في العاشر من ذي الحجة من كل عام، يحتفل المسلمون حول العالم بعيد الأضحى، فتتردد أصداء تكبيرات وتسود روح العطاء والتكافل في كل مكان، فيما يتقاسم الناس لحوم الأضاحي مع أقاربهم والمحتاجين مستشعرين ما تحمله المناسبة من معاني التضحية والفداء.
يبلغ تعداد المسلمين حول العالم ما يقارب 1.9 مليار مسلم، ينتمون إلى جنسيات وثقافات متنوعة، وهو ما ينعكس على احتفالاتهم بعيد الأضحى. وعلى الرغم من اشتراكهم جميعا في طقوس مثل تهيئة المنازل للاحتفال، والتجمع من أجل صلاة العيد، وذبح الأضحية، التي تعني ولائم عائلية شهية تعتمد بشكل أساسي على أطباق اللحوم، فإن هذه الأطباق -مثل غيرها من مظاهر الاحتفال- تتلون وتتنوع بتنوع خلفياتهم الثقافية المتنوعة، خاصة في الدول غير العربية.
فتعالوا نتعرف على بعض مظاهر احتفالات الشعوب المختلفة بعيد الأضحى المبارك.
إندونيسيا وماليزيا.. أطباق تقليدية متشابهة
يقدر عدد المسلمين في إندونيسيا بما يقارب 230 مليون نسمة، وهو ما يمثل نحو 87% من السكان ونحو 13% من مسلمي العالم، مما يجعلها أكبر الدول من حيث عدد السكان المسلمين. تشتهر بعض القرى مثل قرية باسوران بطقوس خاصة في عيد الأضحى، حيث يحرص أهل القرية على غسل الأضاحي بماء الزهر، وإلباسها قلادة خاصة، وتغطيتها بقماش أبيض كنوع من التكريم.
أما جزيرة مادورا التي يعمل كثير من سكانها بالخارج، فالعيد بالنسبة لهم فرصة للعودة والاحتفال مع عائلاتهم، في طقس يسمونه “تورون” وتعني العودة إلى الوطن، كما يحرص كثيرون على زيارة قبور الأحباء الراحلين.
وخلافا لباقي أنحاء إندونيسيا، لا يمثل المسلمون الأغلبية في بالي، لذلك يحرصون خلال عيد الأضحى على تقديم الهدايا من الأطعمة التقليدية والفاكهة لجيرانهم من غير المسلمين.
وتتعدد الأطباق على مائدة عيد الأضحى في إندونيسيا، لكن أبرزها هو طبق الـ”رندانغ” الذي يتبل فيه اللحم البقري، ويطهى ببطء في حليب جوز الهند، كي يتشرب النكهة بدرجة مثالية. ويُعتقد أنه نشأ في غرب سومطرة بإندونيسيا من قبل شعب “مينان كاباو”، وهو أيضا الطبق الرئيسي على موائد العيد في كل من ماليزيا وسنغافورة.
وإلى جوار “رندانغ” ستجد طبق “ساتيه”، وهو عبارة عن قطع من اللحوم المشوية على أسياخ، وكذلك “كيتوبات”، وهو نوع من كعك الأرز مطبوخ في جراب منسوج من أوراق النخيل.
وفي ماليزيا، تُترك أبواب البيوت مفتوحة خلال العيد، لاستقبال كل من يأتي للتهنئة من الأقارب والأصدقاء، وقد استعد أهل البيت لاستقبالهم بالحلوى والأطباق اللذيذة.
وتتشابه الأطباق الماليزية مع العديد من الأطباق الإندونيسية، فتتربع أطباق الرندانغ والساتيه على المائدة، بالإضافة إلى طبق “ليمانغ” وهو أرز مطهو مع حليب جوز الهند داخل أنابيب مجوفة من البامبو المبطنة بأوراق الموز.
كما يحرص الجميع على ارتداء الزي التقليدي المعروف باسم “باجو مالايو” والذي يشتهر بألوانه الزاهية احتفالا بعيد الأضحى، أو “هاري رايا حاجي” وتعني بالمالاوية يوم الحج الأعظم.
آسيا الوسطى.. تاريخ مشترك
على الرغم من تشابه التقاليد الأساسية للاحتفال بالعيد في دول آسيا الوسطى مع بقية دول العالم الإسلامي، فإن لدول تلك المنطقة تاريخا مشتركا يضفي طابعا خاصا على احتفالاتها. يعتمد المطبخ في دول آسيا الوسطى بشكل أساسي على لحم الضأن، ويجمع بين تأثيرات المطبخين الآسيوي والشرق أوسطي، مما يمنح أطباقه مذاقا فريدا.
في أوزبكستان تسود الاحتفالات المبهجة بعيد الأضحى الذي أصبح إجازة رسمية في عام 1991. وتبدأ الاستعدادات قبل قدوم العيد بإعداد معجنات تقليدية مثل “كوش تيلي” و “أوراما”. أما طبق العيد الرئيسي فهو “البلوف” أو “البيلاف”، وهو طبق معد من الأرز المطبوخ مع اللحم والبصل والثوم والزبيب والجزر والمشمش، ويطهى في قدور حديدية ضخمة تسمى كازان.
