ميديا بارت: هكذا تشيطن إسرائيل “أونروا” تمهيدا لمحوها

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

كتب موقع “ميديا بارت” الفرنسي أن إسرائيل لم تبرر اتهاماتها بضلوع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في “الإرهاب”، لكن السم فعل فعله وباتت الوكالة على حافة الانهيار مع تواصل حملة إسرائيل وحلفائها لتصفيتها وتصفية حق العودة معها.

وفي تحقيق مطول بقلم ماتيو مانيودي، ذكّر الكاتب ببدايات الحملة حين اتُّهمت “أونروا” بالتواطؤ مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكان من نتائج ذلك تعليق جزء كبير من التمويل، بما أصاب في مقتل خدمات إغاثة 6 ملايين لاجئ فلسطيني أغلبهم في قطاع غزة الذي يعيش مأساة غير مسبوقة في تاريخ القضية الفلسطينية ذهب ضحيتها حتى الآن 30 ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى.

وحسب مانيودي، فإن من يعرفون تاريخ القضية يدركون أن ما تلقاه “أونروا” مجرد مرآة لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، ويدركون أن إسرائيل والمدافعين عنها يمقتون الوكالة ويسعون لتفكيكها.

حملة شرسة

وبداية برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وادعائه بأنها “مخترقة تماما على يد حماس”، وصولا إلى سفارة إسرائيل في باريس التي اتهمتها بـ”تأبيد مشكلة اللاجئين ومنع بسط السلام”، لطالما رُميت “أونروا” بتهمة إطالة الصراع بإدامة فكرة حق عودة 6 ملايين لاجئ، وهو “حق ثابت” أقرته الجمعية العامة الأممية في 1974.

ويذكر مانيودي بأن إسرائيل دعت قبل 7 سنوات كاملة إلى تفكيك الوكالة، وتُواصل حملتها الآن مدعومة بحليفها الأميركي الذي يقول إن الاتهامات ذات مصداقية.

أين الأدلة؟

يقول مدير العمليات السابق في الوكالة، ليكس تاكنبيرغ، لميديا بارت إن “إسرائيل طالما اتهمت الوكالة بعدم التزام الحيادية، لكنها في أغلب الأحيان لم تقدم أدلة”.

أما جلال حسين الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمّان ومستشار “أونروا” فيرى أن الوكالة “باتت رمزَ انخراط الأمم المتحدة في البحث عن حل دائم للمشكلة الفلسطينية لعودة اللاجئين، وإسرائيل تمقتها لأنها تسمح بحق عودة اللاجئين وهو حق تريد القضاء عليه”.

وحسب مانيودي، فإن الخطة الإسرائيلية الحالية تسعى لتفكيك الوكالة في غزة، وقد بدأت نهاية 2023 بتقرير سري لوزارة الخارجية الإسرائيلية أوصى بـ3 مراحل أولها كشف “تعاون” الوكالة مع حماس.

وبدأت الدوامة في 26 يناير/كانون الثاني الماضي عندما فصل فيليب لازاريني مفوض الوكالة نحو 10 موظفين فورا ودون الإجراءات المعتادة ولا تبيان الأدلة، وذلك بعد استلامه “معلومات عن تورط محتمل لعاملين في الهجمات الرهيبة على إسرائيل”.

وجاء ذلك باليوم نفسه الذي طالبت فيه محكمة العدل الدولية إسرائيل بمنع وقوع إبادة جماعية في القطاع.

ويضيف مانيودي أن الفجوة المالية الآن باتت هائلة بعد تعليق الولايات ومعها 18 بلدا آخر عمليات التمويل، قائلا إن الوكالة تحتاج 450 مليون دولار للتكفل بنحو 6 ملايين لاجئ ينحدرون من 700 ألف فلسطيني أجبروا على اللجوء حين قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي.

مقر أونروا في غزة وقد دمر قصف الاحتلال جزءا من واجهته (رويترز)

بلا دليل

وتؤوي مقرات الوكالة في غزة (وبينها 700 مدرسة) 75% من سكان القطاع، وفي رفح يحتشد الآن نحو مليوني غزي في غياب شبه تام للمساعدات، حسب ما نقل “ميديا بارت” عن الناطقة باسم الوكالة تامارا الرفاعي التي أكدت تفشي المجاعة في بعض المناطق.

ويقول مفوض الوكالة لازاريني إن غزة على شفا كارثة هائلة و”إنه أسوأ توقيت لشن حملة على الوكالة ومن دون تقديم الدليل”.

وأضاف أن “زيادة اليأس والجوع يدفع الغزيين إلى مهاجمة قوافل الإغاثة بأنفسهم دون انتظار توزيع المعونة بشكل منظم”.

وأطلقت الوكالة حملة محمومة لإنقاذ نفسها، تشمل إفراد صفحة على موقعها لتفنيد الاتهامات، وخطابا يلقيه لازاريني في الجمعية العامة الأممية بعد غد الثلاثاء.

ويتدفق سيل الاتهامات صوب أونروا منذ نحو شهر دون تقديم أي أدلة، وحتى عندما طالب لازاريني بالبيّنة خلال زيارة إلى إسرائيل في 18 من الشهر الماضي، اكتفى مسؤول في خارجيتها بتبليغه شفويا بأسماء 12 موظفا.

ومع ذلك -يضيف مانيودي- أقدمت الوكالة بعد 8 أيام من ذلك الاجتماع على قرار الفصل الشهير (في أعقاب لقاء عاجل بين لازاريني والأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش).

وكتب مانيودي أن وسائل إعلام كبرى تلقت ملفا باللغة العبرية فيه أسماء ومناصب الموظفين المتهمين ودورهم المزعوم في هجوم 7 أكتوبر، بل تحدث الملف عن 190 موظفا وُصفوا بأعضاء “نشطين” في حماس وحركة الجهاد الإسلامي.

وأضاف أن كثيرا من وسائل الإعلام الأنغلوسكسونية -وبينها “سي إن إن” والقناة الرابعة البريطانية- أوردت التقرير حتى وإن نوهت إلى غياب الأدلة.

أما صحيفة “وول ستريت جورنال” (المملوكة للملياردير روبرت مردوخ) فاختارت إضفاء المصداقية عليه، ونشرت عددا من المقالات الافتتاحية المعادية للوكالة.

يدققون بانتظام

وذكّر مفوض الوكالة لازاريني بأن “أونروا” تزود إسرائيل سنويا بقوائم طواقمها ولم تعترض إسرائيل أبدا، ليتساءل في لقائه مع ميديا بارت “هذه الأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي لم تُنقل أبدا إلى الوكالة ولا إلى الأمم المتحدة، لا أعرف إطلاقا مصدرها وعلامَ تستند”.

ويقول مدير العمليات السابق في الوكالة ماتياس تاكنبيرغ إن “أونروا” كلما وقعت على قذائف أبلغت السلطات الإسرائيلية وحماس بالأمر، وإنها سدّت بالإسمنت أنفاقا عُثر عليها تحت مدارس، مذكّرا بأن مراقبيْن (فلسطيني ودولي) يفحصان بانتظام منشآتها خاصة المدارس.

وماذا عن المقررات الدراسية التي “تطعن في شرعية إسرائيل”؟

عن هذا السؤال يرد أحد مسؤولي الوكالة بالقول “نستخدم مقررات الدول التي نعمل فيها.. في غزة نعتمد مناهج السلطة الفلسطينية. حماس لم تستبدلها منذ سيطرتها على القطاع”.

ورغم ذلك لا تستشعر إسرائيل الحاجة إلى استعراض أدلتها، ورد الناطقة باسم خارجيتها ليئور هايات في لقاء صحفي مؤخرا.”لا أعتقد أننا في حاجة إلى تقديم تفاصيل عن مصادرنا الاستخبارية”.

ومع ذلك علق الحليف الأميركي التمويل، وتبعه الحليف الأسترالي حتى وهو يقر بأنه لم تتوفر له كل الوقائع بعد، وكذلك فعلت دول أوروبية رغم أن “أول ما يتعلمه طالب قانون هو أن مسؤولية إثبات الاتهام مسؤولية يوجِّهها على من يُوجَّه إليه” حسب منسق الشؤون الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل وهو يقف إلى جانب مفوض أونروا في الـ12 من الشهر الماضي.

أحد مقرات أونروا في قطاع غزة (الأناضول)

لكن السم فعل فعله -حسب مانيودي- والوكالة فقدت ثقة المانحين، ناهيك عن حصارها في القدس على يد القوات الإسرائيلية بطردها عددا من مقراتها وحرمانها حتى من حساباتها المصرفية والتضييق عليها بسلسلة من القوانين.

ويريد بعض حلفاء إسرائيل تعويض أونروا بمنظمات أخرى مثل برنامج الغذاء العالمي، لكن الناطقة باسم الوكالة تامارا الرفاعي تؤكد أن “هذه المنظمات لا تملك قوتنا ولا بنيتنا اللوجيستية ولا حتى قدرتنا على الوصول إلى المجموعات الفلسطينية”، لتختتم لقاءها مع “ميديا بارت” بالتحذير من فوضى عارمة في غزة إذا اختفت الوكالة وحتى من مخاطر أمنية حقيقية.

تحقيقات أممية

وتدقق أعلى هيئة تحقيق أممية الآن في صحة الاتهامات الإسرائيلية، بالتزامن مع تحقيق آخر في مدى “حيادية” أونروا تقوده وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، لكن وسائل إعلام كبرى بينها “وول ستريت جورنال” طعنت في نتائجه قبل أن يكتمل.

وتمتنع كولونا في لقائها مع “ميديا بارت” عن تقديم تفاصيل عن التحقيق، لكنها تذكّر بأن “أونروا” ما كانت لتظل موجودة إلى اليوم لو عرفت القضية الفلسطينية طريقها إلى الحل، قائلة “كل الدول حتى من يتهم الوكالة يتفق على حيوية دورها”، باستثناء إسرائيل التي تصر على محو “أونروا” من المعادلة الفلسطينية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *