قال مسؤولون استخباراتيون عرب لصحيفة “وول ستريت جورنال” إنه بعد تزعم يحيى السنوار لحركة حماس خلفا لإسماعيل هنية في أغسطس الماضي، كانت أولى توجيهاته لعناصره هي إحياء التفجيرات الانتحارية ضد إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أنه رغم الشكوك داخل حماس، لم يكن أحد على استعداد للتحدث ضد هذه الممارسة بمجرد أن تولى السنوار قيادة الحركة، وفقًا لمسؤولي الاستخبارات العرب، الذين قالوا إنهم يتواصلون بانتظام مع قادة حماس، بما في ذلك السنوار.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحركة، التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، تتبنى التشدد منذ فترة طويلة، لكن حماس أوقفت إلى حد كبير الهجمات الانتحارية قبل عقدين من الزمان. وفي ذلك الوقت، كانت سلسلة من الهجمات الانتحارية قد نشرت الرعب في شوارع إسرائيل لكنها فشلت في انتزاع التنازلات من حكومتها، وكان بعض قادة حماس يخشون أن تجعل مثل هذه الهجمات المجموعة منبوذة سياسيا.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على الأمر قولهم إنه مع تحول تركيز إسرائيل نحو هجوم بري في لبنان، بعد مقتل زعيم حزب الله، حسن نصرالله، لا يبدو أن المحادثات بشأن وقف إطلاق النار في غزة ستسفر عن أي نتيجة. وداخليًا، يستخف السنوار بمسؤولي حماس السياسيين الذين يعيشون حياة مريحة نسبيًا في قطر، حيث تتفاعل المجموعة مع بقية العالم.
وتلعب قطر ومصر دور الوسيط في الحرب الحالية ونجحتا في إقرار هدنة استمرت سبعة أيام في نوفمبر شهدت تبادل رهائن تحتجزهم حماس بسجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، كما دخلت مساعدات إنسانية إضافية إلى قطاع غزة، وفقا لوكالة “رويترز”.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت حماس مسؤوليتها عن هجومين منفصلين لإطلاق النار في إسرائيل، أحدهما في تل أبيب أسفر عن مقتل سبعة أشخاص والثاني في بئر سبع أسفر عن مقتل جندية إسرائيلية.
وتولى السنوار قيادة المكتب السياسي في أغسطس بعد أن قتلت إسرائيل الزعيم السابق، إسماعيل هنية، في إيران. وكان صعوده تتويجًا لصراع داخلي دام سنوات حول كيفية تحقيق التوازن بين رؤيتين متنافستين للمجموعة، بحسب “وول ستريت جورنال”.
وأوضحت الصحيفة أنه لسنوات، كانت حماس منقسمة بين المتشددين مثل السنوار، الذين ينظرون إلى مقتل المدنيين على أنه ضروري لزعزعة استقرار إسرائيل، والمتشددين الذين يتسامحون مع العنف لكنهم يريدون من المجموعة الحفاظ على بعض الشرعية السياسية كطريق لتحقيق أهدافها المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية.
ووفق للصحيفة، يفرض السنوار الآن رؤيته الأكثر عنفًا على حماس بينما يضغط الجيش الإسرائيلي على المجموعة في غزة.
وتحركات السنوار دفعت مسؤولو حماس في الدوحة إلى انتقاده سراً ووصفه بأنه “مصاب بجنون العظمة”، رغم إشادتهم علنًا بهجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، وفقًا لما قاله مسؤولين عرب ومن حركة حماس للصحيفة.
ولم تستجب حماس لطلبات التعليق من قبل الصحيفة.
ولدى حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، تاريخ طويل من تبني العمليات الانتحارية ضد إسرائيل، وتحديدا منذ اندلاع الانتفاضتين الفلسطينيتين، بين عامي 1987 و1993، وبين عامي 2000 و2005. وشهدت الثانية موجات من التفجيرات الانتحارية نفذتها حماس ضد الإسرائيليين، وقصفا جويا ومدفعيا إسرائيليا على المدن الفلسطينية، بحسب “رويترز”.
ومنذ ذلك الحين، اندلعت عدة جولات من الأعمال القتالية بين إسرائيل وحماس، التي ترفض الاعتراف بإسرائيل. وتصنف إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى الحركة منظمة إرهابية. وتقول حماس إن أنشطتها المسلحة هي مقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
وفي عام 2002، عرضت خطة للجامعة العربية على إسرائيل إقامة علاقات طبيعية مع جميع الدول العربية مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي التي استولت عليها في حرب 1967، وإقامة دولة فلسطينية “وحل عادل” للاجئين الفلسطينيين. لكن حماس فجرت فندقا إسرائيليا كان يغص بناجين من المحرقة في عيد الفصح اليهودي، لتلقي هذه الواقعة بظلالها على الخطة.
وبعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران، انتشرت توقعات ترجح تعزيز جناح الصقور في حركة حماس، وأن تعقبه عمليات ثأر ضد إسرائيل.
ولا يزال الوضع متفجرا جدا بعد مرور عام على اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، والتصعيد بين الأخيرة وحزب الله في جنوب لبنان.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية تصعيدا في صراع متصل عبر الحدود بين إسرائيل ولبنان، حيث تقول جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران إنها تقاتل تضامنا مع الفلسطينيين.
وتدور حرب بين إسرائيل وحركة حماس منذ نفذ مسلحون من الحركة هجوما مباغتا على جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر، تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز 253 رهينة.
وردت إسرائيل بشن حملة عسكرية على غزة أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 41500 فلسطيني، وفقا للسلطات الصحية في غزة، ونزوح نحو كل السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من ديارهم وتدمير معظم القطاع.
والحرب الحالية هي الأشد دموية ضمن حلقات صراع مستمر منذ سبعة عقود بين الإسرائيليين والفلسطينيين أدى إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وتصر إسرائيل على أنها لن توقف الحرب إلا بالقضاء على حماس تماما فيما تقول الحركة الفلسطينية إنها لن تقبل إلا بوقف إطلاق نار دائم وليس مؤقتا.
وتوقع الباحث في مركز دراسات المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، هوغ لوفات، في حديثه لوكالة “فرانس برس” أن “مقتل هنية يعتبر حدث مؤلم جدا للحركة (…) ويمكن أن يشجع أنصار الخط المتشدد”.
واوضح أن “هنية أطلق دينامية معتدلة داخل حماس ولو أن الأمر يبقى نسبيا”.
وتري الوكالة أنه إذا كان إسرائيليون عبروا عن سرورهم لمقتل هنية على الشبكات الاجتماعية، فإن كثيرين يخشون أن يلي ذلك تصعيد عسكري.
فالمباحثات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وعودة الرهائن الذين احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر باتت معرضة للفشل، كما أورد هوغ لوفات، وذلك باعتبار “أن القيادة السياسية الموجودة في الدوحة، بقيادة هنية، ربما تكون ضغطت على السنوار وقيادة حماس للقبول بوقف إطلاق النار”.
ومن جهته اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، مخيمر أبو سعدة، في حديثه للوكالة أن الرد يمكن أن “يأتي من الضفة الغربية أو من جماعات تابعة لحماس في جنوب لبنان”.
ولم يستبعد احتمال تنفيذ “هجوم انتحاري، أو إطلاق النار على جنود أو مستوطنين إسرائيليين”.