مقتل 8 مدنيين في غارات تركية بشمال شرق سوريا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

تشهد مناطق شمال وشرق سوريا منذ يومين تصعيدا واسعا بالضربات الجوية من جانب الجيش التركي، ورغم أن الحالة ليست بجديدة وسبق أن خيمت مرات عدة، إلا أنها تحمل في مشهدها الحالي طبيعة مختلفة من زاوية “المحرّك” والأهداف ذات الطابع الاقتصادي، المرتبطة بطرف عسكري.

ويأتي التصعيد على المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعد هجوم نفذه “حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب ضد موقع عسكري للجيش التركي في شمال العراق، أسفر عن مقتل 12 جنديا. 

وفي أعقابه أعلنت وزارة الدفاع التركية بدء حملة قصف جوي، ردا على ما تعرض له الجنود الأتراك، وأوضحت أنها تستهدف مواقع “حزب العمال” في كل من شمال العراق وشمال شرق سوريا.

وبينما نفذت بالفعل ضربات في شمال العراق، كانت تلك التي حصلت في شمال وشرق سوريا ذات صدى أشد وأعنف، إذ ضربت حقولا نفطية تديرها “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قسد”، ومنشآت أخرى تصب في جميعها في إطار إنتاج الطاقة.

وكانت أولى الضربات على شمال سوريا قد وقعت مساء السبت، واستمرت حتى صباح الاثنين، وبلغ عددها في هذا اليوم 18، حسبما وثّق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، ومواقع إخبارية محلية أخرى. 

“المرصد” قال إن القصف طال منطقتي عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي والقامشلي بريف محافظة الحسكة، واستهدف محطة الكهرباء في حي ميسلون، محطة القطار وموقع تخزين المحروقات (سادكوب)، ومواقع أخرى.

كما استهدف حقولا نفطية تديرها “الإدارة الذاتية” أبرزها حقول “عودة” النفطي والسعيدة الواقع في ريف مدينة القامشلي.

“أوجه تشابه واختلاف”

وتشبه حملة القصف الجوية الحالية تلك التي نفذها الجيش التركي في شهر أكتوبر الماضي بشمال وشرق سوريا، ردا على الهجوم الذي نفذه “حزب العمال” أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة أنقرة. 

وتتشابهان أيضا بطبيعة المواقع التي يتم استهدافها، وهي في الغالب منشآت نفطية وأخرى تستخدمها “الإدارة الذاتية” الكردية.

ومع ذلك يكمن الاختلاف بالمحرك الذي دفع تركيا لشن هجمات جوية، إذ أطلقت الأولى بعدما أعلنت أجهزة الأمن لديها أن منفذي هجوم أنقرة تسللوا وعبروا من شمال سوريا.

في حين جاءت الحملة الثانية، الحالية، بعد هجوم دام في شمال العراق، وهو ما يعتبره مراقبون غير اعتيادي، ولم يسبق أن حصل خلال السنوات الماضية. 

وتنظر تركيا إلى “قوات سوريا الديمقراطية” وعنصرها الرئيسي “وحدات حماية الشعب ” (YPG)، على أنها امتداد لـ”حزب العمال”، الذي تصنفه واشنطن وأنقرة على أنه منظمة إرهابية، وهو ما تنفيه “قسد”، رغم إقرار قائدها مظلوم عبدي في وقت سابق بوجود مقاتلين من الحزب ضمن صفوف قواته.

لماذا الرد في شمال سوريا؟

يرى الباحث السياسي التركي، محمود علوش أن التصعيد الحالي وتركيزه  في شمال سوريا، رغم أن الهجوم ضد الجيش التركي حصل في شمال العراق يرتبط بأنه “لا يمكن الفصل بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني”، وإن “كلاهما تنظيم إرهابي واحد”.

ويضيف علوش لموقع “الحرة” أن ما سبق “يتطلب على تركيا أن تكون فعالة بشكل أكبر في مكافحة الإرهاب، عبر استهداف الوحدات وتقويض قدرتها على تشكيل تهديد”.

وبالعودة إلى شهر أكتوبر الماضي، وفي أعقاب هجوم أنقرة، وجه وزير خارجية تركيا، حقان فيدان رسالة تصعيدية أعلن فيها: “من الآن فصاعدا، كل البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لتنظيم PKK الإرهابي في سوريا والعراق أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخبارية”.

ومنذ تلك الفترة تحولت الضربات الجوية التركية ضد “قسد” إلى مرحلة تصدرها استهداف منشآت الطاقة وحقول تكرير النفط الخام، ومحطات أخرى لتوليد الطاقة.

وبالتوازي مع ذلك، واصل الجيش التركي الإعلان عن استهداف قادة كبار في “وحدات حماية الشعب”، عن طريق الطائرات المسيرة، أو “على يد عملاء ميدانيين”، كما تقول وسائل الإعلام المقربة من الحكومة.

ويعتقد الأكاديمي، الناشط السياسي المقيم في القامشلي، فريد سعدون، أن تركيز التصعيد التركي في شمال سوريا حاليا يرتبط “بمحاولة ضرب استقرار المنطقة ومن ثم ديمومة التمويل وطرق الإمداد والمسائل اللوجستية”.