من الأطباق الأساسية الأخرى “شاشليك” وهي كلمة روسية تعني شيش كباب، حيث يشوى اللحم على أسياخ. وهناك أيضا طبق “المانتي” وهو عبارة عن فطائر صغيرة الحجم محشوة باللحم تطهى على البخار.
وتتشابه هذه الأطباق مع الأطباق المقدمة على مائدة العيد في كازاخستان، كما يضاف إليها طبق “بيشبارماك”، ويطهى فيه اللحم مع شرائح المكرونة المصنوعة يدويا. أما في طاجيكستان فالطبق الرئيسي على المائدة هو “أوش بالا” ويعد من الأرز والحمص واللحم.
للحلوى مكان مميز في تركيا
وعلى غرار المسلمين في مختلف أنحاء العالم، يحتفل مسلمو تركيا بعيد الأضحى أو كما يدعى بالتركية “قربان بيرمي”، فتتجمع العائلات بعد صلاة العيد، ويتبادلون الزيارات للتهاني. وتحتل اللحوم مكانها على مائدة العيد التركية وللحلوى مكانها المميز كذلك.
أهم أطباق العيد هو طبق الكباب، وتتميز المائدة التركية بوجود العديد من أنواع الكباب المختلفة أشهرها “كباب إسكندر”، و”شيش كباب”، و”كباب أضنة”، حيث تتبل أسياخ اللحم بتتبيلات مختلفة وتعد للشواء.
وإلى جانب الكباب هناك العديد من الأطباق التركية الشهية مثل طبق الدولما وهو ورق العنب المحشو بخليط الأرز مع اللحم المفروم، وفطائر اللحم “البوريك”، وكلها أطباق أساسية على مائدة العيد في تركيا.
ولا تخلو المائدة من أكواب الشاي، والقهوة، التي تقدم مع الحلوى التركية اللذيذة مثل البقلاوة التركية الشهية و”كيشكول” وهو طبق بودنج مطهو باللوز المسحوق وجوز الهند والحليب والسكر والنشا.
السنغال.. والاحتفال بتاباسكي
أما في السنغال التي تبلغ نسبة المسلمين فيها أكثر من 95%، فيحمل عيد الأضحى أو كما يسمونه “تاباسكي” طابعا خاصا، حيث يحرص أغلب السكان على الاستعداد مبكرا للعيد وعادة ما يحرصون على وضع الماشية المخصصة للأضحية أمام البيوت، وفي صبيحة العيد يرتدون الملابس التقليدية المجهزة خصوصا للاحتفال، ويذهبون لأداء الصلاة ثم يذبح الرجال الأضاحي في ساحة المنزل، وتأخذها النساء لإعدادها في ساحته الخلفية.
ثم يبدأ إعداد الطعام في أجواء احتفالية بعد أن توزع أنصبة المحتاجين والجيران والأقارب.
والمطبخ السنغالي مطبخ غني بأطباق متنوعة، نتيجة تاريخه الذي أدى لمزج تقاليد ومكونات المطبخ الإفريقي مع تأثيرات من المطبخ الفرنسي مما أنتج أطباقا فريدة، وعلى رأسها طبق “مافيه” وهو عبارة عن طبق لحم مع الخضروات وصلصة الفول السوداني، كما أن الشاي بطقوسه الخاصة جزءا لا يتجزأ من المطبخ السنغالي.
نيجيريا.. مهرجان دوربار
أما في نيجيريا، فيطلق على عيد الأضحى اسم “بابار سالا” وتعنى بلغة الهوسا الصلاة الكبرى. وتعكس احتفالات العيد في نيجيريا التمسك بالتقاليد والثقافة الغنية. فإلى جانب طقوس العيد التقليدية من صلاة وأضحية، تتميز بطقس فريد هو مهرجان “دوربار” الذي يقام في مدينة كانو بشمال البلاد.
ويعود تاريخ المهرجان إلى أكثر من قرنين، حينما كانت أفواج الفرسان مع الخيول تجتمع للدفاع عن الإمارة، وفي كل عام على مدى أيام العيد يتزين الفرسان بالعمامات ذات الألوان الزاهية، ويتوافدون على خيولهم لتقديم العهود للأمير في أجواء تسودها الموسيقى والاستعراضات الفنية.
أما مائدة عيد الأضحى في نيجيريا، فهي غنية بالمذاقات الفريدة ومن أبرز الأطباق التقليدية سوكيا، وهي عبارة عن أسياخ لحم مشوية متبلة، بالإضافة إلى “توو شينكافا” وهو طبق من الأرز مع أنواع مختلفة من الحساء، مثل حساء الفول السوداني أو حساء الخضار.
وهكذا تتنوع طرق الاحتفال بعيد الأضحى حول العالم، لكنها دائما تتركز حول معاني العطاء والتضحية، والأجواء الاحتفالية التي توحد قلوب المسلمين في كل مكان.