تسبب حساب على تطبيق “تيك توك” في موجة من الشائعات مؤخرا بعد نشره مقطع فيديو يُعيد تسليط الضوء على حادثة وفاة حصلت قبل 15 عاما؛ عندما تُوفي طالب جامعي بمدينة بروكسل إثر تناوله طبقا من المعكرونة، أعاد تسخينه وأكله بعد تركه على المائدة 5 أيام.
وأثار المقطع مخاوف رواد وسائل التواصل الاجتماعي بشأن مخاطر حالة تُعرف باسم “متلازمة الأرز المقلي”، وترتبط تاريخيا بالأرز الأبيض المطبوخ الذي لا يُبرد “لاستخدامه لاحقا في إعداد أطباق الأرز المقلي في المطاعم”، وفقا لما ذكرته لموقع “توداي” د. سينثيا سيرز الأستاذة في جامعة جونز هوبكنز، والخبيرة في الأمراض المنقولة عن طريق الأغذية.
وهي متلازمة تشير إلى “نوع من التسمم الغذائي يُسببه تناول بقايا الأطعمة المطبوخة المحفوظة بشكل غير صحيح بعد إعادة تسخينها، وخاصة النشويات مثل الأرز والمعكرونة”. وهو ما يتطلب العودة إلى قصة طالب بروكسل لمعرفة سبب وفاته بالضبط، والتعرف على آراء خبراء سلامة الأغذية بخصوص المدة التي يمكن ترك الطعام فيها قبل تناوله مرة أخرى، ومدى سلامة تناول بقايا الطعام المتروكة خارج الثلاجة.
طالب بروكسل المتوفى.. ما قصته؟
في عام 2011 نشرت مجلة “علم الأحياء الدقيقة” تقريرا وصف فيه الباحثون حالة طالب في بلجيكا (20 عاما) “توفي فجأة عام 2008 بعد أن تناول بقايا سباغيتي (معكرونة) مع صلصة طماطم كان قد طبخها قبل 5 أيام وتركها في درجة حرارة الغرفة بدلا من حفظها بالثلاجة”.
وفي التفاصيل اتضح أنه بعد وقت قصير من إعادة تسخين المعكرونة وتناولها، أصيب الطالب الذي كان يتمتع بصحة جيدة، بقيء شديد واضطرابات في الجهاز الهضمي.
وفي صباح اليوم التالي عُثر عليه ميتا، وكشف التشريح عن إصابته بفشل كبدي حاد، وأظهرت التحاليل وجود كميات كبيرة من بكتيريا “سيريوس العصوية” في المعكرونة التي اعتبرها الباحثون “السبب الأكثر احتمالا للوفاة”.
ومن ناحيته، قال البروفيسور شافنر أستاذ علوم الأغذية بجامعة روتغرز، لصحيفة “هافنغتون بوست” الأميركية:”إنه على الرغم من أن وفاة طالب بروكسل قد تأكد بالفعل أنها مرتبطة ببكتيريا سيريوس العصوية، فإنه من النادر جدا أن يؤدي هذا النوع من التسمم الغذائي إلى الوفاة”.
البكتيريا المُسببة للتسمم.. كيف نتقي شرها؟
أوضحت الدكتورة إلين شوميكر خبيرة سلامة الأغذية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، لهافنغتون بوست؛ “أن بكتيريا سيريوس العصوية موجودة في جميع أنحاء الطبيعة بما فيها الأطعمة النشوية مثل الأرز أو المعكرونة، لكنها ترتبط غالبا بالأرز المطبوخ”. وأكدت أنها “لا تُسبب المرض طالما كانت في حالتها الخاملة، ولكنها تنشط بمجرد طهي الأطعمة النشوية، وتستمر في إنتاج السموم المُسببة للمرض أثناء ترك الطعام في درجة حرارة الغرفة”.
