فقد الجنيه المصري نحو ثلث قيمته أمام الدولار، الأربعاء، بعد قرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة بمقدار 6 في المئة، في خطوة جديدة تأتي بعد سلسلة من الانخفاضات للعملة المحلية.
وقال البنك المركزي إنه رفع أسعار الفائدة 600 نقطة، وإنه سيسمح بأن يتحدد سعر الصرف “وفقا لآليات السوق”.
ووصل سعر الدولار في البنوك المصرية إلى حوالي 50 جنيها، بعد هذا الإعلان، وفق آخر تحديثات المواقع الإلكترونية للبنوك المصرية، وقالت صحيفة المصري، في أحدث تقاريرها إن سعر صرف الدولار سجل 50.10 جنيه مصري للشراء، و50.20 جنيه للبيع.
وجاء هذا الارتفاع بعدما استقر سعر الدولار في البنوك خلال الفترة الماضية عند 31 جنيها تقريبا.
بيع وشراء الذهب.. ملاذ مصريين “للبقاء في منطقة الأمان”
في العامين الماضيين بعد أن مرت، نزل المضاربون الذين يشترون الذهب إلى السوق، حيث أدى انهيار العملة المصرية إلى زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن من الاضطرابات، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وتمثل هذه الخطوة خفضا كان متوقعا لقيمة العملة باعتبار أن تطبيق سعر صرف أكثر مرونة كان يعد أحد المطالب الرئيسية لصندوق النقد الدولي.
ونقلت قناة “القاهرة الإخبارية” عن مصدر وصفته برفيع المستوى، قوله إن توقيع اتفاق “التمويل الجديد بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي من المتوقع أن يتم خلال الساعات القليلة المقبلة”.
ووصل سعر الدولار إلى أكثر من 31 جنيها مصريا، في يناير 2023، للمرة الأولى في تاريخ العملة المصرية، بعد سلسلة من الانخفاضات شهدتها خلال السنوات الماضية.
وخفضت مصر قيمة عملتها أكثر من مرة في تاريخها استجابة لأزمات، أو في محاولة للتوفيق بين العرض والطلب، من أجل تحسين الأداء الاقتصادي وزيادة احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهو ما أثر في الوقت ذاته على مستويات معيشة المواطنين.
وفيما يلي أبرز محطات الجنيه المصري مقابل الدولار:
من جنيه إلى سبعة جنيهات
تقول صحيفة المصري اليوم إنه في 1977 قرر الرئيس الراحل، أنور السادات، عودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء حقبة الاقتراض من الغرب، لكن مع عدم قدرته على تحرير الموازنة العامة سنة 1977 وعدم استمرار تدفق استثمارات الخليج والضعف الاقتصادي العام، حدثت أزمات للدولار وتحرك الدولار رسميا من 1.25 جنيه إلى حوالي 2.5 جنيه.
وحدثت المرة الثانية للتعويم في 2003 عندما قررت حكومة عاطف عبيد تحرير سعر الصرف من أجل خفض العجز في الميزان التجاري وتحقيق توزان بين العرض والطلب في السوق النقدي بزيادة المعروض من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
وكان سعر الدولار وقتها 3.7 جنيه (370 قرشا)، وزاد على إثر التعويم إلى 5 جنيهات و50 قرشا، ثم ارتفع إلى نحو 7 جنيهات، ثم استقر عند 6 جنيهات و20 قرشا في ذلك الوقت.
وفي نهاية عهد مبارك، كان سعر الدولار 5.77 جنيها ، ثم ارتفع بعد أحداث انتفاضة يناير وتولي المجلس العسكري السلطة إلى أكثر من 6 جنيهات، ومع نهاية حكم محمد مرسي في يوليو 2013، كان قد وصل إلى نحو 7 جنيهات، واستمر في الارتفاع نسبيا حتى وصل إلى 8.8 عندما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة.
2016.. انخفاض ضخم في سعر الجنيه
وفي الثالث من نوفمبر 2016، شهدت مصر تعويما جديدا للعملة ليفقد الجنيه نحو نصف قيمته أمام الدولار.
وتخلى البنك المركزي بهذا الإجراء عن ربط عملته بـ 8.8 جنيه مصري للدولار على أمل إعادة العملات الأجنبية إلى النظام المصرفي الرسمي، بعد أن أدت ندرة الدولار إلى تضخم السوق السوداء.
وبالنظر إلى أسعار الفائدة المرتفعة في مصر واستقرار الجنيه وسجل العملة الحافل في التحركات الصديقة للسوق، ضخ الأجانب مليارات الدولارات في سوق ديونها.
وأدى الإجراء إلى انخفاض شديد في قيمة الجنيه بعد القرار مباشرة ليصل إلى نحو 20 جنيها، ثم جرى تداوله عند نحو 17.6 للدولار.
وتسبب تعويم الجنيه في خفض قيمة الرواتب وتراجع القدرة الشرائية للسكان مع ارتفاع الأسعار في العديد من القطاعات، مثل الكهرباء والغاز والألبان والصلب والبناء.
ومع ذلك، زادت الاحتياطيات الأجنبية وتحسنت مؤشرات التوقعات للاقتصاد وزاد النمو وحققت العملة بعض المكاسب بمرور الوقت لتستقر عند حوالي 15.7 جنيها للدولار.
وفي 2019، زادت قيمة الجنيه أكثر من 11 في المئة في 2019، وفق رويترز، وارتفع سعره نحو 199 قرشا مقابل الدولار.
وقالت مونيت دوس، محللة الاقتصاد الكلي وقطاع البنوك إن الارتفاع في قيمة الجنيه لرويترز: “يرجع بالأساس إلى قطاع السياحة سريع النمو، وتحول مصر إلى مُصدر صاف للنفط وتدفقات مستدامة على سندات الخزانة المصرية”.
وفي يوليو 2021، نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، تقريرا بالمكاسب بعد مرور أكثر من 4 سنوات على تحرير سعر الصرف.
وقالت الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية إن العملة تجاوزت تبعات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، وما ولدته من ضغوط على العملات الدولية، وذلك بفضل “الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي نفذتها الدولة على مدار سنوات”.
وكشف التقرير عن أن أداء الجنيه المصري أمام الدولار تحسن خلال الفترة من 30 يونيو 2017 حتى 28 يوليو 2021 بنسبة 13.1 في المئة.
واستطاع الجنيه جني مكاسب أمام الدولار بإجمالي 2.65 جنيه منذ نهاية 2016 حتى 29 يوليو 2021 بواقع 0.03 جنيه في الفترة من 31 ديسمبر 2020 حتى 29 يوليو 2021، و0.31 جنيه في 2020، و1.87 جنيه في 2019، و0.62 جنيه في 2017، بينما تراجع أمام الدولار بمقدار 0.18 جنيه في 2018 .
وأشار التقرير إلى أن هذا الأداء القوي للجنيه انعكس على انخفاض معدل التضخم لـ4.9 في المئة في يونيو 2021 مقارنة بـ 29.8 في المئة في يونيو 2017، ما سمح بخفض سعر الفائدة لـ8.25 في المئة نهاية يونيو 2021، مقارنة بـ16.75 في المئة نهاية يونيو 2017.
“موجة تعويم جديدة”
وفي بداية شهر مارس 2022، أعلن جهاز الإحصاء، ارتفاع معدل التضخم السنوي ليبلغ 10 في المئة لشهر فبراير، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، ورد هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1 في المئة.
ثم قرر البنك المركزي زيادة سعر العائد على الإقراض والودائع بنسبة 1 في المئة.
وأوضح في بيان أن الصراع الروسي الأوكراني أدى إلى “ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي. في ضوء هذه التطورات، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي”.
وأضاف بأنه “يؤمن بأهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر”.
ثم تفاجأت المصارف المصرية بخفض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 17 في المئة تقريبا. وبعد بيان البنك المركزي، تراجع الجنيه 10.67 في المئة، ليصل إلى 17.42-17.52 مقابل الدولار، بحسب بيانات “رفينيتيف” بعدما كان يجري تداوله عند حوالي 15.7 جنيه للدولار منذ نوفمبر 2020.
ثم أظهرت بيانات رفينيتيف بعد ذلك هبوطا ثانيا، بأكثر من 14 في المئة، ليهبط الجنيه إلى 18.17-18.27 مقابل الدولار.
وتوقع بعض خبراء الاقتصاد حينها أن تحصل موجة جديدة من تعويم العملة المحلية في مصر “في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية والغذاء والانخفاض المحتمل في أعداد السياح الروس”، وفق ما جاء في تقرير لبنك الاستثمار “جي بي مورغان”.