ويقول لموقع “الحرة”: “عندما يتم استهداف الجيش التركي في شمال العراق تبقى المنطقة شمالي سوريا مستقرة، ولذلك مسألة التمويل والإمدادات تبقى في مأمن”.

لك،  وكما يشير إليه المشهد “يدرك الجانب التركي أن استقرار منطقة شمال سوريا يعني استمرار ديمومة التمويل” لـ”قسد” و”الوحدات”، وهو ما يدفعهم للقصف من أجل “قطع الإمداد والتمويل عن منطقة الجبال”، وفق سعدون.

ويضيف الباحث علوش أن “تركيا من الواضح أنها تريد إرسال رسالة للأطراف المعنية بصراعها مع حزب العمال ولاسيما الولايات المتحدة، بأنها لن تتردد في تصعيد وتيرة مكافحتها”.

“أسباب وراء المنشآت”

وفي بيان لها عصر الاثنين، أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها “حيّدت ما لا يقل عن 56 إرهابيا”، منذ بدء حملة القصف الجوية على مواقع في شمال سوريا والعراق.

وفي المقابل نشرت “الإدارة الذاتية” الكردية بيانا قالت فيه إن “القصف التركي الذي شهدته المنطقة طال عدة مواقع نفطية ومنشآت حيوية وخدمية تنشط لخدمة الأهالي وتقدم الدعم لهم في الإطار الخدمي”.

واعتبر البيان أن “هدف تركيا من القصف ضرب الاستقرار وخلق الفوضى”، مشيرة إلى رفضها التام لهذه الهجمات، “كونها تزيد من المعاناة الانسانية والاقتصادية في المنطقة”.

ويشير الناشط السياسي سعدون إلى أن “الجيش التركي يتقصد استهداف البنية التحتية ومنشآت الطاقة من كهرباء ونفط وغاز لسببين”، الأول يتعلق بعدم نيته التصادم مع الولايات المتحدة التي ترفض استهداف القواعد التي تتواجد بها قواتها. 

ويرتبط الثاني “بمحاولته تأزيم المأزوم في شمال وشرق سوريا”، وإثارة الشعب هناك ضد “الإدارة الذاتية”، كما يعتبر سعدون.

والتصعيد الحالي هو “الأعنف من نوعه” على المنشآت الاقتصادية ومنشآت الطاقة، ويتحدث الناشط السياسي عن “ضرر وخروج جميع محطات ضخ النفط وتجميع الغاز عن الخدمة”.

من جهته يقول الباحث علوش إن “تركيا تدرك أن تقويض ما يسمى بالإدارة الذاتية للوحدات لا يمكن أن يتحقق من الاستهدافات العسكرية فقط، بل باستهداف البنية الاقتصادية لها”.

ويعتبر ضرب المنشآت التابعة “هدفا أساسيا وضررويا لتركيا من أجل كسر الخطر المتمثل بالوحدات”، حسب علوش. 

ويضيف: “النفط مصدر الدخل الأساسي للوحدات لتمويل نشاطها المسلح ضد تركيا”.

وبالتالي “يحاول الجيش التركي قطع هذا المدخل الاقتصادي من أجل زيادة الضغط الاقتصادي على ما يسمى بالإدارة الذاتية التابعة للوحدات”، حسب المتحدث ذاته.

ولا توجد إحصائيات عن حجم إنتاج النفط الذي يعود لصالح “الإدارة الذاتية” الكردية في شمال وشرق سوريا من خلال الحقول التي تسيطر عليها بالكامل، بعدما سيطرت “الوحدات” على المنطقة في 2012.

كما لا توجد إحصائيات عن حجم الخسائر التي تعود على “الإدارة الذاتية”، من جراء القصف الجوي المتواصل.

ويشير إلى أن “تركيا من الواضح أنها تريد إظهار استمرار الحرب ضد حزب العمال في شمال العراق وسوريا”، ويعتقد أن ما حصل في الآونة الأخيرة “يزيد من الضغط على أنقرة، لإيجاد طرق تعاون مع الفاعلين في المسألة، وهما بغداد والنظام السوري”.

ومنذ سنوات تسيطر “قسد” على مناطق ومدن حدودية، وتنقسم ما بين شرق نهر الفرات وغربه.

وفي الشرق تتصدر مدينة عين العرب (كوباني) مناطق نفوذ القوات الكردية وصولا إلى القامشلي والدرباسية والمالكية في أقصى المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق.

أما في غرب الفرات، فتسيطر “قسد” على مدينة منبج (30 كيلومترا غربا)، الواقعة بريف حلب الشرقي، بالإضافة إلى جيب صغير يضم مناطق تل رفعت، وقرى وبلدات تحاذي منطقة عفرين التي خسرتها في 2018.

وفي حين تبدو هذه المناطق ككتل متباعدة ومتجاورة ضمن نطاق سيطرة “قسد” بالكامل، إلا أنها تشهد انتشارا لقوات أميركية وروسية وأخرى للنظام السوري، مع اختلاف التوزع ما بين شرق نهر الفرات وغربه.  

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *