يحتاج الناس عادة إلى دافع كبير ليبدؤوا في ممارسة الرياضة، ولدافع أكبر ليستمروا في ممارستها وسط جدول يوم مزدحم بالمهام. تبدو دقائق التمارين شاقة أحيانا، ويميل الناس إلى إهمالها مع ضغوط العمل. وفي الغالب، ينجح الناس في الانتظام على ممارسة الرياضة لفترة ما، ثم سرعان ما يتوقفون.
ومن باب التشجيع على ممارسة الرياضة، نستعرض فيما يلي ما يحدث للجسم إذا اتخذت قرارا بالتوقف عنها. وهل سيكون سهلا أن تستعيد لياقتك بعد توقف؟
تراجع مستوى اللياقة
يكتسب الإنسان اللياقة بشكل عام، حين يحسن قدرات القلب والأوعية الدموية، ويزيد قوة العضلات، وقد يتحقق ذلك بزيادة الجهد بشكل أكبر مما اعتاد عليه الجسم.
ومهما كان مدى لياقتك البدنية، فإن التوقف عن ممارسة التمارين لفترة طويلة يعني فقدان اللياقة، لكن مدى سرعة ذلك يتوقف على ظروفك الشخصية ونوع اللياقة البدنية الذي اكتسبته.
حين تمارس الرياضة بانتظام، يتكيف الجسم على تلك الدفعات من التستوستيرون والأدرينالين والإندورفين، ويتدفق الأكسجين إلى الأنسجة، وهذا هو التأثير الأول الذي تفقده بالتوقف عن ممارسة التمارين، قدرة القلب والأوعية الدموية على التحمل، إذ ينخفض حجم بلازما الدم في الجسم، مما يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الأخرى في القلب والأوعية الدموية.
يمتلك العداؤون والسباحون ما يسمى باللياقة الهوائية، التي تكتسب من خلال التدريب المستمر للقلب والأوعية الدموية، وهذا النوع من اللياقة يبدأ في الانخفاض بشكل ملحوظ بعد نحو أسبوعين من التوقف، بعد بضعة أشهر يمكن أن يفقدوا لياقتهم بالكامل.
لدى عداء ماراثون مثلا، فإن اللياقة القلبية التنفسية -التي تتمثل في معدل النبض والسعة الحيوية للرئتين- تنخفض بنسبة 10% في الأسابيع الأربعة الأولى من توقفه عن التمرين، ويستمر معدل الانخفاض وإن كان بمعدل أبطأ في الأسابيع التالية.
ولكن هذا المعدل يختلف عن الشخص العادي الذي ينخفض لديه الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين “في 02 ماكس” (V02 max) بشكل حاد، وتتراجع إلى مستويات ما قبل التدريب في أقل من 8 أسابيع، بعد نحو 12 يوما فقط تنخفض كمية الدم التي يضخها القلب كل دقيقة، ويمكن عندها ملاحظة تغيرات طفيفة مثل معدل ضربات أسرع وتنفس أصعب، ويبذل الجسم جهدا أكبر في ضخ الدم والأكسجين، وتصبح ممارسة التمارين أكثر إرهاقا.
ويرجع سبب انخفاض قيمة الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين إلى انخفاض حجم الدم والبلازما بسبب قلة الضغط على القلب والعضلات، ويؤدي إلى ضخ كمية أقل من الدم حول الجسم مع كل نبضة قلب، لكن الخبر الجيد أن هذه المستويات تنخفض فقط إلى النقطة التي بدأنا منها، مما يعني أن حالتنا لا تسوء.
وتنخفض لياقة القلب والأوعية الدموية أيضا عند ممارسة التمارين الخفيفة، لدى هؤلاء الذين اعتادوا ممارسة تمارين أشد، ويبدأ انخفاضها بعد نحو 5 أسابيع، مما يعني إمكانية ملاحظة الفرق بمجرد اختلاف شدة التمارين، وليس فقط التوقف عنها. يتوقف الأمر على قدرات كل فرد أيضا، علينا أن نضع في الاعتبار هنا أنه ما لم يتعلق الأمر بإصابة، فإن التوقف عن ممارسة التمارين الرياضية لا يعني التوقف تماما عن أي نشاط.
