تتحول المكسرات من مجرد طبق ثانوي في الأيام العادية يزيّن بعض الموائد إلى عنصر رئيسي في الوجبات الغذائية التي تُقدم خلال شهر رمضان، سواء على مائدة الإفطار أو في الساعات الفاصلة حتى السحور.
وبين استخدامها مع المأكولات المالحة للتزيين أو لإضفاء نكهات مختلفة، إلى كونها مكونا لبعض الحلويات والمشروبات الرمضانية، يكثر الحديث عن الفوائد والأضرار التي تحملها المكسرات باختلاف أنواعها، في ظل توجه غذائي عالمي لاستخدام المكسرات النيئة باعتبارها أكثر صحة من تلك المحمصة.
في حديثها للجزيرة نت، اعتبرت أخصائية التغذية العلاجية ومدربة الصحة العامة، ندى حرفوش أن الطريقة الأمثل لتناول المكسرات هي “النقع فى الماء” لتجنب الأضرار الناتجة عن تناولها نيئة أو حتى محمصة.
وقالت حرفوش إن “تناول المكسرات جزء مهم من النظام الغذائي المتوازن، لكونها مصدرا جيدا للدهون الصحية، واحتوائها على نسب منخفضة من الكربوهيدرات، لكن الطريقة التي نستهلكها بها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قيمتها الغذائية وفوائدها الصحية”.
وعند التحميص، رأت حرفوش أن “المكسرات تفقد جزءا من قيمتها الغذائية وفوائدها مثل تعزيز صحة القلب وتقليل الالتهاب، لكن في المقابل، تحمي هذه العملية من حصول الجسم على نسب عالية من محتوى الفيتات (حمض الفيتيك) في حالة تناولها نيئة”.
وتعرف الفيتات المتواجدة في أنواع المكسرات بمضادات العناصر الغذائية (Antinutrient) لإعاقتها امتصاص بعض المعادن مثل الحديد والزنك والكالسيوم في الجسم.
لذا “تحميص المكسرات يمكن أن يساعد في تقليل مستويات الفيتات، مما يسهل امتصاص هذه المعادن الضرورية”، وفق حرفوش.
وفي السياق، حددت حرفوش أن الطريقة المثلى للحصول على أفضل فائدة من المكسرات هي “النقع لمدة 12 إلى 24 ساعة مع تغيير الماء عدة مرات، ثم غسلها وتجفيفها جيدا في الهواء قبل الاستهلاك لتعزيز قابلية الهضم، وتحسين امتصاص العناصر الغذائية”.
وأوضحت للجزيرة نت أن هذه العملية “يمكنها المساعدة في التقليل بشكل كبير من محتوى الفيتات والإنزيمات المثبطة مثل اللكتين والتريبسين، التي يمكنها إعاقة الهضم وامتصاص البروتينات، وعليه تصبح أكثر توافقا مع الجهاز الهضمي”.
نصائح لتناول آمن
وبينما يعد “النقع” الوسيلة الأمثل لتناول المكسرات، شددت حرفوش على أن بعض أنواع المكسرات مثل الكاجو واللوز المر “يُنصح بتحميصها لضمان الأمان وتقليل المخاطر الصحية” مع التدقيق في الكمية التي يتم استهلاكها.
وفسرت للجزيرة نت قائلة “الكاجو النيئ يحتوي على الأوروشيول، وهو مركب كيميائي يمكن أن يسبب تفاعلات جلدية شديدة مثل الطفح الجلدي والحروق، والنقع وحده لا يكفي لإزالة هذا المركب”.
وأضافت “أما اللوز المر فيحتوي على الأميغدالين وهو مركب طبيعي يوجد في بعض النباتات والبذور، مثل بذور المشمش ونوى الخوخ والتفاح، ورغم خصائص هذا المركب المضادة للسرطان وتخفيف الألم، خاصة المرتبط بالحالات المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، لكنه قد يتحول إلى سيانيد الهيدروجين وهو سم قوي عند الهضم”.
واعتبرت أن النقع أيضا “لا يمكنه وحده إزالة الأميغدالين من اللوز المر، وبالتالي، يجب عدم استهلاكه بكميات كبيرة حتى بعد التحميص”.
وعلى صعيد آخر، حددت حرفوش الكمية المناسبة لتناول المكسرات يوميا بنحو حفنة يد (حوالي 28 جرام) رغم أنها تختلف بناء على الحالة الصحية للفرد ونوع النظام الغذائي الذي يتبعه.
وقالت “بالنسبة للأشخاص الذين لديهم مشاكل في المرارة، من المعروف أن المكسرات يمكن أن تضع عبئا على هذا العضو نظرا لمحتواها العالي من الدهون. في هذه الحالة، يُنصح بتقليل استهلاك المكسرات والتفكير في بدائل مثل البذور، وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات مناعية أو الالتهابات، قد يكون من الحكمة تجنب المكسرات في المراحل الأولى من التعافي”.
وبيّنت أن السبب وراء تجنب تناول المكسرات في حالات المشكلات المناعية “احتواؤها على نسبة عالية من أحماض أوميغا 6 الدهنية، التي يمكن أن تساهم في الالتهاب عندما تستهلك بكميات كبيرة، مقارنة بأحماض أوميغا 3 الدهنية”.
كما حذرت حرفوش في حديثها للجزيرة نت من “الأفلاتوكسينات وهي سموم فطرية يمكن أن تظهر في الفول السوداني والكاجو في حالة تخزينها في ظروف رطبة”.
التوقيت الأفضل لتناول المكسرات
وفقا لحرفوش، يعد أفضل وقت لتناول المكسرات هو خلال وجبة الإفطار أو الوجبة الرئيسية التي تكسر الصيام.
وقالت “أوصي دائما بأن تكون المكسرات جزءا من الوجبة الرئيسية بدلا من تناولها كوجبة خفيفة بين الوجبات”.
وفيما يتعلق بالخطوات التي يمكن اتباعها عند تناول الإفطار خلال رمضان، نصحت حرفوش بـ”تناول وجبات متوازنة ومركزة تبدأ بتناول الخضراوات أولا، في حالة عدم المعاناة من مشكلات في هضم الألياف، حيث تساعد الخضراوات في تحضير الجهاز الهضمي، وتوفير الفيتامينات والمعادن الأساسية مع تعزيز الشعور بالشبع”.
وتابعت “بعد الخضراوات، يُنصح بتناول المكسرات كجزء من الوجبة، حيث توفر دفعة جيدة من الدهون الصحية، والبروتينات، والألياف، والتي يمكن أن تساعد في تحقيق الشبع وإطالة مدته، وهو أمر مهم بعد فترة الصيام”.
أما الخطوة الثالثة خلال وجبة الإفطار، فحددتها حرفوش بـ”تناول البروتينات الدهنية، مثل الأسماك الدهنية، اللحوم، حيث تساعد في إضافة الشعور بالشبع وتوفير الطاقة اللازمة للجسم بعد فترة الصيام”.