تخطط السلطات الليبية لضخ 7 ملايير دولار على مدى ست سنوات من أجل إتمام مشروع “النهر الصناعي العظيم”، الذي يعد أطول مجرى مائي من صنع بشري في العالم.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أمرت فيه إدارة جهاز النهر الصناعي، سعد بومطاري، بإصلاح أعطاب حدثت أجزاء من الأنابيب الناقلة للمياه في اتجاه خط النهر الرئيسي.
وتسببت تلك الأعطاب الاثنين في وقف تزود مناطق في شمال غرب ليبيا بالمياه، علما أن مناطق واسعة في البلاد تعتمد على مياه النهر.
فما هو مشروع “النهر الصناعي العظيم”؟ ولماذا لم يكتمل منذ تدشينه قبل 41 عاما؟
حلم القذافي
العام الماضي، احتفت ليبيا بالذكرى الـ40 لتدشين مشروع النهر الصناعي العظيم. النهر يزود 80 في المئة من سكان البلاد بالماء، ويصفه الليبيون بـ”معجزة العالم الثامنة”، إذ يمتد على طول 3500 كيلومتر، وساهم في يضخ أكثر من 12 مليار متر مكعب من المياه على مدى العقود الأربعة الماضية.
بدأ المشروع كحلم راود الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي أمر بتنفيذه بغرض استغلال المياه الجوفية الواقعة في مناطق بعمق الصحراء الليبية، ونقلها على طول البلاد نحو شمالها حيث توجد المناطق المأهولة بشكل أكبر بالسكان.
ورغم تدشينه عام 1983 إلا أن عمله فعليا لم يبدأ إلا في 1989 حينما تدفقت أولى كميات المياه بخزان “اجدابيا” شمالاً، قبل أن يشرع في تنفيذ آخر مراحله عام 2001.
شريان حياة
يعد مشروع النهر الصناعي العظيم شريان حياة رئيسياً لليبيا. فهو يوفر كميات هائلة من المياه تصل إلى 6.4 مليون متر مكعب يومياً، تُستخدم للاستهلاك الحضري والزراعي والصناعي.
في المرحلة الأولى من المشروع، يتم نقل مليوني متر مكعب يومياً من المياه من أحواض تازربو والسرير عبر أنابيب خرسانية يبلغ قطرها أربعة أمتار وطولها الإجمالي 3500 كيلومتر، ما يعادل طول شبكة نقل المياه في أوروبا الغربية، بحسب المعطيات التي تعرضها إدارة النهر.
وإلى جانب أهميته الاستراتيجية لتأمين المياه العذبة، يشكل المشروع قاعدة لتطوير الزراعة والصناعة في ليبيا، مما يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية.
تم استخدام 5 ملايين طن من الإسمنت في تصنيع الأنابيب التي يتشكل منها المجرى المائي. ويبلغ وزن الأنبوب الواحد 80 طناً بطول 7.5 متر. مجموع هذه الأنابيب يكفي لبناء طريق خرساني يمتد من مدينة سرت إلى مدينة بومباي في الهند، وفق إدارة جهاز النهر الصناعي.
مسار النهر تطلب حفر أكثر من 1300 بئر في الصحراء، بعمق إجمالي يعادل أكثر من 70 ضعف ارتفاع قمة إفرست. وقد بلغت كمية الركام المستخدمة لإنشاء المشروع ما يكفي لبناء 20 هرماً بحجم هرم خوفو الأكبر، بحسب إدارة النهر.
كما صُنعت ناقلات الأنابيب والروافع خصيصاً لتناسب متطلبات المشروع. أسلاك الفولاذ المستخدمة في المشروع لوحدها يمكن أن تلتف حول الأرض 280 مرة.
استئناف المشروع
رغم النجاح الكبير للمشروع، يواجه العديد من التحديات التقنية واللوجستية. مؤخرًا، حدث عطل في أحد الأنابيب الخرسانية في منظومة غدامس-زوارة-الزاوية، مما أدى إلى توقف ضخ المياه إلى بعض المناطق. استجابت إدارة النهر الصناعي بشكل سريع عبر اتخاذ إجراءات احترازية لإصلاح الضرر، حيث شملت سحب المياه من الموقع المتضرر وإرسال أنابيب بديلة من مصنع السرير.
التحدي الآخر يكمن في الأوضاع السياسية والأمنية التي تعانيها ليبيا، والتي أثرت على المشروع وأدت إلى تدمير أجزاء به، فضلا عن وقف أشغال مد أخرى.
ففي عام 2011، أسفرت المعارك التي انتهت بالإطاحة بنظام معمر القذافي عن قصف مصنع الأنابيب في بُرِقَة الذي كان حيوياً للمشروع، مما عرقل تنفيذ المراحل النهائية منه، قبل طرح فكرة استكمالها حاليا.