تراجع تدريجي لقوة العضلات
أما عن قوة العضلات، فربما لن تتمكن من ملاحظة فارق كبير في الأسابيع الثلاثة الأولى، ستكون قادرا على حمل البقالة والأوزان الثقيلة كما اعتدت. لكن بعد 8 أسابيع، سيتناقص الحد الأقصى للأوزان التي كان بوسعك رفعها، ويقل عدد التكرارات التي اعتدت عليها. وإذا قررت العودة لممارسة التمارين، فستكون أكثر عرضة للإصابة بألم العضلات بعد يوم أو يومين من التمرين.
ويعتمد معدل الخسارة في قوة العضلات على العمر والنظام الغذائي وجودة النوم وحالتك الصحية، إذ يمكن للتغذية الجيدة -خاصة الغنية بالبروتين- والحفاظ على معدل من الحركة يوميا أن يجعل معدل التغيير أبطأ. لكن ما يحدث عند طول التوقف، هو فقدان تدريجي للمظهر الجمالي للعضلات، بسبب فقدان الغليكوجين داخلها، وتبدأ العضلات في التقلص مع احتمال زيادة الدهون.
وبعد 12 أسبوعا، ينخفض إلى حد كبير مقدار الوزن الذي يمكننا حمله، وتنخفض ألياف العضلات التي تستخدم أثناء القيام بالأنشطة المختلفة نتيجة عدم الضغط عليها، وتصبح العضلات “كسولة”، يحدث التراجع بمعدل أكبر كلما تقدمنا في العمر، لكن تبقى لدى الرياضيين ميزة مهمة، إنهم يفقدون مكتسباتهم من اللياقة بمعدل أقل.
كم تستغرق استعادة اللياقة؟
بشكل عام، فإن مستويات اللياقة لدى معظم ممارسي الرياضة السابقين تبقى أعلى من هؤلاء الذين لم يمارسوها طوال حياتهم، وتظل فرصتهم أكبر في استعادة اللياقة، فحتى خلال فترات الراحة يحتفظ الجسم بـ”ذاكرة عضلية” تساعده على استعادة لياقته بعد شهور من التوقف، أسرع من البدء بممارسة الرياضة لأول مرة.
يرتبط اكتسابنا للياقة البدنية بعوامل مثل العمر، والوراثة، والنظام الغذائي، ونوع العمل، ونمط الحياة، وبشكل عام تكفي 6 جلسات من التدريب لزيادة الحد الأقصى لامتصاص الأكسجين وتحسين قدرة الجسم على استخدام السكر المخزن في الخلايا للحصول على الطاقة أثناء ممارسة الرياضة، كما يمكن خلال أسبوعين أن تظهر آثار التمارين في قوة العضلات -وإن كان تغيير حجم العضلات سيستغرق نحو 8 أسابيع (أو 12 أسبوعا) ليمكن ملاحظته.
النهج البطيء والثابت في البدء من جديد باستعادة اللياقة البدنية قرار مثالي، مهما كانت الفترة التي انقطعت فيها عن ممارسة الرياضة، التمارين الأكثر كثافة خيار آخر، لكن ما تكتسبه بسهولة عرضة لأن تفقده بالسهولة ذاتها.
ويبقى القول إن الراحة في الرياضة فترة مهمة، تساعدنا على التعافي جسديا وعقليا وتمنحنا مكاسب أكبر على المدى الطويل في مستويات اللياقة، وتساعد الرياضيين على تجنب الإرهاق والإصابة التي تحدث بسبب زيادة الضغط على العضلات.
الفيصل هنا أن تكون فترة راحة مناسبة لا أن يطول التوقف، إذا ما اضطررت لذلك ينصحك الخبراء بالمحافظة على الحركة خلال ممارسة الأنشطة اليومية، بدقائق من التمارين القصيرة عالية الكثافة أو حتى بصعود الدرج، القيام بأي شيء هنا أفضل من لا شيء.