطرفين.