أعلنت إسبانيا، الخميس، على لسان وزير خارجيتها، خوسيه مانويل ألباريس، أن مدريد قد قررت الانضمام إلى دولة جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مما يثير تساؤلات عن مغزى التوقيت وأهمية انضمام دولة أوروبية ثانية لاتهام إسرائيل بـ”أعمال إبادة جماعية” في قطاع غزة الفلسطيني.
ويأتي القرار الإسباني في ظل توتر علاقات مدريد الدبلوماسية مع إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية، على خلفية اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية، وهي الخطوة التي لاقت تنديدا من المسؤولين الإسرائيليين الذين اعتبروها “مكافأة للإرهاب”.
وقال ألباريس في مؤتمر صحفي، إن بلاده قدمت طلبا للمحكمة للانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا، بعد دراسة هذا التوجه خلال الأسابيع الماضية.
وأشار إلى أن إسبانيا اتخذت هذا القرار لهدف مزدوج، “عودة السلام إلى الشرق الأوسط والتزامها بالقانون الدولي”، مضيفا: “ندعو مرة أخرى إلى وقف القصف ووقف إطلاق النار في غزة”.
وفي هذا الصدد قال أستاذ القانون الدولي، الدكتور أيمن سلامة، لموقع “الحرة”: “حين قامت إسرائيل بانتهاك الاتفاقية القنصلية الإسبانية الإسرائيلية، وحرمت الفلسطينيين من خدمات القنصلية الإسبانية لم يدر بخلد إسرائيل أن مدريد سترد لها الصاع صاعين في لاهاي”.
وكانت جنوب أفريقيا قد رفعت دعوى ضد إسرائيل، في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي أمام محكمة العدل الدولية على خلفية اتهامها بارتكاب “أعمال إبادة جماعية” ضد المدنيين في قطاع غزة.
وقد انضمت العديد من الدول لاحقا لتلك الدعوى حيث أضحت إسبانيا ثاني دولة أوروبية تحلق بركب تلك القضية التي سبق أن انضمت لها أيرلندا، حسب وكالة رويترز.
وقدمت جنوب أفريقيا إلى المحكمة ملفا من 84 صفحة، جمعت فيه أدلة على “قتل إسرائيل” لآلاف المدنيين في قطاع غزة، وخلق ظروف “مهيئة لإلحاق التدمير الجسدي بهم”، ما يعتبر جريمة “إبادة جماعية” ضدهم.
وفي قرار صدر في 26 يناير، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل ببذل كل ما في وسعها لمنع أعمال الإبادة الجماعية أثناء عمليتها العسكرية في غزة.
لكن جنوب أفريقيا حضت منذ ذلك الوقت مرارا المحكمة على التحرك بحجة أن الوضع الإنساني المتردي في غزة يجبر المحكمة على إصدار مزيد من الإجراءات الطارئة.
طرد ممرضة أميركية بسبب وصفها حرب إسرائيل في غزة بأنها “إبادة جماعية”
طردت ممرضة من إحدى مستشفيات مدينة نيويورك، بعد أن أشارت إلى الحرب الإسرائيلية في غزة على أنها “إبادة جماعية” خلال كلمة ألقتها أثناء استلامها جائزة.
وأمرت محكمة العدل الدولية مجددا إسرائيل في 24 مايو بوقف هجومها العسكري “فورا” في رفح، كما دعت إلى الإفراج “غير المشروط” عن الرهائن الذين احتجزتهم حماس، المصنفة إرهابية، خلال هجوم السابع من أكتوبر.
ورفضت إسرائيل الأسس التي أصدرت المحكمة قرارها بناء عليها، وأصرت على أن عملياتها العسكرية في رفح متوافقة مع القانون الدولي.
وجاء في بيان مشترك لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هانغبي، والمتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية أن “إسرائيل لا تعتزم ولن تنفذ عمليات عسكرية في منطقة رفح تؤدي الى ظروف معيشية يمكن أن تتسبب بتدمير السكان المدنيين الفلسطينيين، سواء في شكل كامل او جزئي”.
كذلك، أمرت المحكمة إسرائيل بإبقاء معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة مفتوحا بعدما أغلقته في وقت سابق من الشهر الحالي مع شنها هجومها في المدينة.
وتابع البيان الإسرائيلي أن “إسرائيل ستبقي معبر رفح مفتوحا أمام دخول المساعدات الإنسانية من الجانب المصري، وستمنع المجموعات الإرهابية من السيطرة على المعبر”.
وقرار المحكمة جاء في إطار قضية رفعتها جنوب أفريقيا العام الماضي ضد إسرائيل أمام الهيئة تتّهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الامم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية، وهو الأمر الذي تنفيه إسرائيل.