لذا يوضح الدكتور روبرت غرافاني أستاذ علوم الأغذية في جامعة كورنيل، أن “المرض يحدث عادة عندما يتم تبريد الطعام بشكل غير صحيح، أو تركه في درجة حرارة الغرفة لفترات طويلة من الزمن، مما يسمح للبكتيريا بالتكاثر إلى مستويات غير آمنة”. ولتجنب حدوث ذلك، توصي شوميكر “بوضع الأطعمة بالثلاجة، وتركها مدة لا تقل عن 4 ساعات”.
ولأن “الطعام يصبح أرضا خصبة لتكاثر الجراثيم ما لم يتم تبريده في الثلاجة على الفور”؛ ينصح شافنر “بعدم ترك الأطعمة المطبوخة في درجة حرارة الغرفة أكثر من ساعتين”، وفقا لتوصيات وزارة الزراعة الأميركية.
تبريد الأطعمة.. الساخنة هل يضر بها؟
توضح د. شوميكر أنه “نظرا لأن تَكوّن السموم يحدث عندما يتم طهي الطعام عند ما نُسميه منطقة درجة الحرارة الخطرة، وهي ما بين 4 و60 درجة مئوية (40 – 140 درجة فهرنهايت)، فهنا يجب تبريده بسرعة”.
مُضيفة أن جودة التبريد تعتمد على كمية الطعام الساخن التي نضعها في الثلاجة، “فكلما كان الوعاء المُستخدم أكبر، استغرق الطعام الموجود في منتصف الوعاء وقتا أطول ليبرد”.
ولتفادي ذلك تنصح شوميكر بتقسيم الكمية الكبيرة من الطعام الساخن إلى أوعية أقل عُمقا “للسماح بتبريدها بسرعة أكبر، مع التأكد من أن درجة حرارة الثلاجة أقل من 5 درجات مئوية (41 درجة فهرنهايت)”.
أعراض متلازمة الأرز المقلي
تُخبرنا شوميكر أن أعراض “متلازمة الأرز المقلي” تتشابه مع تلك التي تُسببها أنواع أخرى من التسمم الغذائي؛ كالقيء والإسهال والغثيان والجفاف وآلام البطن.
ولكنها لا تظهر في شكل ردود فعل مرضية إلا بعد 30 دقيقة إلى 5 ساعات من تناول الطعام الملوث بها. أما الإسهال الناتج عنها فيمكن أن يبدأ بعد 8 إلى 16 ساعة من الأكل.
أهمية الترطيب في التغلب على الأعراض
على الرغم من عدم وجود دواء محدد يوصى بتناوله عند الإصابة بهذه المتلازمة، إلا أن الطريقة الأكثر أهمية لمكافحتها، كما يقول الخبراء، هي “البقاء رطبا، بشرب كثير من الماء والسوائل”.
أما في الحالات الشديدة، “عندما يستمر القيء والإسهال لساعات”، فمن المستحسن الذهاب فورا إلى قسم الطوارئ، للمساعدة في التغلب على الجفاف.
كما تحذر شوميكر من أن المضادات الحيوية لن تساعد في التغلب على أعراض التسمم ببكتيريا سيريوس العصوية.
هل يمكن أن تؤدي إلى الوفاة؟
يقول د. غرافاني: “إن بكتيريا سيريوس العصوية كائن حي شائع جدا في البيئة، ويوجد بشكل طبيعي في التربة والغطاء النباتي، وفي مجموعة من المنتجات الغذائية النباتية والحيوانية؛ والعدوى بها شائعة في العديد من البلدان، لكنها غالبا ما تكون خفيفة، (هناك نحو 63 ألفا و400 حالة سنويا في الولايات المتحدة وحدها وفقا لعيادة كليفلاند)؛ إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى فشل الكبد الحاد والوفاة في الحالات الشديدة فقط”.
كما يُشير البروفيسور شافنر إلى “إمكانية حل المشكلة عادة خلال يوم أو يومين من ظهور الأعراض، مُستندا في ذلك إلى تأكيد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها سي دي سي، على أن حالات التسمم الغذائي هذه غالبا ما لا يتم الإبلاغ عنها، لأن المرضى يبدؤون في الشعور بالتحسن في غضون ساعات”.