ومنذ مارس 2022، واصل تراجع الجنيه مقابل الدولار، وفي أغسطس 2022، عرض البنك المركزي المصري سعر الشراء للدولار مقابل 19.01 جنيها، وهو مستوى لم تنخفض إليه العملة المحلية منذ ديسمبر 2016 عندما بلغت قيمة الدولار 19.3 جنيها بعد أقل من شهر على قرار تحرير سعر الصرف.
وخلال 2022، عانت مصر من النقص الحاد في الدولار، وكان يباع في السوق الموازية بأسعار أكبر من السعر الرسمي بكثير.
وفي 27 أكتوبر 2022، لامس الجنيه المصري أدنى مستوياته على الإطلاق عند 22.5 جنيه مقابل الدولار، وجاء الارتفاع بعد قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة بمعدل 200 نقطة أساس.
وبعدما تعهد البنك المركزي المصري بالتحول إلى سعر صرف مرن بموجب اتفاق للحصول على دعم من صندوق النقد الدولي، استمر انخفاض الجنيه المصري مقابل الدولار. وهوى الجنيه إلى مستوى قياسي بلغ 24 جنيها مقابل الدولار في ظرف 3 أيام فقط، بينما ارتفعت سعر الدولار في السوق السوداء إلى قيم متفاوتة وصلت إلى 40 جنيها أحيانا.
ومن أجل سد الحاجة إلى الدولار، اتخذت مصر اجراءات من بينها خفض حدود السحب النقدي والمشتريات خارج مصر.
وفي 2023، وبينما سعر البنك المركزي المصري الدولار بنحو 31 جنيها، شهدت السوق الموازية نشاطا مكثفا، بعد تجدد الطلب على الدولار مما تسبب في زيادة أسعاره في السوق السوداء إلى مستوى 40 جنيها في أغسطس.
وفي نوفمبر، قفز سعر الدولار في السوق الموازية، إلى مستوى قياسي جديد، رغم إعلان البنك المركزي المصري ارتفاع صافي الاحتياطات الأجنبية، ليصل سعره إلى 50 جنيها، بينما كان لا يزال سعره الرسمي في البنوك حوالي 31 جنيها.
ومنذ نهاية 2023، ارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه مجددا ليصل سعره إلى أكثر من 70 جنيها قبل تراجعه لاحقا.
وتحسن سعر صرف بعد الحديث عن اقتراب الاتفاق مع صندوق النقد على قرض جديد، ومشروع “رأس الحكمة”، فانخفض إلى قرب 53 جنيها، قبل أن يهبط بحلول مارس إلى أقل من 50 جنيها.
بعد تطورات الأيام الأخيرة.. هل “يترنح الدولار” حقا في مصر؟
خلال شهرين تقريبا ارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري في السوق الموازية نحو 30 جنيها ليصل سعره الأربعاء الماضي إلى نحو 73 جنيها، في حين أنه لا يزال سعره الرسمي بـ31 جنيها.
وبعد الإجراء الأخير للبنك المركزي، قالت رويتزر إن مصر ربما تراهن هذه المرة على أن تدفقات العملة الصعبة من المشروعات الاستثمارية، ومن بينها صفقة الحكمة التي قدرت قيمتها بـ35 مليار دولار ستمنع السقوط الحر للجنيه.
وفي 23 فبراير، أعلنت مصر أن الصندوق السيادي الإماراتي سيضخ 35 مليار دولار خلال شهرين في إطار صفقة استثمار لتطوير مدينة رأس الحكمة، ما يخفف الضغط على الجنيه المصري في السوق الموازية.
وتقول الحكومة المصرية إنه تم تحويل 10 مليارات دولار بالفعل من هذه الأموال. وقالت الحكومة، الأسبوع الماضي، إن إجراءات تحويل ودائع حالية في مصر بخمسة مليارات دولار أخرى إلى الجنيه المصري بدأت أيضا، ومن المقرر أن تصل الأموال المتبقية خلال شهرين من توقيع الصفقة.
ومع ذلك، يقول محللون إن الشكوك لاتزال قائمة بشأن التزام مصر بالإصلاحات الهيكلية التي كثيرا ما أرجأت تنفيذها، ومن بينها تحرير سعر صرف العملة وتخلي الدولة والجيش عن هيمنتهما على النشاط الاقتصادي.