وتابع البيان الإسرائيلي “اتّهام جنوب أفريقيا لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بارتكاب إبادة جماعية، كاذب وشائن وبغيض أخلاقيا”.
وكان مصطلح (genocide) أو كما يتداول باللغة العربية “الإبادة الجماعية”، قد ظهر في العام 1944، أي خلال الحرب العالمية الثانية و”الهولوكوست”، وقد صاغه المحامي البولندي، رافائيل ليمكين، لوصف الجرائم التي ارتكبها النظام النازي في ألمانيا آنذاك بحق يهود أوروبا.
وهذا المصطلح مشتق من الكلمة اليونانية “geno” والتي تعني “سلالة أو عرق” والكلمة اللاتينية “cide” والتي تعني “قتل”، ليصبح المصطلح “القتل على أساس عرقي”.
وفي عام 1948، تم اعتماد مصطلح “الإبادة الجماعية” التي قد ترتكب في أيام السلم أو أثناء الحرب، من قبل الأمم المتحدة في اتفاقية أطلق عليها “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
وحسب هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي، أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وكذلك نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
تهديدات لخبيرة في الأمم المتحدة بعد “تفصيل الإبادة الجماعية” في غزة
قالت خبيرة في الأمم المتحدة، كانت قد نشرت تقريرا يفيد بأن هناك أسسا معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة خلال حملتها العسكرية هناك ضد حماس، اليوم الأربعاء، إنها تلقت تهديدات خلال فترة تفويضها.
وطُبِّقت الاتفاقية للمرة الأولى أوائل التسعينيات، بعد أكثر من أربعة عقود من اعتمادها، وذلك خلال العمليات القضائية التي أعقبت صراعات رواندا والبلقان.
“أهمية كبرى”
وعن مغزى انضمام إسبانيا للدعوى المقامة ضد إسرائيل، أجاب سلامة أن “أكثر طلبات الإذن بالتدخل في دعوى منظورة أمام محكمة العدل الدولية هي في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في العام 2023”.
وفي نفس السياق، قالت خبيرة القانون الدولي، الدكتورة ليلى نيكولا، لموقع “الحرة” إن “انضمام مدريد إلى تلك القضية يكتسي أهمية كبرى، فأولا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، هم حكما أعضاء في محكمة العدل الدولية، وبالتالي فإن اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي دخلت حيز التنفيذ في العام 1951 تفرض على الدول الأعضاء في المنظمة الأممية أن يعمدوا إلى منع قيام أي دولة أخرى بممارسة أعمال الإبادة”.
وتابعت: “انضمام إسبانيا إلى تلك القضية يعني أنها متضررة من (أعمال الإبادة الجماعية) في غزة وأنها تسعى لمنعها، وهذا موقف قانوني قوي جدا”.
وزادت: “الدعم في تلك القضية كان يأتي في معظمه من دول الجنوب (العالم الثالث) ولكن مع انضمام إسبانيا وإيرلندا من العالم المتحضر فإن هذا يعطي ثقلا أكبر في هذه القضية الإنسانية”.
وشددت على أن تلك الخطوة “تعكس ازدياد الوعي لدى الغرب بخطورة ما يحصل في قطاع غزة من انتهاكات إنسانية”.
من جانبه، أوضح الخبير في القانون الدولي، أيمن سلامة، أن هناك “واجب دولي على أي دولة تتدخل في دعوى قضائية منظورة أمام محكمة العدل الدولية، وهو أن تثبت بأدلة قانونية أن لها مصلحة قانونية وجوهرية مباشرة في تلك القضية”.
وأردف: “ويجب أيضا على تلك الدولة أن تثبت للمحكمة أن من شأن الحكم القضائي النهائي يكون لها تأثير مباشر على حقوق الدولة المتدخلة (مثل إسبانيا)”.
وشدد الخبير المصري على أن كثرة الدولة المتدخلة مثل مصر وليبيا وتشيلي والمكسيك وأيرلندا ثم إسبانيا سوف يسهل بشكل كبير على محكمة العدل الدولية قبول تلك القضية.
ووفقا لسلامة فإن طلبات التدخل في قضايا محكمة العدل الدولية هي قليلة جدا، مردفا: “ولكن في هذه القضية تحديدا شهدت تأييدا كبيرا من دول متدخلة لدعم لدولة المدعية (جنوب أفريقيا) على الدولة المدعى عليها، وهي إسرائيل”.
يشار إلى أن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة قانونا، لكن تلك الهيئة الدولية لا تمتلك الآليات لتنفيذها.